الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الخليل- قصة المرأة التي قفزت عن جدار الفقر بخطوة تغيير

نشر بتاريخ: 15/03/2017 ( آخر تحديث: 17/03/2017 الساعة: 12:22 )
الخليل- قصة المرأة التي قفزت عن جدار الفقر بخطوة تغيير
الخليل- معا- "لا تعطني سمكة.. بل علمني كيف أصطادها"، هي حكمة مشهورة تستند على مبدأ تنموي استشاري، وليس مجرد نظام استهلاكي، بنيت على اسسها الكثير من قصص النجاح لعائلات خرجت من تحت خط الفقر وأصبحت منتجة، وفاعلة في مجتمعها، بعد وصولها إلى درجة معينة الاستقلال المادي.
"ص.هـ" في الثلاثينات من عمرها أم لسبعة أبناء تعيش وعائلتها في بلدة بيت أولا في الخليل، وكانت ضمن عائلات برنامج تمكين الاسرة التي تنفذه قرى الاطفال SOS فلسطين، وهذا اعطاها فرصة لتكون جزء من منحة جماعية اعطيت لنادي نسوي بيت اولا وذلك خلال مشروع: "تعزيز الاستجابات المجتمعية في التجاوب مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر الشريكة في برنامج تمكين الاسرة في محافظة الخليل" والذي تنفذه قرى الاطفال (SOS)بالشراكة مع جمعية تنمية المرأة الريفية، بتمويل من الوكالة الدنماركية للتنمية الدولية (DANIDA) و(CISU) فكانت خطوتها هذه بمثابة نقطة التغيير في مجرى حياتها ومصير اسرتها.

مشوار التغيير بدأ بخطوة..
تقول "ص.هـ" إنها كانت تعيش وأسرتها قبل العام 2006 في حالة اقتصادية لا يرثى لها، حرمتها وأولادها من ابسط مقومات الحياة، خاصة وأنّ زوجها ارهقه المرض ومنعه من مواصلة العمل، مضيفة: "ما كان لي أنْ ارضى البقاء في القاع، كنت على ايمان بأن التغير يبدأ بخطوة، لذلك كان يجب أنْ اخطوها، وفعلاً خرجت من منزلي وتوجهت برفقة صديقة لي نحو نادي نسوي بيت أولا وهناك بدأت مشوار التغيير وبدأت بالعمل في مجال الخياطة والتطريز، وبمساعدة النادي كنت اتقاضى مقابل مادي على عملي هذا، أصبحت أملك القليل من المال".

كان كل ما عليها أنْ تفعله يتمثل بتفتح أول أبواب التغيير، والخروج متسلحة بالإرادة لطرق أبواب الأمل، وفعلاً بدأت الأبواب تفتح على مصرعيها أمامها، عندما التحقت ببرنامج "تمكين الأسرة" والذي حظيت من خلاله على منحة تموينية ومالية وفرت بعض احتياجات عائلتها، ولمْ يطول الأمر حتى قرر أهل الخير مساعدتها من خلال بناء منزل يأوي اسرتها التي كانت تعيش في غرفة واحدة تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم.
"لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس"، تقول "ص.هـ" التي حصلت على الفرصة الأهم بحياتها وهي تأسيس مشروعها الخاص خلال العام 2016، الذي تم فعلا من خلال مشروع "تعزيز الاستجابة المجتمعية في التجاوب مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر الشريكة في برنامج تمكين الاسرة" الذي تنفذه جمعية تنمية المرأة الريفية بالشراكة مع قرى الأطفال "SOS".

مطبخ موسمي وخياطة وتطريز.. مصادر دخل للأسرة
المشروع كان عبارة عن مطبخ موسمي فتح في ركن واسع من مبنى نادي نسوي بيت أولا، تمكنت من خلاله صناعة العديد من المنتجات الغذائية وبيعها للناس ومن يطلب من المؤسسات المحلية، بالتعاون مع اولادها وزوجها الذي شكل لها عنصر الاسناد والدعم والتشجيع في مواصلة مشروعها، وفق ما أكدت "ص.هـ".

