ديانا بطو مديرة مكتب الوزير محمد الدحلان
نشر بتاريخ: 29/09/2005 ( آخر تحديث: 29/09/2005 الساعة: 20:46 )
ترجمة معا - خرجت ديانا بطو من سيارة المرسيدس السوداء المعتمة النوافذ ، وقد حملت على يدها معطفها واخذت تشكو قوة مكيّف الهواء التي وصلت حد التجمد دون ان تلحظ تأخرها عن الاحتفال الذي حضرت من اجله الى فندق الاميركان كولوني ولمعرفتنا بمدى التزامها بحثنا عن سبب تأخرها لنجد بأنها لم تأخذ الحواجز العسكرية بحسبانها عندما حددت ساعة وصولها المفترضة .
ديانا بطو حقوقية واعدة وعضو في طاقم المفاوضات الفلسطيني وتحمل الجنسية الكندية بجانب جنسيتها الاسرائيلية وتعمل كمساعدة رئيسية للوزير محمد دحلان .كانت قد استبقت قافلة دحلان بقليل ووصلت الى حاجز ايرز في طريقها للقدس ودخلت في جدال طويل مع الجنود المتواجدين على الحاجز حول شروط خروجها من غزة وعودتها اليها مما جعلها تصل متأخرة على غير عادتها .
ولدت ديانا عام 1967 في مدينة الناصرة وترعرعت مع اختيها في عائلة لم تشكل لها السياسة اولوية دون ان تنسى ذكريات البلاد التي سعت الى زيارتها كل اجازة .
وبعد رحلة طويلة في بلاد الغربة اكتشفت هويتها الفلسطينية وهي ترفض حاليا استخدام هويتها الاسرائيلية وخلال سنوات الانتفاضة انضمت ديانا الى دائرة الفعل الفلسطيني الرافض للاحتلال وكرست وقتها وروحها للعمل من اجل القضية انطلاقا من غزة متنازلة بذلك عن حياتها المريحة التي تبعد بسنوات ضوئية من حيث الجودة عن حياتها في غزة .
استهلت ديانا مقابلتها معنا بمداخلة طويلة عن الحواجز الاسرائيلية وتعقيداتها على الحياة اليومية الناجمة عنها وقالت " في كل يوم يتوجب عليك التفكير باشياء صغيرة على حساب امور هادئة ومفهومة، مثلا الحواجز العسكرية الاسرائيلية، صعوبة تحديد جدول زمني محدد وواضح لما تريد عمله يوميا لانك ببساطة لا تسيطر على الوقت فعندما حددت انا موعدا معك اخذت بالحسبان حاجز ايرز وعرفت ان عبوره سيأخذ الكثير من الوقت ومع ذلك تأخرت عن موعدي فعليك اذا قررت عبور ايرز ان تهتم بكل شئ ، ماذا تحمل معك ؟ وحجم الشنطة؟ او هل تحمل معك كاميرا ام لا ؟ لعلك تنجح في اختصار وقت التفتيش، المواطن الاسرائيلي عندما يجمع حوائجه لا يهتم بهذه الامور لكن الفلسطيني عليه الاهتمام بها واذا افترضنا جدلا اننا استعدنا ارضنا فمن يعيد لنا وقتنا المهدور ؟؟".
س- صفي لنا ما يختلج قلبك من مشاعر هذه الايام ؟
ج- يوم امس واول امس كنت في رفح ولم اتمالك نفسي واجهشت بالبكاء ولكن لسبب يختلف تماما عن بكائي قبل عامين عندما زرتها في اعقاب قيام قوات الجيش بهدم مئات المنازل وشاهدت حالة الضياع والتعاسة مرسومة على وجوه السكان حينها لكن هذه المرة كان السبب مختلفا فقد شاهدت الناس يركضون من مكان الى اخر فهذا ذاهب الى العريش وذاك قادم منها وانتابني شعور بانهم احرار فاجهشت بالبكاء على الرغم من انهم ليسوا احرارا في واقع الامر فاسرائيل تسيطر على البحر والجو لكنهم شعروا بالحرية الامر الذي جعلني ابكي .
