الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

وفي هذه الأثناء بالضفة../ بقلم: جدعون ليفي/هآرتس

نشر بتاريخ: 25/12/2007 ( آخر تحديث: 25/12/2007 الساعة: 17:14 )
لا تدعوا الهدوء يسرق عقولكم: هو وهمي. في الوقت الذي تتركز فيه الانظار على غزة يسود انطباع بغطاء من الاعلام الذي يتجاهل المسألة - بأن الضفة هادئة. هناك يسيطر "الصالحون" الاخيار الذين توجهنا برفقتهم الى انابوليس، واليهم ستتدفق الاموال من الدول المانحة والحياة هناك رغيدة وادعة. هذا ما تبدو عليه الامور، إلا ان الوضع ليس على هذا النحو. حياة الفلسطينيين في الضفة ايضا أصعب من ان تطاق ودماءهم تراق هناك ايضا. الجيش الاسرائيلي يحافظ على تقاليده ويده سهلة وخفيفة على الزناد بصورة مفزعة. روح انابوليس وكلمات رئيس الوزراء الجذابة لا تخيم على تلك الأجواء.

في الاشهر الاخيرة زرت منازل حداد كثيرة في الضفة. في كل هذه البيوت رثوا أبناءهم الذين قتلوا في الضفة سدى. في كل اسبوع يقتل في الضفة اشخاص أبرياء من دون ان يأتي أحد على ذكرهم. عشرات الفلسطينيين الذين قتلوا في الاونة الاخيرة لم يكونوا كلهم مطلقين للقسام أو قادة خلايا في غزة. اذا اندلعت انتفاضة جديدة في الضفة فستكون نابعة من بيوت العزاء هذه.

روتين الحياة في الضفة غير انساني بصورة صارخة. الليلة التي قضيتها في الصيف الاخير في مخيم جنين للاجئين جسدت لي ذلك: الجيش الاسرائيلي يتسلل الى المخيم كل ليلة وحتى عندما لا يقتل أحد ينشر الرعب الكبير في نفوس آلاف السكان الذين يتضررون ويتأذون نفسيا. عدد قليل من الاسرائيليين يمكنهم ان يتخيلوا لانفسهم روتين حياة كذاك الذي يعيش عليه سكان الضفة في النهار واكثر من ذلك في الليل. هذا من دون ان نتطرق بعد للفقر والحواجز وهدم المنازل.

حكاية قتل ضحايا الضفة في الاشهر الاخيرة ليست موجودة بالمطلق على جدول اعمالنا لانهم لم يردوا من هناك بعد من خلال العمليات (انتقاما لاعمال القتل). ولكن ليس من المؤكد ان يتواصل هذا الهدوء.

أديب سليم كان بائع ترمس مشلول في نصفه الايمن. عندما قام الجيش الاسرائيلي في أحد اقتحاماته لنابلس تجرأ على ابراز رأسه خارجا. الجنود قتلوه على الفور. الناطق بلسان الجيش ادعى انه هدد باطلاق النار على الجنود، ولكن بائع الترمس المشلول لم يكن قادرا على القيام بمثل هذا الامر بأي شكل من الاشكال.

عبد الوزير، ابن عم أبو جهاد، خليل الوزير الاسطوري، كان مدير حسابات متقاعد في الواحدة والسبعين من عمره. هذا الكهل عاش ليلة رهيبة في منزله: الجنود اطلقوا النار بجانب نافذته لساعات طويلة وهو جالس مع زوجته على الاريكة متجمدين من الذعر. وما أن صدر الامر بالخروج من المنزل، خرج منه، فأطلقت عليه النار ليفارق الحياة فورا.

جهاد الشاعر ابن التسعة عشرة عاما كان متوجها من قريته تقوع حتى يسجل في الجامعة. الجنود قتلوه لسبب غير واضح بالعصي والركلات خلال انتظاره عند محطة الباص. الناطق بلسان الجيش أوضح بأن الجنود "تصرفوا كما يجب".

محمد صلاح أصبح شرطيا فلسطينيا بعد ان عمل في تبليط المستوطنات لسنوات. سيارة تجارية فلسطينية مشبوهة حاولت الفرار من الحاجز الفلسطيني في بيت لحم أوقفت أخيرا على يده، وما ان قام بفتح الباب حتى قام المستعربون في داخلها باطلاق النار عليه وقتله. الناطق بلسان الجيش ادعى انه حاول اطلاق النار على الجنود، ولكن كل شهود العيان في الموقع نفوا هذه الرواية كليا.

فراس قصقص خرج للتنزه في أحضان الطبيعة بجانب رام الله بصحبة أخيه وصهره، وعندما شاهدوا مجموعة من الظباء تهبط فارة الى الوادي، توقفوا لمشاهدتها. الجنود الذين انقضوا فجأة اطلقوا عليه النار من مسافة بعيدة من دون أي تحذير يذكر. الناطق بلسان الجيش ادعى ان الجنود اعتقدوا انه يقوم بزرع عبوة ناسفة في قلب المحمية الطبيعية.

كل هؤلاء الاشخاص قتلوا على يد الجيش الاسرائيلي في الاسابيع الاخيرة سدى ومن دون سبب. أضافوا اليهم محمد اشقر من صيدا الذي قتل من مسافة قصيرة في اعمال شغب في سجن كتسيعوت (أنصار) في النقب، وكاملة كبها، العجوز من برطعة التي حاول ابنها نقلها الى مستشفى جنين وأوقف عند حاجز ريحان لثلاث ساعات الى ان توفيت بين ذراعيه، وحالات قتل اخرى - لتحصلوا حينها على الصورة الحقيقية "لمساعي السلام" التي تبذلها اسرائيل، هذا من دون ان نأتي بعد على ذكر البناء في المستوطنات.



*مراسل مختص في حقوق الانسان