النص الكامل لخطاب الرئيس في ذكرى انطلاقة فتح
نشر بتاريخ: 31/12/2007 ( آخر تحديث: 31/12/2007 الساعة: 21:53 )
رام الله - معا- القى الرئيس عباس خطابا مساء اليوم بمناسبة الذكرى 43 لانطلاق حركة فتح
وفيما يلي نص الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
{إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً}
أيتها الأخوات، أيها الأُخوة الحضور
أيها الفلسطينيون في كل مكان،
أُحييكم في هذا اليوم التاريخي الذي نحتفل فيه بالذكرى الثالثة والأربعين لانطلاقة ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، الثورة التي أطلقتها وقادتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، هذه الثورة العظيمة التي فجرتها طليعة شُجاعة كانت في ريعان شبابها في العام خمسة وستين، فارتفعت راياتها الخفاقة في سماء فلسطين والعالم، وحملتها أجيال من الذين عاهدوا الله ثم الوطن، فقدموا أرواحهم ودماءهم من أجل حرية واستقلال وطننا الفلسطيني، هذا الهدف الذي يتواصل نضالنا من أجل تحقيقه رغم كل الصعاب.
نحتفل بذكرى الانطلاقة بعد اثنين وأربعين عاماً من النضال الدؤوب، ونحن والعالم بأَسرهِ يستقبل العام الميلادي الجديد والعام الهجري الجديد، يملؤنا الإيمان والأمل، بأن هذا العام سيكون بإذن الله تعالى عام النصر والحرية، عام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها قدسنا الشريف.
في هذا اليوم وفي كل الأيام، نستذكر شهداءنا، كل شهدائنا فلسطينيين وعرباً ومسلمين وأصدقاء من كل الجنسيات وعلى رأسهم، سيد الشهداء وعميدهم ياسر عرفات وأمير الشهداء أبو جهاد ورفيق دربه أبو إياد، والقائمة تطول حين نعد شهداء التأسيس والقيادة الأولى والثانية والثالثة، فمكانتهم جميعاً محفورة في القلوب ولها أرفع منزلة في وجدان كل فلسطيني، حاضراً ومستقبلاً.
نستذكر بكل الفخر والاعتزاز شهداء كل قادة ومناضلي الفصائل الفلسطينية، وننحني بإجلال وإكبار لأرواحهم الطاهرة، ونعاهدهم جميعاً بأن العهد هو العهد، وأن القسم هو القسم، فلا تنازل ولا مساومة على ثوابتنا الوطنية، حتى يرتفع علمنا الفلسطيني فوق مآذن القدس وكنائسها، وحتى يتحرر أسرانا من سجون الاحتلال، ويعود لاجئونا إلى وطنهم.
أيتها الأخوات، أيها الأخوة
نستحضر في هذا اليوم المجيد، ونحن نحتفل بذكرى الانطلاقة على أرض الوطن وفي الشتات، الميراث العظيم لتجربة أصيلة مُتجذرة بمبادئها وقيمها وسلوكياتها، قامت على مبدأ الوحدة الوطنية رغم تعدد المواقف والاجتهادات، فكانت منظمة التحرير الفلسطينية، هي بيتنا جميعاً، وهي وطننا المعنوي الذي اخترناه جميعاً، فكانت مؤسسات منظمة التحرير وعلى رأسها مجلسنا الوطني، مصدر اعتزاز للممارسة الديمقراطية الحقيقية.
باحتفالكم اليوم تجددون العهد للمضي قدماً على الطريق من أجل الحرية والاستقلال، ويملؤني يقين أيها الأحبة بأننا قريبون بإذن الله من هذا الهدف رغم كل الصعاب، شرط إدراكنا لأهمية الصبر والمثابرة وتحصين الذات، فهذا زمن لا مجال فيه للانفعال والمزايدات والمغامرات والمقامرات بمصير الشعب، بل المجال كل المجال ينبغي أن يفسح للتفكير والجدّية والأداء السليم والمدروس للمهام، وتوظيف كل الطاقات الفلسطينية والعربية والعالمية لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحل جميع قضايا الوضع الدائم وفي مقدمتها القدس واللاجئين والحدود والاستيطان والمياه، على أساس الشرعيات المتصلة والمتكاملة الفلسطينية والعربية والدولية، مستندين إلى ثوابت لا جدال عليها تؤكد حقوقنا، وقد برهنا للعالم بأسره خلال اثنين وأربعين عاماً من التضحيات، أننا لن نتنازل عن هذه الحقوق، وأنه لا سلام ولا استقرار في هذه المنطقة من العالم بدون حل عادل لقضية فلسطين، وتمكين شعبها من ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير كبقية شعوب العالم.