س-هل تشعرين بتأنيب الضمير لانك كنت محظوظة لم تعيش في صغرك حالة من الحرمان وفقدان الحرية ؟
ج- "بكل تاكيد . لكن الامر يتجاوز تأنيب الضمير ليصل الى الغضب ليس لانني لم اعش حياة الفلسطينيين بل لان الفلسطينيين يعيشون حالة من التشرد والتشتت مثلا عمتي التي تسكن في احد مخيمات اللاجئين في الاردن مرضت بالسرطان وكنت ازورها شهريا وعندما سألتها ماذا استطيع ان اقدم لك ؟
اجابتني دون تردد خذيني الى بلدي وبيتي وهذا ما جعلني ابكي في رفح .
عنوان صغير - الدبابات مقابل غرفة النوم.
والدا بطو مواطنان اسرائيليان- فلسطينيان من سكان منطقة الجليل والدتها من الناصرة ووالدها من منطقة ما يسمى حاليا مجدال هعيمك جهدا ليبعدا بناتهما الثلاث عن السياسة والاعيبها وفي هذا المقام قالت ديانا " لم نكن نعرف بأننا فلسطينيات وكل ما عرفناه اننا عرب وفي سن البلوغ يصبح دور الهوية القومية ليس ذا اهمية وعندما كبرنا عرفنا ان اهلنا موجودون في " البلاد" الوطن" وفي البداية اعتقدنا ان اسم البلاد يشير الى دولة معينة وليس الى وطننا ومسقط رأسنا واحيانا كنا نسمع اسم الناصرة الموجودة في البلاد حيث تسكن صديقة والدنا " نانسي "وهي يهودية امريكية هاجرت الى اسرائيل وتزوجت من اسرائيلي يدعى شائول وانجبت منه ولدين لكن هذا الامر كان يربكنا دون ان يصل حد الازعاج ".
في عام 1987 جاءت جدتنا لزيارة العائلة في كندا وعندما غادرتنا في طريقها الى الجليل طلبت منها اختي دينا ابنة السادسة عشرة ان تذهب معها لحضور اعياد الميلاد المجيدة وعندما جلست امام التلفاز شاهدت صور الانتفاضة الاولى التي احتلت شاشات التلفزة العالمية .
وتضيف ديانا" عندما شاهدت صور الانتفاضة بدأت بطرح الاسئلة واخذت الصورة تتضح امامي رويدا رويدا وادركت من هم الفلسطينيون واننا جزء منهم ولكننا بمحض الصدفة نسكن في الجزء الاخر من العالم .
الدرس الاول في فلسطينيتي تلقيته من نانسي التي اوضحت لي ان والدي طرد من قريته وانه يملك اراضي اخذت منه دون اي تعويض وان عمي قد قتل وعمتي موجودة في الاردن رغما عنها وبصفتها لاجئة .
وبعد ثلاثة اسابيع من رحلتي الى اسرائيل عدت الى كندا وكلي عزم على اكتشاف حقيقة انتمائي وقبل عام فقط ذكرتني والدتي بانني حين عدت من اسرائيل كتبت بانني لا اريد ان اصبح طبيبة بل محامية تدافع عن الفلسطينيين واستطيع القول بان هذه الرحلة قد غيرت مجرى حياتي ".
لكن ديانا التي لم تغرق في ذاتها بل التحقت بالجامعة ودرست اللغة العربية وتاريخ الشرق الاوسط ولم تنسى دراسة القانون لتتخرج محامية مختصة بحقوق الانسان قالت" اهملت القضية الفلسطينية بعد توقيع اوسلو لاني ظننت بان كل شئ انتهى "، لكن مع تعثر الاوضاع والاتفاقيات عادت ديانا وارتبطت بالقضية الفلسطينية من جديد ومنذ عام 96 اخذت بزيارة جامعة بير زيت بشكل سنوي بصفتها ناشطة في حقوق الانسان تعمل في احدى المنظمات الدولية .
