نشر بتاريخ: 04/03/2017 ( آخر تحديث: 17/07/2017 الساعة: 10:18 )
بيت لحم- تقرير ياسمين الأزرق- معا- بعد أن تصحو عائلات الشهداء من نبأ استشهاد ابنائهم، تسلك طريق المطالبة بإذابة الجليد عن جثامينهم المحتجزة لدى الاحتلال الاسرائيلي، يتقبل أفرادها التعازي الناقصة قبل الدفن، يبكون على صورة لم يقبلوا جبين صاحبها الباردة أو يتبعون أسماءهم بالزغاريد المقطوعة بالبكاء، أما عائلة الشهيد عبد الحميد أبو سرور فشغلها غير ذلك البحث عن "سندريلا" الضائعة.انتشرت الإعلانات التي حملت مواصفات "سندريلا" على صفحات "فيسبوك" من أقارب الشهيد عبد الحميد (19 عاما) من مدينة بيت لحم، حتى أن أصدقاءه والغرباء انشغلوا بالبحث عنْها لقُربها منه وتعلّقه بها، فمن هي سندريلا؟سندريلا ووالدتها بيتي
"أنثى كلب وولف، عمرها أقل من العام، لها شعر ناعم وكبيرة الحجم، ويلف عنقها حزام أحمر اللون" سناريا أبو سرور أحد قريبات الشهيد عبد الحميد كانت قد نشرت على أحد الصفحات عبر فيسبوك وصفا لـ"سندريلا".
زارت وكالة معا منزل عائلة الشهيد عبد الحميد لتتعرف على سندريلا، لكنّها وجدت لها عائلتان الأولى التي تحتويها وهي عائلة الشهيد والثانية هي "بيتي" الكلبة الأم وأفراد آخرون ضاعوا أو فقدوا. تقول والدته أزهار أبو سرور لـ معا، كان عبد الحميد متعلقا ببيتي وأبنائها، لكنّ سندريلا كانت المفضلة لديه لأنها أنثى، ورغم معارضتي الشديدة في البداية لكنه أحضر "بيتي" لتُنشئ لدينا عائلتها الخاصة.والدة الشهيد: عندما وجدنا سندريلا كأننا وجدنا كنزا
"عندما ضاعت سندريلا كان يوما حزينا، شعرنا بأننا لم نحافظ على الأمانة التي تركها لنا عبد الحميد، فقد أوصى والده عليها عندما كان قد قرر السفر للدراسة في الخارج بعد أن ينهي الثانوية العامة". تضيف أزهار.
بعد أكثر من شهر، هاتفهم محمود معالي والذي كان قد وجدها في أحد الأحراش، ولم يكن يعلم أنها تعود لعائلة أبو سرور، أكدت والدته أنها لم تصدق إلا حين ذهبت فرأتها بنفسها، وكانت حالتها مزرية ليست كما اعتادت أن تكون عليه وهي مع عبد، فأخذوها للطبيب، تقول:" عندما وجدتها وكأني وجدت كنزا".
عبد الحميد.. كان صديقا وطبيبا ومربّيا جيدا للكلاب
"كان عبد الحميد قد أعطى قريبنا كلبا أحضره مع بيتي، فمرض الاثنان بنفس المرض، هو لم يعتمد على ما أعطاه الطبيب له أما قريبنا فقد أحضر طبيبا لعلاج الكلب، مات كلب قريبنا وعاشت بيتي، فقد كان يبحث عبر الانترنت عن علاج للمرض ويعد خلطات علاجية خاصة، كان يريد أن يصبح طبيبا بيطريا، لكنه استشهد" تضيف أزهار.