أيتها الأخوات، أيها الأخوة،
كما عودتكم بالتزام الصدق والصراحة وقول ما لنا وما علينا دون مواربة أو غموض، أبدأ بالحديث عن بيتنا الفلسطيني، البيت الذي بدون صموده ومتانة أساساته ونبل أخلاقياته وحِكمةِ إدارته فإن العواصف قادرة على تقويضه وتشتيتِ أهله، وتحويلِ أحلامهم وآمالهم إلى وهم.
نعم، لقد صمد بيتنا وشمخ وعلا بفعل وحدتنا الوطنية، التي كانت لثورتكم ثورة الفتح مأثرة تأسيسِها وصيانتِها وتجنيبِها الاقتتال الداخلي، وإبقاء التناقض الرئيس مع الاحتلال من أجل إزالته.
ورحم الله ياسر عرفات الذي كان يردد جملته المشهورة حول ديمقراطية البنادق، فالديمقراطية الفلسطينية أتت باحترام العالم لنا، ولم تكن تلك مجرد وصية أو قول مأثور، بل كانت نهجاً حوّلْنا فتح بمقتضاه من فصيل إلى حاضنة دافئة لجميع القوى الوطنية الفلسطينية وحولنّا منظمة التحرير إلى أمتن وأرسخ إطار جبهوي، حَرِصْنا على أن لا يٌغادره أحد.
لقد تعرضت وحدتنا الوطنية، إلى اهتزازات كثيرة وزُرِع داخل الجسد الفلسطيني آلاف الألغام، وتزاحمت في بيتنا الضيق الصغير كل أجندات الكون، غير أننا نجحنا وبفضل القيادة المستنيرة والمسؤولة لفتح ومنظمة التحرير، من تغليب مصلحتنا الفلسطينية الحقّة على كل الأجندات المدمرة، وتغليب عروبتنا النقية الصادقة على كل خلاف واختلاف، وحظينا باحترامٍ وتقديرٍ على مستوى العالم كله.
لقد سجلت مسيرتنا الطويلة والغنية، حقائق ناصعة وراسخة رسوخ الجبال، أبرزها أنه ما من انشقاق إلا واندثر. وما من تمرد على الشرعية الوطنية إلا وسقط، وما من محاولة لاستخدام السلاح لحسم أي خلاف داخلي إلا وقبرت قبل أن تبدأ.
هذه الحقائق نستذكرها، وأمامنا درس غزة الأليم، درس الانقلاب الدامي، درس الطعنة التي غاصت عميقاً في الخاصرة، فأضحى الانقلاب سكيناً يسلطه الأعداء على رقابنا، ويستخدمه الكثيرون للتنصل من التزاماتهم، متذرعين ومطلقين فرية أننا غير جديرين بوطن ودولة.
أخواتي وإخوتي،
إنني من موقع المسؤولية الوطنية العليا، ولكي نمحو كل الضبابية والسواد عن صورتنا المشرقة كشعب وكمؤسسة وكقضية ورغم الممارسات الإجرامية والمناقضة لتراث شعبنا وقيمه، من قبل قيادات حماس وميلشياتها التي تواصل الاعتقالات والقتل والتعذيب، وتحاول بالقوة منع المهرجانات والاحتفالات بذكرى انطلاقة ثورتنا، رغم كل ذلك وما فيه من مرارة، فإنني أدعو من بادروا إلى الانقلاب أو ما أسموه الحسم العسكري إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات في إطار بيتنا الفلسطيني الواحد، صفحة جديدة نخط سطورها باتفاق ذي مصداقية، مبنية على شراكة في الحياة على أرض الوطن، والكفاح من أجل تحريره، فلا مجال لأي طرف أن يكون بديلاً عن الطرف الآخر، ولا مجال لمصطلح الانقلاب أو الحسم العسكري، بل الحوار والحوار والحوار، حتى يتعمق التفاهم وتدوم الشراكة، وأنا أعتبر هذا التوجه مبادرة باسم كل الشعب الفلسطيني وباسم كل أشقائه وأصدقائه والحريصين على مصالحه.