عام 99 تلقت ديانا مكالمة هاتفية من طاقم المفاوضات الفسطيني الذي كان يبحث عن محامية، وتعليقا على هذه المخابرة قالت دينا " لا انكر بأنها اطربتني واشعرتني بالاطراء ولكن لشعوري بالمرارة من الحواجز العسكرية واستمرار بناء المستوطنات ابلغتهم بعدم قناعتي بجدوى المفاوضات بين الاحتلال والخاضع له ".
بعدم عام من تلك المخابرة ذهبت الى ستاندفورد بهدف الدراسة وكان اقرب اصدقائي اسرائيلي يدعى "عودي" وزوجته وكنا نتناول العشاء كل مساء تقريبا ضمن اتفاق يقضي بعدم التحدث في مواضيع السياسة او الدين الا فيما يتعلق باعياد كل جانب مما اشعرنا بالراحة ومنحنا شعورا بالاتفاق حتى جاءت قمة كامب ديفد التي شاهدناها سويا من على شاشة التلفاز وعندها توجه الي عودي قائلا " ماذا يريد الفلسطينيون ؟ انتم تضيعون فرصة اخرى وانتم غير مستعدين لاي حل وسط ".
حديث عودي وما يشير اليه اشعرني بغضب عارم وشعرت بأنني مجبرة على القيام بعمل من شأنه افهام الاسرائيليين ماذا نريد؟ ومن نحن؟ وكيف نفكر؟وماذا يحدث عندنا؟ وحزمت امتعتي لاجد نفسي بعد اسبوع في رام الله وتصادف وصولي مع اليوم الاول للانتفاضة الثانية .
وشرعت سويا مع غولغا باتصالات مع الاسرائيليين وتنقلنا من منزل الى اخر وتحدثنا داخل الحرم الجامعي وفي اوساط خاصة عن كل شئ تقريبا ، واعتقد ان قليلا من الثقافة والمعلومات سوف تحل المسألة وقد كنت متعجلة في هذا الامر الى ان ادركت حاجتي الماسة لتعلم الكثير عن الاسرائيليين وطرق تفكيرهم ومشاعرهم ومن الجهة الاخرى بحثت عن طاقم المفاوضين الذين اخبروني بانهم لا يزالون بحاجة الى محامية واعتبرت الامر خدمة عسكرية لمدة عام دون ان اقتل ومرت خمس سنوات على خدمتي دون ان اقتل .
ولكن اليوم الذي لم يقتلها لكنه ترك اثرا لا يمحى في نفسها و ذاكرتها هو يوم 12/3/2002 عندما سيطر الجيش الاسرائيلي على اجزاء واسعة من مدينة رام الله واخرجها من منزلها وقالت " اتصلت مع صديق لي يعمل في مكاتب وكالة الغوث في غزة لاسأله عن احداث جباليا حيث استشهد 15 فلسطيني الذي اجابني بأنني اتناول العشاء على شاطئ البحر وافكر فيك - لاكتشف بأنني افكر في جباليا واهل غزة يفكرون في رام الله وعندها لم اجد من اتصل به سوى والدي صحيح انه انهى 12 سنة دراسية فقط لكن افضل محادثاتي كانت دائما معه وشرحت له الاوضاع وان الجنود اخرجوني من منزلي ليلا وقاموا بتفتيش المنزل مما اشعرني بالخوف والدي جهد لتهدئتي وقال لي انت الان في رام الله مما يعني انك في امان ".
بعد محادثة والدي بنصف ساعة سمعت ضجيجا مرتفعا صادرا عن دبابة اسرائيلية ولم اجد امامي سوى الهاتف لاعاود الاتصال بوالدي واخبرته بأنني اعتقد بان الجيش الاسرائيلي اجتاح رام الله وسمعت صوته يقول لي " اجلسي في البيت ولا تتحركي ".
