النائب م. إسماعيل الأشقر يعرض مفهوم حماس للاجهزة الامنية - فهل هذه شروط حماس لعودة اجهزة الامن لغزة ؟
نشر بتاريخ: 26/12/2007 ( آخر تحديث: 26/12/2007 الساعة: 21:03 )
في "تقرير لجنة الداخلية والأمن حول الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة "والذي تلاه النائب م. إسماعيل الأشقر مقرر اللجنة، وتم مناقشته من قبل غالبية النواب الحضور، ضمن جلسة المجلس التشريعي لهذا اليوم في غزة ورام الله، ضمن أعمال الدورة غير العادية الثانية.
نص التقرير
مما لا شك فيه أن الوضع الأمني الفلسطيني الداخلي قد وصل في كثير من الأوقات إلى درجة صعبة من التردي والفوضى، وذلك لأن الأجهزة الأمنية المناط بها حفظ أمن الوطن والمواطن، كانت هي أم المشاكل التي واجهت جميع الحكومات الفلسطينية المختلفة، لأن بناءها في الأساس لم يكن على أسس وطنية بل جاء لتطبيق اتفاقيات سياسية، فلقد أهدرت هذه الأجهزة الأمنية ما نسبته 37 % من الميزانية السنوية للسلطة، ورغم ذلك انتشر الفساد والرشوة والمحسوبية والإقطاعيات وغيرها، والتي شكلت إرهاقا خطيراً للموازنة الفلسطينية على حساب التنمية والاحتياجات التي تتعلق بالخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والزراعة ... وغيرها.
إن هذا التأسيس الخاطئ للأجهزة الأمنية وممارساتها أدت إلى تفاقم انتشار ظاهرة الفلتان الأمني في المجتمع الفلسطيني, فقد أدى ذلك إلى ما يلي:
1. انتشار ظاهرة سرقة السيارات بشكل كبير.
2. انتشار ظاهرة السطو على الممتلكات الخاصة والعامة مثل المدارس وغيرها.
3. انتشار ظاهرة المخدرات حيث أصبحت تباع كأي سلعة دون حسيب أو رقيب.
4. انتشار ظاهرة إطلاق النار في كل المناسبات مما أدى إلى سقوط ضحايا أبرياء.
5. انتشار ظاهرة خطف الصحفيين والزوار الأجانب والمساومة عليهم.
6. انتشار ظاهرة سلاح العائلات واستخدامه بين المتخاصمين مما أدى إلى كثرة سقوط القتلى والجراحات بين الناس.
7. انتشار ظاهرة الإتاوات والعربدة من منتسبي الأجهزة الأمنية.
8. انتشار واسع لظاهرة خطف الناس من الشوارع لاعتبارات حزبية والاعتداء على الناس دون حسيب لا رقيب.
9. انتشار ظاهرة اعتلاء الأبراج وإطلاق النار وإغلاق الشوارع بالحواجز.
لقد شوهت الأجهزة الأمنية صورة الإنسان الفلسطيني أمام نفسه وشعبه والعالم، فلقد جعلت الاتفاقيات السياسية والأمنية التي وقعتها م.ت.ف مع العدو الصهيوني من رجل الأمن الفلسطيني الذي اتصف بالفدائي والمناضل والمقاوم ورجل الثورة إلى وكيل للاحتلال, بقيامه باعتقال الآلاف من أبناء شعبنا المجاهدين والمقاومين, تحت ذريعة تطبيق الاتفاقيات والمحافظة على المشروع الوطني, فضلاً عن الاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة, والولوغ في أعراض ودماء الناس وممتلكاتهم, والتدخل في الشئون المدنية للوزارات، وبذلك تشكلت الإقطاعيات لرؤساء الأجهزة الأمنية التي خرجت عن طوع جميع الحكومات, وأصبحت تتعاون مع كل وكالات المخابرات العالمية والإقليمية والصهيونية دون الرجوع للمستوى السياسي أو التنسيق معه أو معرفته من قريب أو بعيد, حتى أن بعضها كانت تستغل التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني, كنافذة للتعاون الأمني بين أجهزة أمن السلطة والاحتلال الإسرائيلي مما تسبب في اغتيال المئات من رموز وقيادات الشعب الفلسطيني, فضلاً عن قصف وتدمير البنية التحتية لفصائل المقاومة على يد قوات الاحتلال, والأخطر من ذلك كله أن التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والأجهزة الأمنية للاحتلال الصهيوني أخذت الصفة الرسمية من قيادة السلطة تحت حجة الالتزام بالاتفاقيات الأمنية.