أقول مجدداً وأنا ما زلت تحت القسم على كتاب الله، إن تقاليدنا وأعرافنا وقوانيننا عبر مسيرة العقود الطويلة حَرمّت أي حسم عسكري داخلي، وبالتالي لن أسمح بالاستقواء بأي حل عسكري في صياغة العلاقات الداخلية بمختلف أبعادها، وبحكم مسؤولياتي الدستورية والوطنية وقبل ذلك الأخلاقية، لن أسمح بتسجيل سابقة سوداء مؤلمة في حياتنا، تجعل الحسم العسكري أو الانقلاب سُنّة متبعة، فحين ذاك لن يتوقف الخطر المترتب عليه عند العلاقة بين فتح وحماس أو بين السلطة والمنظمة وحماس، بل ستتجاوزه إلى وضع مدمر لمجتمعنا ومشروعنا الوطني، وهذا ما لا نرضاه ولا يرضاه الشعب الفلسطيني، وامتداداً لذلك لم ولن ترضاه أمتنا العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بأسره.
ولذلك فإن التراجع عن الانقلاب أسهل وأفضل ألف مرة من استخدامه كمطلب للحوار، وقد أصبح واضحاً الآن أن نتائج ما أقدمت عليه حركة حماس في قطاعنا الحبيب قد زاد معاناة الناس، وأن المتاجرة بهذه المعاناة لن تجلب لحماس وقيادتها سوى المزيد من إدانة الشعب لها والابتعاد عنها، ومن المؤكد أن شعباً لا يستفيد من تجاربه ويتراجع عن السلبية منها يكون عرضة لأن يصبح الخطأ في حياته مثالاً يحتذى، فتصبح الأخطاء خطايا لا تغتفر.
وتجنباً لذلك كله، وإعادة لإحياء الحوار وترميم المؤسسات المتعددة وتمتين ركائز البيت الواقف على حافة الخطر، فلا بد من التراجع عن الانقلاب، والإعلان عن الالتزام بالشرعيات الفلسطينية وبمبادرة السلام العربية، و بالشرعية الدولية، كما أُجدد أيضاً عرض خيار الانتخابات المبكرة كمخرج من الجحيم الذي فرض علينا، وأعد وأتعهد أن أعمل قصارى جهدي كي تكون هذه الانتخابات العتيدة وليدة تفاهم أخوي عميق، وأن تجري بكل نزاهة وشفافية كما حصل في كل انتخاباتنا السابقة، وأدعو الجميع حركة فتح وحماس وكل الفصائل الفلسطينية إلى دراسة هذا الخيار وعدم التسرع "كالعادة" إلى رفضه. فأحياناً يكون ما ترفضه اليوم مطلباً في الغد، وصدق الشاعر حين قال:
رُبَ يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه
يا أبناء شعبنا.، أيها المناضلون الفتحاويون
حين أتحدث عن بيتنا ووحدتنا الوطنية وأحلامنا المشتركة، فالأمر لا يتعلق بتنظيم معين سواء كان حماس أو أي فصيل آخر، فالشعب أكبر بكثير من كل هذا، ومصالحه أشد إلحاحاً وحاجة للصيانة والاستكمال من مصلحة أي تشكيل أو فصيل، إنني أعترف بأننا لم نعط لمنظمة التحرير ما تستحق من اهتمام خلال السنوات القليلة الماضية، كما أننا دفعنا ثمناً باهظاً لسكوتنا عن سلبيات السلطة الوطنية وعدم مسارعتنا لتجاوزها، وهناك موضوع الأمن الذي أضحى تحقيقه شرطاً لحياة شعبناً، وممراً إجبارياً للدولة المنشودة، وهناك الاقتصاد الذي يشكل الثنائية الملازمة للسياسة، فالتنمية المستدامة يستحقها شعبنا صاحب المآثر في بناء المؤسسات والجامعات والصروح الوطنية رغم سنوات الاحتلال العجاف، هذا الشعب الذي نفخر بأن أبناءه بما امتلكوه من علم وخبرة يساهمون ويحتلون مواقع هامة في دول عديدة رغم الهجرة والتشريد.
