بيت لحم- معا- تواجه قيادة حماس في قطاع غزة هذه الايام جدول اعمال مزدحم وغني بالضغوط المتضاربة، فبعد سنوات من سعي الحركة وركضها خلف القيادة المصرية، يبدو ان حكم الجنرالات المصريين مستعد حاليا للتوصل الى تسوية فيما يختص بالعلاقة مع حركة حماس، والتي بدأت بشائرها بتخفيف محدود للحصار المشدد المفروض على قطاع غزة حسب تعبير مقالة نشرها اليوم " الاحد " المحلل العسكري لصحيفة "هأرتس" العبرية " عاموس هارئيل" .
ومن المنتظر ان تسفر الاشهر القليلة القادمة عن بروز قيادة جديدة لحركة حماس بعد انتهاء الانتخابات الداخلية المعقدة التي تشهدها حاليا مؤسسات الحركة وأطرها القيادية، فيما تطالب اسرائيل بتسريع المفاوضات الخاصة بتحرير الاسرائيليين "المدنيين" الثلاثة المحتجزين لدى حماس في غزة، وجثتي الجنديين في وقت تحاول فيه الحركات السلفية ان تشكل تحديا لنظام الحكم التابع لحماس عبر محاولات هذه الحركات التحرش بإسرائيل وتحديها، سواء كان هذا التصرف ردا على "تعذيب رجاله في غزة او انتقاما من حماس لتقاربها مع النظام المصري الذي يقاتل تنظيم" ولاية سيناء" الذي يعد امتدادا " مصريا" لتنظيم داعش .
وتبرز في كل هذه الاحداث مدى قوة وجبروت الجناح العسكري لحركة حماس على حساب الذراع السياسية القديمة للحركة التي ادارتها على مدى سنوات داخل قطاع غزة، حتى وان لم ينجح الجناح العسكري بفرض ارادته الكاملة على الجناح السياسي .
وادعت صحيفة "الشرق الاوسط " السعودية الصادرة في لندن ان الجناح العسكري سجل خلال الانتخابات الداخلية انجازات هامة على حساب الجناح السياسي وهذا الادعاء يتوافق مع تقديرات المجمع الاستخباري الاسرائيلي.
يبدو ان اسماعيل هنية رئيس حكومة حماس بغزة في طريقه لاستبدال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل .
ويعتبر هنية او من سيخلفه في قيادة غزة وهناك بعض المرشحين لهذا المنصب، مثل عماد العلمي وهو قيادي قديم في حماس وخليل الحية، اكثر " اصغاء " واستجابة لتأثير الجناح العسكري مما كان عليه خالد مشعل .
يقود "يحيى السينوار" الذي اطلق سراحه من السجون الاسرائيلية عام 2011 ضمن ما يعرف بـ " صفقة شاليط "، اتجاه تعاظم قوة وتأثير الجناح العسكري ويوصف في اوساط قطاع غزة بالرجل القوي داخل الجناح العسكري لحماس، الذي نجح في تجاوز القيادات الاخرى مثل محمد ضيف ومروان عيسى واحمد الجعبري الذي كان يوصف بانه رئيس اركان حماس، وقتل خلال الحرب الاخيرة على غزة، من حيث مدى وقوة التأثير.
ومنذ اغتيال الجعبري تولى محمد ضيف، الذي نجى بأعجوبة من محاولات اغتيال عديدة، المسؤولية عن غالبية النشاط العسكري لحماس، فيما امتد اهتمام وعمل "السنوار" الى المجال السياسي لدرجة ان مصادر وجهات امنية اسرائيلية باتت تصفه بقائد تيار "الصقور" في قيادة قطاع غزة، دون التزام بالفصل الذي كان سائدا لسنوات بين الجناحين او المستويين العسكري والسياسي .
ويبلغ السنوار من العمر 55 عاما وولد وترعرع في مخيم اللاجئين "خان يونس " وسط قطاع غزة، وهو ابن ذات " الحارة " التي عاش وترعرع فيها القيادي في حركة فتح "محمد الدحلان " وكان من اوائل نشطاء كتائب عز الدين القسام التي اقيمت مطلع الانتفاضة الفلسطينية الاولى، وقد اعتقل مطلع عام 1989 وحكم بالسجن المؤبد بسبب قتله فلسطينيين اشتبه بتعاونهما مع قوات الاحتلال الاسرائيلي .
تولى شقيقه الصغير "محمد " قيادة منطقة خان يونس، وكان على علاقة بعمليات عسكرية ادت الى اسر الجندي غلعاد شاليط في حزيران 2006، العملية التي انتهت بعد 5 سنوات بتبادل للأسرى اطلق فيها سراح شقيقه " يحيى" .
واستغل يحيى السنوار وجوده في سجن نفحه الصحرواي، وجمع حوله الكثير من المؤيدين والمريدين، واطلق سراح اثنين منهما في ذات الصفقة وقد توليا مناصب رئيسية ومركزية في اجهزة الامن التابعة لحماس، وهما روحي مشتهى الذي يتولى مسؤولية ملف الاسرى، و توفيق ابو نعيم رئيس جهاز الامن الداخلي في قطاع غزة .
ويملي السنوار حاليا على حماس تبني خط متشدد في مفاوضات تبادل الاسرى الحالية، خاصة وانه قدم وعدا امام جماهير غفيرة عند اطلاق سراحه، بانه لن يسكت ولن يستكين حتى يطلق سراح جميع اسرى الحركة القابعين في سجون اسرائيل .
وتظهر التسريبات غبر المباشرة الخاصة بمفاوضات تبادل الاسرى، ان يحيى السنوار ورفاقه يحاولون اجبار اسرائيل على تقديم تنازلات ثقيلة، نسبيا، منها وقبل كل شيء اطلاق سراح 55 اسيرا من محرري صفقة "شاليط" ممن اعادت اسرائيل اعتقالهم في الضفة الغربية، وبعد ذلك اجبارها على اطلاق سراح عدد اخر من الاسرى .
ووصف فلسطينيون التقوا مع السنوار الرجل بأنه متطرف، حتى وفقا لمفاهيم حركة حماس وتعبيراتها، انه شخص يتحدث عن الحرب القادمة مع اسرائيل بمصطلحات مأخوذة من سفر الرؤيا، تتعلق بالهلاك والكارثة والخراب حسب تعبير كاتب هذا المقال .