لذا فإننا نلاحظ أن اتفاقية أوسلو وغيرها من الاتفاقيات, وما تلاها إقليميا ودولياً على الجانب الفلسطيني في الشق الأمني أصبحت تركز فقط على ضرورة التعاون الأمني مع العدو الصهيوني وبتنسيق وإشراف أمريكي مثل تينت, وميتشل, ودايتون لمواجهة المقاومة تحت مسمى محاربة الإرهاب, وتطبيق الاتفاقيات، كل هذه الأمور أصبحت لا تسمح ببناء أجهزة أمنية وطنية, عقيدتها الأمنية الدفاع عن الوطن والمواطن في وجه العدو الصهيوني, وحماية المواطن من التعديات على حرياته الأساسية التي كفلها القانون الأساسي, لذا أصبحت مصداقية ودور هذه الأجهزة أمام المواطن مخدوشةً ومشكوكاً فيها.
لقد تبلورت الأجهزة الأمنية الفلسطينية المتعددة وقياداتها في إطار تحول مفاجئ من مؤسسة الثورة الفلسطينية إلى مؤسسات السلطة على ضوء اتفاقية أوسلو وبشكل محدد البرتوكول الخاص بوضع الأمن والأجهزة الأمنية والذي حدد دورها في مجال حفظ النظام العام, ومكافحة المقاومة تحت مسمى مكافحة الإرهاب والعنف، ولقد لعبت عقلية العمل الثوري والمغلق والسري لبعض الشخصيات الأمنية, وأنماط سلوك مسئولي الأجهزة الأمنية في ولائها الحزبي والفئوي، إلى تبني سياسات مغلقة وخطيرة وسرية عن الجمهور والمؤسسات العامة السمة الأبرز في عمل هذه الأجهزة الأمنية, والذي أدى إلى انتشار الفاسد فيها وفشلها.
ورغم أن المادة (84 ) من القانون الأساسي والتي تنص على أن "قوات الأمن والشرطة قوة نظامية وهي القوة المسلحة في البلاد وتنحصر وظيفتها في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية المجتمع والسهر على حفظ الأمن والنظام العام والآداب العامة وتؤدي واجباتها في الحدود التي رسمها القانون في احترام كامل للحقوق والحريات " إلا أن القانون الأساسي لم يشر بشكل واضح إلى أن المؤسسة الأمنية والعاملين فيها هم أداة تنفيذية للدولة, وليس للحزب الحاكم أو الرئيس أو الملك، ولم يوضح ضرورة إخضاعهم للرقابة البرلمانية أو للمستوى السياسي، حيث اكتفت بالنص على عبارات عامة مثل دورها في السهر على حفظ الأمن والنظام العام والآداب العامة ...الخ, لذلك بنيت وتشكلت أجهزة أمنية متعددة ومتصارعة, يقودها أشخاص ولاؤهم لأنفسهم ومناصبهم, وليس لبناء مؤسسة شاملة موحدة يقودها فريق, ومسئولة أمام مستوى سياسي، وتشرف هي على فروع أمنية في مجالات يتطلبها الدور المناط بها، ويحدد صلاحياتها، لذا تشكلت العديد من الأجهزة الأمنية المختلفة، وشكلت هذه الظاهرة عدم وضوح في صلاحياتها، في ظل غياب قيادة المؤسسة كذلك غياب المرجعية، وبقاء الشخصيات المتنفذة على قمة هرمها، كل ذلك وغيره حول هذه الأجهزة الأمنية إلى إقطاعيات, ومراكز نفوذ لقادتها، حيث لم يعد واضحاً دورها ومبرر وجودها أمام شعبها مما أفقدها المصداقية, والتي تجلت في حقيقة أن هذه الأجهزة أصبحت تهدد السلم الاجتماعي في غياب الشعور بالأمن والأمان ولعبت دوراً كبيراً في انتشار الفلتان الأمني وانتشر العنف في المجتمع الفلسطيني .