إن المهمات السياسية الشاقة أمامنا لا يمكن أن تتحقق دون وحدة داخلية، وأقول بعبارات صريحة وواضحة، إن أهدافنا لا تخرج ولن تخرج عن الثوابت التي أرستها منظمة التحرير في دورات مجالسها الوطنية وبرامجها السياسية، وأقترح على إخوتي المواطنين الفلسطينيين في كل مكان أن يصّموا آذانهم عن أبواق التشكيك والاتهام بالتنازل أو التفريط.
فلم يُخلقْ بعد ولن يُخلقْ بإذنِ الله مَن يمحوا مِن أجندتنا أي بند من بنود قضايا الوضع الدائم، والتي سبق وأقرَّت بها حتى إسرائيل في أوسلو، كما أنها موضع إجماع دولي، فليس أمامنا سوى مضاعفة الجهد من أجل تحقيقها مع إدراكنا لأهمية الحذر إذ أن هناك حقول ألغام وشِراك عديدة.
أيتها الأخوات والإخوة،
عندما أتحدث اليوم عن ذكرى انطلاقة فتح، فإنني لا أنطلق من مواقع تنظيمية محضة، بقدر ما نستحضر مسيرة، ونطرح قضايا، بأفق وطني شمولي كان ولا زال لحركة فتح موقع مركزي في إطاره، بما يجعل من محاولات المس بها والتآمر عليها، محاولات تستهدف المجموع الوطني برمته، بكل مكوناته ونهجه وفصائله وتستهدف التاريخ، والحاضر، والمستقبل للحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، بميراثها وقيمها ومبادئها، تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني بكل مضامينه التحررية الديمقراطية، ولتنال من وحدة نسيجنا الاجتماعي، وخياراتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، واستقلالية قرارنا والتنوع والتعددية السياسية وكلها مصدر الثراء والقوة، وركيزة الصمود والبقاء، لمجتمعنا وشعبنا الفلسطيني.
لذلك فإن الجهود مستمرة، لمعالجة ما ألمَّ بحركة فتح في السنوات الأخيرة، بحكم موقع فتح، ومسؤوليتها ودورها في استنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، وما تمثل وتهدف، فالجهود مستمرة لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية للحركة، واستخلاص العبر من العثرات والتراجعات، وتقييم الإشكالات، وتشخيص أوجه الأزمات التي تعانيها، والبدء بوضع الحلول الناجعة موضع التنفيذ، تأسيساً على إعادة بعث الحياة الديمقراطية بأطرها التنظيمية، وصولاً إلى عقد مؤتمرها السادس الذي وإن طال انتظاره، فإنه بكل الأحوال سيعقد مع بداية الربيع القادم- إن شاء الله-، بعد أن استطاع الأخ العزيز "أبو العلاء" أحمد قريع ومعه كل أخوته في اللجنة المركزية والمجلس الثوري ومكتب التعبئة ولجان الإشراف والأقاليم، تحقيق إنجازات هامة في مجال العمل التنظيمي وعقد المؤتمرات الحركية، فلهم منا جميعاً فائق التقدير على هذا الجهد المبارك، ومن الطبيعي أن تشمل هذه الجهود الخلاقة والمبدعة السعي لصياغة البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الجديد، الذي يُعبر عن طموحات الشعب الوطنية ومصالحه الحياتية، والذي يطور النظم واللوائح لتتلاءم مع الواقع الجديد، بما يحقق ما نطمح إليه في إطلاق انبعاثةٍ جديدة عصرية للحركة.
إن هذا الانبعاث هو لتجديد الهياكل والأُطر، بدماءٍ شابّة وتحديث أصيل، يحفظ الحق الوطني، والالتزام الثابت والراسخ، بالحقوق والأهداف الوطنية، ويبتكر الأساليب المتجددة في النضال، وحشد الجهود والإمكانات والطاقات، لتعزيز الصمود وتمثيل مصالح المجتمع، وحماية نسيجه وقيمه، وتعزيز وحدتنا الوطنية في إطار منظمة التحرير.
