القدس – معا- وصل الى مدينة القدس صباح اليوم 150 من ابناء الرعية الارثوذكسية في منطقة الجليل في زيارة روحية تحمل الطابع الكنسي وكذلك بهدف الحج الى الاماكن المقدسة في القدس وفي بيت لحم .
وقد استقبل المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس الوفد عند باب الاسباط ومن ثم ابتدأت المسيرة في طريق الالام حيث كانت هنالك محطات توقف فيها الوفد لسماع فصول من الانجيل المقدس وبعض التوضيحات والشروحات من المطران وانتهت المسيرة في باحة كنيسة القيامة حيث دخل الوفد بعدئذ الى الكنيسة فأقيمت صلاة خاصة امام القبر المقدس ومن ثم تجول الوفد داخل الكنيسة حيث قدم سيادة المطران بعض الشروحات والتوضيحات عن اهم المزارات والمواقع المقدسة القائمة فيها .
ورحب المطران في مستهل محاضرته بأبناءنا الاتين من الجليل في يوم مخصص للصلاة والعبادة والتأمل الروحي والتعبير عن التمسك والتشبث بمقدساتنا التي تذكرنا بمحبة الله لنا الذي افتقدنا بموداته وحنانه ورأفته ومحبته للانسان .
تحدث المطران في كلمته عن اهمية القدس في الضمير المسيحي فقال "أن هذه المدينة المقدسة تعتبر بالنسبة الينا قبلتنا الاولى والوحيدة وكنيسة القيامة المجيدة تحتضن اهم المواقع المرتبطة بالايمان والعقيدة المسيحية وفيها القبر المقدس الذي يعتبر من اهم هذه الاماكن حيث بزغ نور القيامة منيرا القلوب والعقول ومبددا ظلمات هذا العالم ."
"ان زيارتكم للقدس هي عودة الى ينابيع الايمان وهي تأكيد على انتماءنا الروحي والانساني والوطني بهذه المدينة المقدسة التي تحتضن اهم مقدساتنا المرتبطة بإيماننا وعقيدتنا فكل ما نقرأه في الانجيل المقدس تم في هذه البقعة المقدسة من العالم .
نحن نرحب دوما بالحجاج والزوار الاتين الينا من كافة ارجاء العالم ولكن يجب ان يتعرف ابناء هذه الديار على تاريخهم وتراثهم ومقدساتهم ، فمقدساتنا ليست متاحف يزورها الزوار والحجاج الاتون من الخارج بل هي اماكن مقدسة تدل على تاريخنا وتراثنا وهويتنا وانتماءنا وتشبثنا بهذه الارض المقدسة ، ففادينا ومعلمنا يسوع المسيح من مهده الى لحده وبعد قيامته وحتى صعوده الى السماء كان ينتقل في هذه الارض المقدسة من مكان الى مكان مبشرا بقيم المحبة والاخوة والسلام بين الناس وبعد صعوده الى السماء لم يترك شعبه فبقي معنا حاضرا في كنيسته وانجيله وكل ما تقدمه لنا الكنيسة المقدسة ، المسيح حاضر معنا في كل حين ، وهو القائل : " عندما يجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فأنا اكون معهم " ، نحن نلمس حضور المخلص في كل مكان نذهب اليه في هذه الارض المقدسة ، كيف لا وهي ارض التجسد والفداء والالام والقيامة ، افتخروا بانتماءكم لهذه الارض المقدسة وحافظوا على تاريخكم واصالتكم ولنتحلى جميعا بالوعي والرصانة والحكمة لكي نتمكن من التمييز بين الخيط الاسود والخيط الابيض .
علينا ان نتحلى بالاستقامة والوعي والحكمة وان نحافظ على قيمنا ومبادئنا ورسالتنا الروحية والانسانية والوطنية في هذه الديار .
لا يجوز لنا ان نتصرف بعقلية الاقلية ، لا يجوز ان تكون عندنا عقدة الاقلية لاننا لسنا اقلية ولا يجوز لنا ان نقبل بأن ينظر الينا الاخرون كأقلية ، نحن لسنا اقلية في وطننا ولسنا اقلية في اي قطر في هذا المشرق العربي ، نحن ابناء هذه الارض التي تاريخها هو تاريخنا وتراثها هو تراثنا وهويتها هي هويتنا ، وبدل من ان نفكر بعقلية الاقلية علينا ان نهتم بحضورنا الفاعل في هذه الديار ، لا يجوز لنا ان نتقوقع في بوتقة الطائفية المميتة ، ولا يجوز لنا ان نستسلم لما يخطط لنا بهدف اقتلاعنا من جذورنا العربية الفلسطينية والنيل من هويتنا وثقافتنا وانتماءنا وتشبثنا بهذه الارض المقدسة .
هنالك بعضا من اولئك الذين يخدمون اجندات معروفة وهدفهم هو الاساءة لهوية المسيحيين الوطنية في هذه الديار ، يريدوننا ان نتخلى عن عروبتنا النقية ، يريدوننا ان نتخلى عن فلسطينيتنا وهم يستغلون بشكل قذر الارهاب المنظم الذي يعصف بمنطقتنا والذي كلنا نعرف من يغذيه ويموله .