وأوضحت: "اصبحنا نجني المال من عرق جبيننا، لمْ نعد نحتاج المساعدات المادية من أهل الخير، فالمال الذي نجنيه من مشروعنا وفر لأولادي معظم احتياجاتهم، لكن كنت على قناعة بأنّ الخطوة الأهم استثمار المال وتنمية وتطوير المشروع، وفعلاً نجحت بذلك وقمت بتوسيع عملي بين الانتاج الغذائي والخياطة والتطريز، وكل ذلك كان بمساعدة ودعم اسرتي".
ولمْ تكن المنفعة مقتصرة على الأمور المادية، فمن خلال المشروع حصل ثلاثة من ابناء "ص.هـ"، على دروس تقوية بإشراف الـ "SOS"، ما انعكس ايجاباً على مستواهم الاكاديمي بشكل واضح، إضافة إلى أنّ الابناء حاولوا نقل الفائدة الدراسية إلى الأب والأم من خلال تعليمهم بعض اساسيات الكتابة، تقول الأم وهي تبتسم: "زوجي اصبح يكتب أسمه ويوقع أيضا".

قصة النجاح لمْ تنتهِ بانتهاء فترة المنحة، فإن "ص.هـ" عازمة على مواصلة مشوارها، بعد أن اصبحت اليوم شريكة بقرارات الأسرة، وقادرة على مجالسة الجميع والحديث بلسان طلق يحمل الكثير من الوعي الثقافي، الذي حصلت عليه خلال العديد من ورش العمل والدورات واللقاءات التدريبية التي زودتها بها المؤسسات المنفذة للمشروع.

على أثر المنحة.. "ص.هـ" تلتقي أهلها بعد فراق دام نحو 30 عاماً
وأخر ما كانت تتوقعه "ص.هـ" أنْ تكون مشاركتها في المشروع والعمل التنموي، بمثابة تذكرة السفر نحو الأردن لزيارة ولقاء ذويها وأشقائها بعد فراق دام نحو 30 عاماً، عندما تحدثت في قاعة محافظة الخليل عن قصة نجاحها وعزمها توفير المال من ما تجنيه للسفر، فكان هذا الحلم بمثابة الصوت الذي تردد صداه في أذان اهل الخير الذين تكفلوا بتوفير جميع احتياجات سفرها، وكان لها ذلك بعد كل فترة الانتظار هذه.
"ص.هـ" ومن خلال شبكة العلاقات الاجتماعية والمؤسساتية التي نجحت في نسجها خلال مشاركتها في الانشطة النسوية بالبلدة، تمكنت بمساعدة النادي النسوي في تأمين وظيفة لزوجها في بلدية بيت أولا، تتناسب مع قدراته الجسدية وتراعي خصوصية معاناته من بعض الأمراض، الأمر الذي حسن من مستوى دخل الأسرة، التي وبعد سنيين طويلة أصبح اولادها يقتنون حاسوباً وهو ابسط احتياجات ابناء هذا العصر.

لمْ يقتصر حديث "ص.هـ" عن تجربتها وقصة نجاحها التي حققت لها كما تقول نوعاً من الاستقلال المادي، وتعلمت خلالها تحمل المسؤولية والتعاون وحل المشكلات، وأتيحت لها فرصة التعرف على شخصيات كثيرة، وتغيير طريقة تفكيرها ورفع مستوى طموحها، بل كان الأمر ابعد من ذلك عندما وجهت رسالة وهي تبتسم بعد أن مزقت صورة الحزن التي ارتسمت على وجهها طوال السنين الماضية، فكانت رسالتها إلى العائلات الفقيرة بأن يعملوا على تنمية واستثمار ما يحصلوا عليه ولا يعتادوا على الاستهلاك دون التفكير بقادم الأيام، وأنْ يبحثوا على تأسيس مشروعهم المستقل الذي يمثل صنبور الدخل الذي يرتوي من خيره جميع افراد العائلة.