عندما أنجبت "بيتي" الجراء، صنع عبد الحميد لها بيتا صغيراً، وضع به تدفئة وقرب ماء دافئ، ومدّ له الإنارة.تقول والدته: لم ينم لليلتين كاملتين وهو يدفئ المناشف قبل أن يلف الجراء بها، وعندما يطلع الفجر يعيد تشغيل التدفئة في المنزل الصغير خوفا من أن يبردوا، وحزنت عليه في الليلة الثالثة فعرضت المساعدة لينام، لم أكن معتادة على الدخول إلى منزلهم، لكني فعلت ذلك لأجله.أزهار التي اعترضت على وجود الكلاب في المنزل، صارت تتابع دفترهم الطبي لأخذ اللقاح اللازم بين فترة وأخرى، تهتم بتنظيفهم فلديهم جدول استحمام دوري، تقدّم لهم الطعام اللازم، تقول أزهار:" وجبتهم المفضلة أقدام الدجاج، ننظفها ونقلّم أظافرها ثم نضعها في ماء ساخن لتصبح طرية قبل أن نقدمها للكلاب"."كنت ضد الحيوانات في المنزل لأنها أرواح يجب أن تكون حرة، لكنّي الآن خضعت للأمر، وصارت جزءا من العائلة، حتى أن أصدقاءه طلبوا أن أعطيهم واحدا منهم لكني لم أقبل، أحيانا يأخذونهم للتنزه، لكن الأهم أن يعودوا إلى المنزل". تضيف والدة الشهيد. عبد الحميد الإنسان لم تظهر إنسانيته فقط مع كلابه، ففي أحد المواقف التي استذكرتها والدته، أن أحد جيرانهم ربط حصاناً بحبل في الشجرة، وكان الحبل قصيرا فلا يستطيع الحصان أن يأكل العشب، ولم يكن صاحبه يضع ماء له، فكان فور عودته للمنزل يضع ماء وعشبا أمامه بشكل يومي، وصنع حبلاً طويلا له حتى يستطيع أن يتحرك ويتناول طعامه، كما قالت أزهار.
في أنحاء المنزل الكثير من الصور لعبد الحميد، في أكثرها تشع ابتسامة في وجهه، خاصة عندما يتعلّق الأمر بشقيقته الصغيرة "شام" التي كلّما سئلت عن عبد الحميد تجيب والدتها بأنه "ذهب إلى السماء للدراسة، أو ليحضر لها حاجيات" ربما لأنها لم تع بعد ماذا يعني أن يكون عبد لن يعود أبدا.
الاحتلال يحتجز جثمان عبد الحميد والشهداء الـ 5 كورقة ضاغطة سياسيا
وكحال الكثير من عائلات الشهداء، يشارك والدا الشهيد عبد الحميد في جميع المسيرات المطالبة باستعادة جثامين الشهداء، يلجآن لكل الوسائل الممكنة، في حين لا تزال المحاكم الإسرائيلية ترفض تسليمهما جثمان نجلهما المحتجز منذ الفترة الأطول بين جثامين الشهداء في الهبة الجماهيرية الأخيرة.وقال عضو اللجنة القانونية لاسترداد جثامين الشهداء محمد عليان والد الشهيد بهاء، إن
حكومة الاحتلال طالبت محكمة العدل العليا الإسرائيلية بإلغاء الأمر الاحترازي الذي أصدرته في تموز الماضي والقاضي بالافراج عن الشهيد أبو سرور ودمج ملف الشهداء الستة المحتجزة جثامينهم في ملف واحد، من أجل الضغط السياسي في صفقات تبادل محتملة، وتأجيل النظر في ملفهم إلى تاريخ 22/3/2017.تقول والدته،" ربما عبد الحميد اختار طريقه مرغما من كل ما نراه من الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته المستمرة، لم يكن شخصا عاديا إنما كان إنسانا يحب الحياة، لو يشاركني الجميع في المسيرات ربما نستعيده، لأن اليوم ابني وغدا سيكون غيره مختارا أو دون ان يقصد الشهادة".
الفلسطيني يُرغم على السير في طريق ما من الطرق التي تقوده إلى القضية، لكنه كما قالت والدة عبد الحميد "ليس إرهابيا وإنما إنسان".
يذكر أن الشاب عبد الحميد أبو سرور (19عاما) كان طالبا في الثانوية العامة الفرع العلمي، وهو حفيد الشهيد القائد في الجبهة الديمقراطية عبد الحميد أبو سرور وسمي على اسمه، وأصيب في نيسان الماضي بعد تنفيذه عملية في حافلة الركاب رقم 12 في مدينة القدس، والتي أسفرت حسب المواقع العبرية عن إصابة 20 إسرائيليا، نقل على إثرها إلى مستشفى "شعاري تصيدق" ليعلن استشهاده بعد يومين من العملية.