ردنا على التطرف والارهاب والعنف والكراهية يجب الا يكون بتقوقعنا وانعزالنا عن محيطنا الانساني والوطني فهذا ما يريده الاعداء ولا يجوز لنا ان نستسلم للمؤامرات التي تستهدفنا والمشاريع المشبوهة الهادفة للنيل من هويتنا الوطنية وتاريخنا وانتماءنا وتراثنا وجذورنا العميقة في هذه الديار .
نتمنى منكم ان تتحلوا بروح الخدمة والعطاء والانفتاح على الجميع فنحن كنيسة تبشر بالمحبة والاخلاص والاستقامة ، نحن كنيسة تنادي بأن يكون ابناءها متحلين بروح الخدمة والعطاء وخدمة الانسان والمجتمع ، لا نريد للمسيحي ان يفكر بعقلية الطائفة فالمسيح عندما اسس كنيسته لم يأتي لكي يؤسس طائفة وانما اتى لكي ينقل البشرية بأسرها من حقبة الظلام والموت والخطيئة الى حقبة النور والبركة والخلاص .
نريد لابناءنا ان يكون لهم حضور في الحياة الوطنية والثقافية والفكرية والانسانية والحياتية ، نحن قلة في عددنا بسبب ما ألم بنا ولكننا لسنا اقلية ويجب ان يكون لنا دور في خدمة مجتمعنا وانساننا في هذه الديار .
كنيستنا ليست كنيسة الاكليروس فحسب ، فالاكليروس والشعب معا وسويا يجب ان يعملوا من اجل نهضة كنيستنا ونشر مبادئها وقيمها السامية ، فلنكن جميعا ملحا وخميرة لهذه الارض المقدسة ، ولتكن خدمتنا فيها بروح التكامل بين الادوار والمواهب .
ان مدينة القدس يكرمها المؤمنون في الديانات التوحيدية الثلاث فهي مدينة مقدسة تتميز بتاريخها العريق وباحتضانها لاهم المقدسات ، انها حاضنة تراثنا الانساني والروحي والوطني.
اننا نرفض الكراهية والعنصرية والتعصب بكافة اشكالها والوانها ، نحن مع التدين ولكن لا يجوز ان يتحول هذا التدين الى كراهية نحو الاخرين ، فالتدين شيء والتطرف والكراهية شيء اخر ، وعلينا ان نعمل معا وسويا كابناء للشعب الفلسطيني على تكريس ثقافة الحوار والتفاهم والاخوة والوحدة الوطنية بعيدا عن مظاهر التطرف والاقصاء والتكفير ، نحن شعب فلسطيني واحد وان تعددت ادياننا ومذاهبنا ، فيجب ان نعمل معا وسويا من اجل خدمة شعبنا وابراز عدالة القضية الفلسطينية التي هي اعدل قضية عرفها التاريخ الانساني الحديث .
هنالك من يزعجهم الصوت المسيحي العربي الفلسطيني الوطني ، لا يريدوننا ان نتحدث عن فلسطين ولا يريدوننا ان نتحدث عن القدس ، ونحن نقول لمن يجب ان يسمع بأنه لن تكون لنا كرامة الا من خلال حرية الشعب الفلسطيني فحرية الشعب الفلسطيني هي حريتنا وكرامته هي كرامتنا وسعيه من اجل الحرية هو سعينا ، لن نستسلم للتطرف والارهاب والكراهية ، لن نستسلم لثقافة الموت والعنصرية والحقد التي يسعى الاعداء لادخالها الى مجتمعاتنا وسنبقى دوما ننادي بقيم المحبة والاخوة والسلام مذكرين انساننا بضرورة العودة الى انسانيته .
علينا ان ننتقل من الاصولية الى الاصالة فالاصالة هي الاستقامة والوحدة والاخوة والتشبث بالارض والهوية ، انها الوحدة الوطنية والانسانية انه خطاب المحبة والاخوة والسلام الذي يجب دوما ان ننادي به في مجتمعنا وفي عالمنا .
نصلي من اجل تحقيق العدالة في ديارنا وان يرفع الظلم عن شعبنا الفلسطيني وان ينعم انسان هذه الديار بالحرية والكرامة التي يستحقها ، نصلي من اجل اخوتنا في سوريا وفي العراق وفي اليمن وليبيا وفي غيرها من الاماكن فمن قلب مدينة القدس نبعث برسالة تضامن الى كل انسان مكلوم ومعذب والى كل انسان جريح ومتألم ، فمن ارض السلام نصلي من اجل سلام بلادنا ومنطقتنا لكي تتوقف الحروب ولكي تنتهى مظاهر الارهاب والقتل والعنف وتسود ثقافة المحبة والاخوة بين الانسان واخيه الانسان .
وزع المطران حنا على الوفد بعضا من المنشورات الروحية الارثوذكسية كما اجاب على عدد من الاسئلة والاستفسارات حول جملة من القضايا الكنسية والاجتماعية والوطنية ، كما وقضايا الحضور المسيحي في فلسطين وفي المنطقة العربية .
وقد اعرب اعضاء الوفد عن اعتزازهم وعن افتخارهم بلقاء سيادة المطران وسماع توجيهاته وكلماته ومواعظه ورسالته الروحية والانسانية والوطنية مؤكدين تقديرهم واحترامهم لحضوره ودوره وما يبذله من جهد في خدمة قضايا العدالة لاسيما قضية الشعب الفلسطيني وتكريس ثقافة التسامح الديني ونبذ التطرف والكراهية ."