إن الفئوية المقيتة التي سيطرت على الأجهزة الأمنية وقيادتها وفسادها أثر بشكل واضح على تداول السلطة بشكل ديمقراطي عقب الانتخابات البرلمانية 2006م والتي تجلت في تمرد هذه الأجهزة الأمنية على الحكومة العاشرة التي شكلتها حركة حماس التي فازت بالأغلبية البرلمانية, وكذلك التمرد على الحكومة الحادية عشر وهي حكومة الوحدة الوطنية، وأصبحت المناكفات والصراعات وعصيان الأوامر والتمرد على قرارات الحكومة هي السمة الغالبة للأجهزة الأمنية، بل أصبحت هذه الأجهزة أداة طيعة لتنفيذ السياسات الحزبية والفئوية والإقليمية, بل وتنفيذ السياسات التي تتعارض مع المصلحة الوطنية والتي تقودها أمريكا وإسرائيل مما دفع الحكومة للدفاع عن المصلحة الوطنية ومنع هذه الأجهزة الأمنية من التمرد على قراراتها والعمل على فضحها أمام الشعب الفلسطيني.
لقد تساوقت الأجهزة الأمنية مع مشاريع الاحتلال وأمريكا وبعض المتصهينين من التيار الانقلابي لإسقاط الحكومة العاشرة والحادية عشر وبكل الوسائل غير المشروعة من التجييش الحزبي باستيعاب آلاف المقاتلين من حركة فتح, وتدريبهم في العديد من الدول, وإدخال كميات هائلة من السلاح والعتاد والذخيرة والسيارات المصفحة, وبتمويل علني من بعض الدول العربية, وإعلان أمريكا من خلال الجنرال كيث دايتون بتمويل هذه الأجهزة بكل المستلزمات المادية والمعنوية ورصد أكثر من ثمانين مليون دولار لتطبيق خطة دايتون للانقلاب على الحكومة العاشرة والحادية عشر, وإبعاد حركة حماس عن المشهد السياسي الفلسطيني, أدى كل ذلك وغيره إلى تصادم عنيف ومسلح بين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة حركة حماس وهذه الأجهزة الأمنية المتمردة, سقط خلال هذه المواجهات المئات من الشهداء والجرحى من كلا الطرفين, وفرضت الحكومة سيطرتها على المقرات الأمنية لجميع الأجهزة في قطاع غزة، مما أدى إلى نزاع سياسي كبير بين حركتي فتح التي لها اغلب قيادات وأفراد الأجهزة الأمنية وحماس صاحبة الشرعية الدستورية.
وعلى اثر ما حدث صرحت الحكومة الفلسطينية متمثلة في حركة حماس بان ما حصل هو خطوة أمنية متعلقة بالأجهزة الأمنية صاحبة الصيت السيئ الذي أساء للكل الفلسطيني وليست سياسية ضد الرئيس محمود عباس أو حركة فتح ولكن الرئيس عباس والمنفلتين من حركة فتح اعتبروا ذلك انقلابا... مما يدلل أن هؤلاء موافقون على ما كانت تفعله الأجهزة الأمنية بالانقلاب على نتائج الانتخابات البرلمانية, وعلى اثر ذلك قام الرئيس عباس بإجراءات غير دستورية مثل تشكيل حكومة في رام الله بقيادة سلام فياض وإعطائها الشرعية بالعمل دون عرضها على المجلس التشريعي واخذ الثقة منه, وتعليق بعض مواد القانون الأساسي في سابقة خطيرة لم تحدث منذ تشكيل السلطة الفلسطينية، وإصدار المراسيم الرئاسية التي تتعارض مع القانون الأساسي الذي يعتبر بمثابة الدستور, وأصبح في الأراضي الفلسطينية حكومتان : حكومة الوحدة الوطنية بقيادة إسماعيل هنية في قطاع غزة، وهي الحكومة الشرعية وتعتبر حكومة تسيير الأعمال، وحكومة سلام فياض غير الشرعية في رام الله، وعلى أثر ذلك علق الرئيس عباس عمل جميع الأجهزة الأمنية المختلفة في قطاع غزة، من الشرطة والأمن الوطني والدفاع المدني ... الخ.
