الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فصل من جحيم غزة.. المهندس حازم فقد منحته للدراسات العليا في الصين.. وفاز بتصريح السفر!

نشر بتاريخ: 04/12/2007 ( آخر تحديث: 04/12/2007 الساعة: 18:31 )
غزة - معا- كتب موسى أبو كرش- في كتابه الشهير "لعنة الفراعنة" ذكر أنيس منصور: أن الزعيم السوفيتي خورتشوف عندما كان يقوم بزيارته التاريخية لمصر في عهد الزعيم الكبير جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي، كان ضمن زياراته التشريفية، زيارة الهرم الأكبر خوفو، وعندما وصل موكبه الى قدم الهرم وصلته برقية عاجلة من المخابرات السوفيتيةKJB ، تنصحه بشدة بعدم دخول الهرم حتى لا تصبيه لعنة الفراعنة.

لم تصب خورتشوف بالطبع لعنة الفراعنة لأنه أخذ بنصيحة "الكي جي بيه" ولم يدخل الهرم، غير أن ولدي حازم الذي لم يزر الأهرامات، ولم يصل حتى جيزتها أصابته لعنة من نوع آخر، لعنة أقوى وأشد وهي "لعنة غزة"، التي دخلها طفلا بعد اتفاقات أوسلو المشؤومة، فحازم الذي وضعت بذرته الأولى في أديس أبابا وانتبذته أمه في عدن القصية، وولد وتلقى دراسته الابتدائية فيها، وجد نفسه بعد تخرجه مهندسا من الجامعة الإسلامية بغزة، يصاب بلعنة المعرفة والطموح والسفر، بعد أن أدرك أن لا مجال للعمل في تخصصه في مجال الاتصالات، فقرر استئناف دراسته العليا "ولو في الصين".

ألم تصب تلك اللعنات "جلجامش" الذي جاب مشارق الأرض ومغاربها بصحبة صديقه أنكيدو في رحلة البحث عن شجرة الحياة؟! ورامبو الذي أصابته لعنة السفر والمشي حتى وجد نفسه بساق واحدة في عدن؟! والمتنبي الذي أصابته لعنة الطموح والسلطة طفلا قبل أن تصيبه لوثة الشعر، فسجن حتى كاد أن يتلف؟!.

شاء القدر أن يتقدم حازم الى منحة للدراسة في الصين في مجال الاتصالات عبر وزارة التربية والتعليم ويفوز بها، ولأن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد تواترت الأحداث، وجاءت أحداث حزيران المشؤومة وانفصل القطاع عن الضفة، وبدأت رحلة الشاب "السيزيفية" وتوالت الصعوبات والعراقيل، فقد تم إقفال معبر إيرز بعد معبر رفح، وأحكام الحصار على القطاع، وبصعوبة تلقى الفتى أوراق القبول بالجامعة وبصعوبة أشد حصل على تأشيرة الدخول، من السفارة الصينية بعد ثلاثة أسابيع من تقديمها لوزارة التربة والتعليم برام الله، وأقفل معبر "إيرز" ببيت حانون لأن "الطخيخة" كانوا له بالمرصاد.

وبدأ الوقت ينفذ وبسرعة، فانتهت المدة القصوى للالتحاق بالجامعة، ثم ما لبثت أن انتهت تأشيرة الدخول في منتصف تشرين ثاني الماضي والشاب ما فتئ يناضل مع أقرانه وأترابه من العالقين والمتضررين من الإغلاق لفتح المعبر .. تظاهر مع من تظاهروا واعتصم مع من اعتصموا أمام وزارة الشؤون المدنية ومعبري إيرز ورفح، وأزعجنا المعارف والأصدقاء والأقارب في بكين ورام الله والقاهرة، بشتى الاتصالات من أجل تسهيل سفره وتمديد منحته وكسبنا أسابيع قليلة سرعان ما انتهت ولكن بقى الأمل في تمديد المنحة وأفلح زملاؤه فعلا في تمديدها في الصين، وأخيرا جاء الفرج وتم الإعلان عن فتح المعبر، وورد أسمه في كشوف الدفعة الثانية في التاسعة والنصف من ليل الأحد، رتبنا حقيبته على عجل واستقبلنا مودعيه من الأصدقاء والجيران والأقارب، وقمنا باتصالات "ماراثونية" لتسهيل دخوله الى مصر، والصين لترتيب دخوله وودعناه في الرابعة من فجر الاثنين أمام مقر وزارة الشؤون المدنية بغزة.

لكن الرياح لا تأتي بما يشتهي الملاح الفلسطيني "غالبا"، إذ يبدو أن جهودا كان لها أن تبذل في الصين ولكنها لم تتم، ففي الخامسة من فجر اليوم ذاته جاءنا اتصال خجول من العاصمة الصينية بكين، يعلمنا الطالب المتحدث بصوت منكسر حزين أن الجهود التي بذلها هو وزملاؤه في الجامعة قد فشلت في تجديد منحة حازم يوما واحدا بعد 1/12/2007 وأن على حازم أن يبقى في غزة لأن الدراسة ستكون على حسابه، فاتصلنا بسفارتنا في الصين، من أجل عمل شيء ـ أي شيء ـ ولكن الردود كانت قاطعة، "المنحة انتهت ولا مجال لتجديدها" وفوق ذلك علينا أن نعلم زميلين آخرين لحازم بعدم السفر لذات السبب" على عجل ضغطت على أزرار الجوال وطلبت من ولدي مغادرة الحافلة وعدم دخول معبر إيرز، لأن منحته انتهت، جن جنون الولد المسكين وفقد أعصابه، وبعد أقل من نصف ساعة وجدته أمامي على الباب مطرقا بوجه باك حزين، في يده تصريح السفر وفي قلبه سَفود من نار.