القدس - ترجمة معا - كتب الصحفي جال برغر وهو مختص يالشؤون العربية في ريشت بالعبرية ، تحت عنوان واحد صفر لابو مازن ، ويقول :
لا داعي للمبالغة، فمشاركة الرئيس عباس في جنازة بيريس لم تكن كزيارة السادات الى الكنيست، وكلمة سلام لم تعد تلك الكلمة التي تستطرب اذاننا . ولكن اسرائيل ومنذ 40 عاما تستضيف الزعماء العرب وتلتقيهم، وابو مازن شخصيا يستطيع ان يملأ البوم صور كامل بصور لقاءاته مع الاسرائيليين في العقد الاخير، سواء لقاءات في بيت رئيس الحكومة او داخل اسرائيل او المقاطعة برام الله او كل مكان في العالم . فابو مازن ليس غريبا عن القيادة الاسرائيلية ، والقيادة الاسرائيلية ليست غريبة على الفلسطينيين . ولكن .
ان قرار المشاركة في جنازة بيريس كان بالمعنى الانساني، والرئيس عباس لم يكن مضطرا للقيام بذلك . وكان بامكان الرئيس عباس ان يتذرع بعدم مشاركة زعماء الاردن ومصر اللتان توقعان اتفاقية سلام مع اسرائيل . وكذلك ان يتحجج بعدم مشاركة اعضاء الكنيست العرب في الجنازة . ولكنه رغم كل هذا قرر المجئ والمشاركة .
جاء عباس بموكبه يحيط به الامن الاسرائيلي الى عقر اسرائيل ، جاء الى مكان سيادي اسرائيلي بامتياز ، الى مكان فيه جميع قادة اسرائيل ، وفي كل مكان هنا كانت اعلام اسرائيل ترفرف . جاء الى مراسم حكومية اسرائيلية وهو يعرف ان الكاميرات لن تتركه في حاله ولن تفوت التقاط صورة مصافحته او عناقه لرموز قادة اسرائيل . وكان يعرف ان الشارع الفلسطيني لن يصفق له على هذه اللفتة الانسانية.
من ناحية سياسية ودبلوماسية لا شك ان ابو مازن اراد استغلال زيارته لاحداث اختراق في الجمهور الاسرائيلي الذي خسره في الفترة الاخيرة لانه زار منازل شهداء انتفاضة القدس ورفض شجب عمليات الطعن وصرف الرواتب لعائلاتهم ، وهو الذي دعا في كل مرة الى الانتفاضة تحت كل شجرة ضد الاحتلال ، ولم يقف في وجه عمليات الطعن والدهس والانتفاضة .
واراد عباس ان يغير وجهة النظر التي تصفه انه الرافض ، واراد ان يرسل رسالة للعالم انه جاهز للقاء الاسرائيليين وانه ليس السبب وراء تعطل المفاوضات . وانه يأتي ان لزم الامر حتى جبل هيرتسيل ، وطبعا هذا بعد أيام من رفضه دعوة نتانياهو في الامم المتحدة بان يأتي ويلقي خطابا في الكنيست . هو كان يعلم ان قادة العالم سيتحلقون حول رفات بيريس وهو اساسا كان يريد توجيه رسالة لهؤلاء . وبالذات الرئيس الفرنسي .
ورغم كل هذه المبررات، كانت الخطوة من ابو مازن تحتاج الى قوة نفس كبيرة ، ورغم كل المخاطر فقد قفز في وسط النار وألسنة اللهب ، وكأنما شعرنا للحظة ان الرئيس عباس يضحي بكل تاريخه من اجل اختراق الجمهور الاسرائيلي الذي يترنح ويتردد ويتراجع في تأييد السلام .
الانتقادات ضده تواصلت يوما ونصف اليوم ووصلت حتى البيت الفتحاوي ، ولم تتركه . بل ان جزء من الانتقادات من داخل فتح كانت اشد من انتقادات خصومه السياسيين ، وخرجت علنا قيادة فتح كلها ضده وضد مشاركته حد وصل الامر ببعضهم للمطالبة باستقالته ما يذكرنا بنفس الموجة التي تعرض لها عرفات فاكتفى بمشاهدة جنازة رابين عبر التلفزيون . ابو مازن دفع الثمن وقفز لتحقيق رسالة للعالم وللاسرائيليين .
وحتى لا يقول الاسرائيليون انه لم يقدم ما يلزم من اجل السلام وخاف على شعبيته ، سبح ابو مازن ضد التيار ، والتيار شديد . ولكنها ليست المرة الاولى التي يسبح فيها ابو مازن ضد التيار . فقد عارض وحيدا ، الانتفاضة المسلحة .وشجب بشدة خطف الفتيان المستوطنين في 2014 حد وصل الامر بهم الى تكفيره . ورفض وقف التنسيق الامني بين السلطة واسرائيل واعتبره مقدسا . ولولاه لما استطاع الامن الفلسطيني ملاحقة منفذي العمليات . وقد نجح ابو مازن في اثبات كل ما يريد لكنه اثبت لنا مرة اخرى انه ليس شعبويا .
وحتى لا نبالغ في التقدير فان مشاركة ابو مازن في الجنازة لن تحقق نتائج فورية ، صحيح انه تحدث مع نتانياهو للحظات في الجنازة ولكن نتانياهو تحدث معه عدة مرات عبر الهاتف واخرها حين قدم له العزاء بوفاة اخيه مؤخرا .
مع التأكيد ان ابو مازن قام بخطوة كبيرة من اجل حضور الحكومة الفلسطينية للجنازة . فالطريق من رام الله الى جبل هيرتسيل طويلة . وكم قائد فلسطيني غيره يمكن ان يقوم بقطع هذا الطريق ؟
باللغة العربية هناك مصطلح لوصف الامر اسمه كرامة ، والكرامة هي اهم شئ في علاقة العربي مع الناس في الشرق الاوسط . ولا يجب على نتنياهو ان يكسر وجه ابو مازن . من خلال اي سوء استخدام لمشاركة عباس في غير مكانها .