بعد ذلك بأقل من ربع ساعة اقتربت الدبابة من منزلي لاعود الى الاتصال بابي الذي قال لي " ابتعدي عن الشبابيك واجلسي في منتصف الشقة وطلب مني ان اتصل به كل ربع ساعة " في هذه الاثناء اقتربت الدبابة حتى مدخل الشقة ووجهت فوهتها الى غرفة نومي وحاولت ان اتلصلص من العين السحرية المثبتة في اعلى الباب لكن الجنود غطوها بمادة صفراء حتى لا استطيع رؤية شيء عندها ادركت بأنني فقدت السيطرة على كل شئ وبقيت انتظر حتى سمعت صوت صديقتي غولوريا وهي تصرخ وتقول لي " انهم يصوبون بنادقهم الى رأسي حتى تخرجي اليهم " حينها فتحت الباب واخبرتهم باني مواطنة كندية ولا احمل سلاحا ورجوتهم ان لا يمسوني بسوء وشاهدت ابناء غلوريا الذين لم تتجاوز اعمارهم الثامنة وقد حجزهم الجيش الاسرائيلي في ركن بعيد وقام بتفتيشهم بحثا عن السلاح وهذا المنظر محفور في ذاكرتي الى الابد .
س- هل كان صعبا عليك ان تكوني فلسطينية- اسرائيلية ؟
ج- " انا لا اجد فارقا كبيرا لانني اشاهد حياة عائلتي في الناصرة فهم لا يشعرون بانهم جزء من المكان فهناك حاجز اللغة وحاجز اسلوب الحياة ومشكلة الهوية القومية تحول بينهم وبين الاندماج مع المجتمع الاسرائيلي وما شاهدته في الناصرة شاهدته في اماكن اخرى مثل جنين التي هي ليست الناصرة ولكن هناك ايضا تلمس نفس الاسلوب في التعامل".
ماذا تقولين عن الادعاءات الاسرائيلية والدولية حول الفساد في اجهزة السلطة الفلسطينية ؟
ج- " موضوع الفساد بحاجة الى معالجة سريعة ومكثفة ، ما يزعجني في هذه الاتهامات ليس اذا كان الفساد موجودا ام لا لانني متأكدة من وجوده ولكن حقيقة ان الفسطينيين طالبوا المجتمع الدولي والدول المانحة ان تقف بجانبهم في محاربة الفساد دون جدوى ولان اسرائيل عندما تركز على هذه القضية لاهدافها الخاصة نجد العالم وقد تجند الى جانبها واصبح الفساد قضية دولية وسيفا مسلطا على الفلسطينيين وحجة لاستمرار الاحتلال ".
س- هل تستطيعين تفهّم تفكير الجانب الاسرائيلي بعدم قدرة القيادة الفسطينية على السيطرة على المليشيات المسلحة؟
ج- " نعم اتفهم ذلك بكل تأكيد . لكن القدرة الامنية الفلسطينية ضعفت كثيرا بسبب الجيش الاسرائيلي والامر الاخر ان الفسطينيين تدمروا من الناحية النفسية عندما شعروا بعدم تقدم اي شيء حتى خلال السنوات التي سادها الامل الكبير وعناصر اجهزة الامن الفلسطينية يسالون انفسهم هل وجدوا ليحفظوا الامن الاسرائيلي ؟".
س- كيف تفسرين حق العودة ؟
ج- " انا اعتقد بأنه اذا اردنا معالجة القضية علينا تفهم ما مر به الفسطينيون خلال 57 عاما الاخيرة حيث شعروا بان حياتهم سلبت منهم لذلك من الضروري منحهم القوة من جديد ، واعتقد بانه يجب منحهم حق الاختيار اين يريدون العيش؟ في المخيمات ام في دول اخرى مثل كندا ام في فلسطين التي من المفترض قيامها ام في اسرائيل؟ومع ذلك يجب اعطاؤهم شعورا واقعيا وافهامهم بان البيت الذي كان لهم في اسرائيل لم يعد قائما وكذلك اشجارهم وحجارتهم وان حق العودة يعني تحولهم الى مواطنين في دولة اسرائيل وفي حالة قبولهم بهذا الامر الواقع يقررون ما يريدون .
ترجمة عن معاريف - بقلم تالي ليفكين