اثر هذا القرار الخطير من الرئيس عباس بتجميد عمل الشرطة والدفاع المدني إلى قيام الحكومة الشرعية بقيادة الأستاذ إسماعيل هنيه بتعبئة الفراغ من رجال الشرطة الشرفاء الذين رفضوا أوامر الرئيس عباس بمغادرة مواقعهم, وكذلك تحويل القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية في الحكومة العاشرة إلى جهاز الشرطة والدفاع المدني والأمن الوطني والأمن الداخلي, مما جعل قطاع غزة يتخلص من أخطر حالة فلتان أمني عصفت به وبشعبنا الفلسطيني منذ تأسيس السلطة، أما في الضفة الغربية فلقد قامت أجهزة الأمن التابعة لحكومة فياض غير الشرعية بمواصلة تطبيق الاتفاقيات الأمنية المقيتة والعودة للتنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني, حتى وصف احد قادة العدو الصهيوني التعاون والتنسيق الأمني في الضفة الغربية انه الأفضل لإسرائيل منذ السبعينيات, مما أثر على أمن وسلامة أبناء شعبنا وعرض المقاومة إلى حملة مسعورة ومزدوجة من الاحتلال الصهيوني والأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية.
وعلى ضوء ذلك فإننا نوصي بالتالي :
1- العمل على إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية باعتبارها أداة من أدوات السلطة، وهي خاضعة للمستوى السياسي وللمساءلة أمام المجلس التشريعي مع توفير كل متطلبات واحتياجات عملها للدفاع عن الوطن والمواطن، وتنفيذ القانون.
2- تحديد الإطار القانوني لعمل الأجهزة الأمنية والشكل المناسب لها، وبناء عقيدتها الأمنية الوطنية للدفاع عن الوطن والمواطن من العدو الصهيوني ومنع التعديات على حرياته الأساسية التي كفلها القانون.
3- تحريم التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني وأي جهة معادية واعتباره جريمة وطنية يحاسب عليها القانون ووقف العمل بالاتفاقيات الأمنية مع العدو الصهيوني, ونوصي بتقديم مشروع قانون أو قرار بهذا الخصوص.
4- بناء مجلس أمن قومي تحدد صلاحيته بقانون.
5- تصليب الجبهة الداخلية، واعتماد الحوار كسبيل وحيد بين أبناء الشعب الفلسطيني، والتوافق على القواسم المشتركة، ونشر ثقافة المحبة والتسامح والتغافر ونبذ الفرقة والاختلاف.
6- احترام العملية الديمقراطية كخيار استراتيجي ووحيد لتداول السلطة بطريقة سلمية وعبر الانتخابات وفي كل مفاصل السلطة الفلسطينية و م.ت.ف.
7- تحريم الاعتقال السياسي بأي شكل من الأشكال وتحت أي مسمى.
8- محاربة كافة أشكال الفلتان الأمني وأسبابه التي أدت إلى حدوثه واعتباره آفة خطيرة تهدد النسيج الفلسطيني.
9- المحافظة على مشروع المقاومة بكافة أشكالها كخيار استراتيجي في التعامل مع الاحتلال الصهيوني, وإبعادها عن أي مناكفات داخلية.
10- مطالبة حركتي فتح وحماس بإنهاء الخلاف الحاصل بينهما والعودة مرة ثانية إلى اللحمة الوطنية واعتماد الحوار كلغة وحيدة بين أبناء الشعب الواحد، ووقف حملات التحريض الإعلامية، والترفع عن استخدام المصطلحات التوتيرية التي تشحن النفوس، وتغليب لغة العقل والمنطق والمصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية.