رام الله - تقرير معا - دماء وآلام في الظهر والصدر والقدم، وجنود يصوبون بنادقهم نحوه، هذا اخر ما يتذكره الطفل أسامة مراد زيدات (14 عاماً)، من تاريخ التاسع والعشرين من أيلول الماضي، حين أطلق عليه جنود الاحتلال النار عليه، فأصابوه في ظهره وساقه، بينما كان يسير في منطقة زراعية في بني نعيم شرق مدينة الخليل، ليمر الطفل بتجربة الإصابة والاعتقال والتحقيق لخمسة أشهر.
الطفل بات عاجزاً عن السير، فرصاص الاحتلال، تسبب في تفتت عظامه، لتوضع في ساقه مدعمات حديدية من أجل التئام العظام، حتى يبدأ الأطباء مرحلة تدريبه على السير من جديد، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقت طويل، بحسب الاطباء.
في مجمع فلسطين الطبي يرقد الطفل أسامة، وعيناه تبحثان، ربما، عن أصدقائه الأسرى المرضى، الذين أمضى معهم أربعة أشهر ونصف، فيما يعرف بعيادة سجن الرملة، لتبقى المشاهد التي انطبعت في ذاكرته الصغيرة راسخة. أما عائلته فلا تزال تعيش هول الصدمة لغياب الطفل خمسة أشهر.
ويؤكد أسامة أنه تعرض للضرب من قبل جندي عقب خروجه من حالة الإغماء التي أمضى فيها يومين، وتعمد الجندي ضربه في مكان إصابته، والتي أجرى فيها عملية جراحية.
15 يوماً قضاها أسامة في مستشفى إسرائيلي في القدس، ثم نقل بعدها إلى عيادة سجن الرملة، ليكون أصغر أسير في العيادة، التي لا يوجد فيها أي معدات طبية، ويواجه أوقاتا قاسية استمرت قرابة 4 أشهر ونصف.
يتحدث الطفل أسامة طويلاً عن أصدقائه، الذين كانوا يعاملونه كابن لهم، فشاهد الأسرى وأنين الامهم، ويروي بتفاصيل دقيقة معاناة الأسير معتصم رداد من مرض السرطان.
ويؤكد أسامة: شاهدت الأسير معتصم رداد وهو يتناول قرابة 20 حبة دواء دفعة واحدة، ويتناول هذا العدد 3 مرات في اليوم الواحد، للتخفيف من ألمه، مبيناً أن أصوات الألم هي المنتشرة في عيادة سجن الرملة.
ويقول أسامة: على الرغم من شدة الالام التي كنت أعانيها جراء إصابتي الشديدة بالرصاص، إلا أن الامي كنت تخف بمجرد أن أشاهد الام الأسرى الآخرين، مؤكداً أن أصواتهم وهم يأنون من الأوجاع لم تتركه لحظة.
ورغم صغر سنه، فان الطفل الصغير كان يتحدث "كمحلل سياسي"، قائلا: من العار على الفصائل الفلسطينية أن تترك الأسرى المرضى في مقصلة الرملة، كما أسماها.
وعلى الرغم من الأحاديث العديدة عن الإهمال الطبي، فان الطفل الصغير، وصف ما يجري بشكل دقيق، فيقول: كنت مقيداً بالأصفاد في يدي وقدمي، كما جميع الأسرى المرضى، والطبيب يكتفي فقط بمنح المرضى حبة مسكن "أكامول"، ليس إلا، وهي لا تفعل شيئاً، فضلاً عن التعامل الفظ من الأطباء والجنود.
على مدار خمسة أشهر، لم يتسن لعائلة الطفل أسامة زيارته إلا مرات قليلة جداً، ولدقائق معدودات، فكان والده مراد ووالدته لينا وشقيقه الوحيد أنس ينتظرون الثواني، في انتظار رؤية الطفل الجريح المعتقل، ولم يسعفهم أحد بأي معلومة عنه، إلا بعد أيام على إصابته، ومحاولة إعدامه، ولتظل الجراح في صدره وقدمه ذكرى يصعب نسيانها، جعلته يعاني ويلاتها.
الزيارات التي حظي بها الطفل أسامة زيدات تنسيه قليلاً مما كابده، فخلال تواجد طاقم معا، زارته محافظ رام الله والبيرة، د. ليلى غنام، وطاقم المحافظة، ورئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع وطاقم الهيئة، ورئيس نادي الأسير وطاقم النادي، وطاقم من قسم الإرشاد التربوي في وزارة التربية والتعليم.
والد الطفل يؤكد أن طفله المصاب كان متفوقاً في دراسته، ويعرف عنه أدبه وأخلاقه وروحه المرحة، مؤكداً أن ما جرى مع نجله لن يكون سهل النسيان، وسيبقى عالقاً في ذاكرته.
أما والدة الطفل، فطالبت القيادة الفلسطينية بمعالجته حتى يتمكن من السير على قدميه، ويزيل المعدات المثبتة في ساقه، ويعالج اثار الاصابات في الصدر والفخدين، كما طالبت بعلاجه نفسياً، خاصة أن الطفل كبر كثيراً بعد ما قاساه في محاولة الاعدام والاعتقال، وتجربة "مقصلة" الرملة، ومعاناته والأسرى المرضى.
تقرير: فراس طنينة