نشر بتاريخ: 23/11/2016 ( آخر تحديث: 23/11/2016 الساعة: 17:26 )
رام الله- معا- شدد رجل الأعمال الفلسطيني عبد المحسن القطّان، مؤسس مركز مسارات، على أهمية التعليم والتعليم النوعي والثقافة وصمود المواطنين على أرض الوطن للانتقال إلى مرحلة جديدة تترسخ فيها القضية الوطنية، ونفهم فيها المشروع الصهيوني بصورة أفضل لنكون قادرين على مواجهته.
وأكد على "أهمية الرهان على المستقبل، لأن ميزان القوى المحلي والعالمي الآن ليس في صالحنا، بل في صالح العدو الإسرائيلي، وهذا يجب ألا يولد فينا اليأس، بل علينا أخذ العبر من التاريخ، وإسرائيل في النهاية ستكون مخيرة بين إما أن تعيش معنا (الفلسطينيون والعرب) وفق شروطنا أو أن ترحل، وهذا الأمر بحاجة إلى صمود ودعم هذه الصمود، ونحن من واجبنا تقديم وسائل الصمود، وهناك دعم للصمود لكنه غير كافٍ".
وقال القطّان: إن أحد أهم الصعوبات التي واجهت القضية الفلسطينية أن القيادات كانت في الغالب ضعيفة الثقافة، إضافة إلى عدم فهم العدو، فكانت معرفتها تقتصر على ما تقرأه في الصحف وتطالعه في وسائل الإعلام، لكن الأهم هو معرفة كيفية صناعة القرار في إسرائيل، وفي سياق ذلك قام مركز مسارات مؤخرًا بإنشاء برنامج لدراسة المشروع الصهيوني، من أجل فهم هذا المشروع، وطبيعة الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وصيرورة تطورهما بصورة نقدية، وذلك لتحقيق فهم معمّق لطبيعة وأهداف سيطرة النظام الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، وفهم التناقضات داخل المشروع على طريق امتلاك رؤية وطنية للمشروع التحرّري الفلسطيني، لا سيما أن إسرائيل ابنة الغرب، وتتفوق في أمرين: العقيدة والتعليم.
وأكد على أهمية التضحية وعدم الخوف وعدم اليأس والإحباط في سبيل تحقيق التطلعات والآمال والأهداف في التحرر وتقرير المصير، والحفاظ على التعددية، مشيرًا إلى أن فشل "الربيع العربي" جاء بسبب التآمر ولغياب القيادة التاريخية والمشروع الوطني.
وأشاد القطان بدور مركز مسارات بالمساهمة في تجديد الفكر السياسي وتحفيز التفكير الإستراتيجي، مبينًا أن نجاح مؤسسات المجتمع المدني يتوقف على "وجود قيادة مؤمنة متعلمة وتمويل مستدام" لئلا تحتاج إلى أحد، وتكون عرضة للأجندات الخارجية. كما أكد على ضرورة الالتزام بمبدأ التجديد في القيادات والكفاءات على المستوى الوطني وعلى مستوى المؤسسات البحثية والأهلية.
وتطرق القطّان إلى دور مركز القطان للطفل في غزة في تنمية وصقل شخصية الطفل الفلسطيني وابتكاره لمواهبه في اللغة والثقافة والموسيقى، وقال: هذا المركز مفخرة للفلسطينيين جميعًا، فالفلسطيني إذا أعطي فرصة سيكون قادرًا على إنتاج أشياء كثيرة في التعليم والثقافة وغيرهما، وقد أشاد وزير خاريجة بريطانيا السابق بهذا المركز وكتب مقالا دعا فيه إلى إنشاء مركز مثله في بريطانيا.
وكان القطّان يتحدث خلال لقاء تفاعليّ نظّمه مركز مسارات في مقرّيه في البيرة وغزة، بحضور عشرات السياسيين والأكاديميين والمثقفين ورجال الأعمال، وقد أدار اللقاء بالبيرة هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، بينما أداره في غزة محمد حمدان.
وفي مستهل اللقاء، رحّب الدكتور ممدوح العكر، رئيس مجلس الأمناء، بالسيد القطّان، الذي عبّر عن القضية الفلسطينية في كل مراحل حياته، وحتى بعد قيام السلطة كان مصرًا على أن يعود إلى فلسطين ليبني صروحًا للعلم والثقافة والفكر، مثل مؤسسة عبد المحسن القطان التي تعمل في تطوير الثقافة والتربية في فلسطين والعالم العربي، بالتركيز على الأطفال، والمعلمين، والمبدعين الشباب، وكذلك مركز القطان للطفل في غزة، ومركز مسارات.
وبين العكر أن القطّان يمثل المثقف الفلسطيني الملتزم بقضيته ويمتلك بعدًا للنظر، وتجلى ذلك أثناء انخراطه في منظمة التحرير ورئاسته للمجلس الوطني لفترة. كما كان لديه إحساس عميق بأهمية وجود فكر إستراتيجي ومركز فلسطيني مختص بالتفكير الإستراتيجي، لأنه من العبث التصدي للمشروع الصهيوني من دون وجود فكر إستراتيجي ممأسس.
بدوره، أشاد المصري بدعم القطّان للثقافة والتعليم ومراكز الأبحاث والتفكير الإستراتيجي على مدار حياته الطويلة، وبدعمه المتواصل لمركز مسارات الذي يجعله قادرًا على المحافظة على استقلاليته المالية وجدية إنتاجه الفكري والسياساتي، مبينًا أن شرط القطّان الوحيد لتقديمه الدعم المتواصل لمركز مسارات هو إقامة مركز محترم.
وأوضح أن "أهم ما يميز المركز انفتاحه على الجميع دون إقصاء لأي فكر أو قوة فلسطينية، حيث يتعامل على أن الشعب الفلسطيني شعب واحد، لذا لا تقتصر برامج المركز وندواته ودراساته على الضفة الغربية وقطاع غزة، بل تشمل أيضا مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني في أراضي 48 والشتات، وهذا يعيدنا إلى أهمية التركيز على مصادر قوة الفلسطينيين؛ أي قوة الإنسان الفلسطيني الموجود في الضفة والقطاع والداخل والشتات، وهو ثروة كبرى إذا أُحسن استثمارها".
وتخلل اللقاء التفاعلي عرض فيلم قيصر عن مركز مسارات بمناسبة مرور خمس سنوات على تأسيسه، تناول إستراتيجيات المركز، وبرامجه، حيث تتوزع أنشطة المركز على برنامجين رئيسيين: الأول مراجعة التجربة الفلسطينية، والثاني دراسة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني. ويركزان على محاولة اقتراح رؤية شاملة لإطار الصراع التحرري، بما يشمل مراجعة الفكر السياسي والمشروع الوطني والميثاق الوطني وأهداف وأشكال النضال وإعادة بناء الوحدة الوطنية. كما يهدف البرنامجان إلى طرح خيارات قادرة على مواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد القضية الفلسطينية، وتوظيف الفرص المتاحة لهذا الغرض، إضافة إلى برنامج ثالث مساند يعنى بدراسة التطورات الإقليمية والدولية ذات التأثير على الشعب الفلسطيني وقضيته.
كما تناول الفيلم إنجازات مركز مسارات خلال السنوات الخمس الأولى، حيث عقد 7 مؤتمرات و208 ندوات، وأصدر 26 كتابًا، وأعدّ 207 دراسة وورقة، شارك في إعدادها 131 باحثًا/ة، من بينهم 37 من الشباب، إضافة إلى تنظيم 48 زيارة خارجية، وعقد 34 اجتماعًا لمجلس الإدارة و5 اجتماعات لمجلس الأمناء، فضلًا عن مئات اللقاءات داخل الوطن وخارجه. كما تطرق الفيلم إلى تطلعات المركز المستقبلية في أن يصبح بوصلة فكرية وسياساتية في فلسطين والمنطقة العربية والشرق الأوسط، وأن يضمن انسجام إنتاجه المعرفي والفكري والسياساتي مع هويته ورؤيته ودوره في المجتمع، وأن يساهم بشكل فعال في تجديد الفكر السياسي الفلسطيني عبر بلورة رؤية شاملة تساعد على تحقيق الحلم الفلسطيني في التحرر والعودة وتقرير المصير، بما يشمل الاستقلال الوطني.
وأشاد الحضور بدور القطّان في دعم التعليم والثقافة والفكر والإبداع وإنشاء جيل جديد مثقف ومدرك لقضيته وحقوقه. وأشار بعض الحضور إلى تراجع الأحلام والطموحات على المستويين الفلسطيني والعربي، والتي كانت تستند إلى التحرر والتنمية والاكتفاء الذاتي والعدالة الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى تهميش القضية الفلسطينية، وذلك بسبب وقوع الانقسام الفلسطيني ودخول العرب في حالة فوضى وصراعات وحروب داخلية.
ودعا الحضور إلى الاهتمام بالتعليم النوعي والثقافة والتفكير وتعزيز الثفاقة الوطنية والديمقراطية من أجل بناء الإنسان الفلسطيني، من خلال فكر مبني على التسامح والتعددية والمواطنة وتقبل الآخر. كما دعا آخرون إلى دعم المنظمات المحلية، وتشكيل منتدى رجال أعمال فلسطينيين لدعم الثقافة والتعليم وتعزيز دور الشباب والأجيال القادمة. ونوه آخرون إلى أهمية الدور الذي يقوم به مركز مسارات في رفع مهارات التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات العامة لدى الباحثين الشباب من خلال برنامج تدريبي فريد من نوعه، إضافة إلى برامجه وفعالياته الأخرى الموجهة للشباب.
وتطرق بعض الحضور إلى أبرز التحديات التي تواجه الفلسطينيين، والتي تتمثل بالاحتلال والانقسام وغياب المؤسسة الوطنية الواحدة والمشروع الوطني الجمعي، وتراجع الثقافة والوعي وحقوق الإنسان، إضافة إلى الخطر الأهم المتمثل بالشعور باليأس والإحباط جراء المأزق الذي تواجهه القضية الفلسطينية. وبينوا أن هناك إمكانية لتغيير هذا الواقع.