وكلنا ثقة، كما أكدت مسيرتنا المشتركة، أن قوة فتح ستبقى المرتكز الأساس، لقوة الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية. ولقد سمعت من الكثير يرددون "إن كانت فتح بخير فالمسيرة بخير"، فهي ضمانة لحماية وتعزيز السلم الأهلي، والخيار الديمقراطي، والتنوع والتعددية.
أيتها الأخوات، أيها الأُخوة
وضمن هذه الرؤية، فإن استحقاقاً وطنياً لا يقل أهمية، نواصل بذل جهدنا للوفاء به، واستكمال الخطوات التي قطعناها لبلوغه، وهو المضي قدماً وبخطوات حثيثة لإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية. فالمجلس المركزي للمنظمة وكما اتفقت مع أخي أبو الأديب رئيس المجلس الوطني، مدعو للانعقاد خلال الأسبوعين القادمين ليواصل سلسلة الاجتماعات السابقة، باعتبار ذلك جزءاً من عملية التفعيل، وبهدف مضاعفة الجهد ولتقييم المنجز والبناء عليه بكافة اتجاهات واختصاصات المجلس، فهو المرجعية ذات القرارات الإلزامية والملزمة بين دورات انعقاد المجلس الوطني لمختلف شؤون الوضع الفلسطيني، تمثيلاً لإرادة الشعب، بما في ذلك ما يتعلق بتطورات عملية السلام وآفاقها.
وبهذا الخصوص، فسوف يتضمن جدول أعمال اجتماع المجلس المركزي القريب بنداً لبحث الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي نرى ضرورة انعقاده في أقرب فرصة، كما يرى ذلك الكثير من الأخوة ممثلي الفصائل والتنظيمات الشعبية في سياق إعادة تفعيل مؤسسات المنظمة وأطرها.
كما ونؤكد بأن عضوية المجلس الوطني اعتباراً من دورته القادمة، ستكون مفتوحة أمام الجميع، وفق أحكام النظام، على قاعدة الالتزام بالبرنامج الوطني وبالشرعية الفلسطينية، وما أقرّته وتبنته من شرعيات عربية تكرس عمقنا القومي، وانتماءنا العربي، بوحدة المسار والمصير، بطموحاتها وإمكاناتها واستراتيجياتها.
أيتها الأخوات والإخوة
أيها الفلسطينيون في كل مكان
كلكم تابعتم تطورات الأحداث خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث جرت مفاوضات فلسطينية إسرائيلية استعداداً وتحضيراً لقمة أنابوليس، التي كان من أهم نتائجها إعادة إدراج قضيتنا على جدول الأعمال الدولي، لتحتل موقع الصدارة فيه، تعبيراً عن إرادة العالم في السعي لتحقيق السلام العادل والشامل القائم على مبدأ حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
لقد أعدنا طرح وتأكيد موقفنا ومفهومنا للسلام، بما في ذلك أهمية البدء الفوري لعملية تفاوض شاملة عميقة، حول قضايا الوضع النهائي كافة، وأهمية تدعيم تلك المفاوضات بخطوات ميدانية ملموسة، في مقدمتها وقف الاستيطان.
وهكذا كانت قمة أنابوليس محطة هامة لإحياء عملية السلام، وإطلاق مفاوضات جادة، من المفترض أن تؤتي ثمارها خلال عام.
وفي إطار تمسكنا بثوابتنا الوطنية، التي أجمعت عليها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ستتشكل لجنة وطنية عليا لقيادة المفاوضات وسنبذل قصارى جهدنا، بأمل وعزم كبيرين، لنمضي قدماً نحو تحقيق أهداف السلام العادل والشامل والدائم، الضامن لتجسيد حقوق شعبنا الوطنية الثابتة، والتي لا مجال للمساومة عليها أو التفريط فيها، ومهما كانت الظروف والأحوال فعندما ينجز أي اتفاق، فلن يصبح نافذاً وملزماً قبل استفتاء شعبنا عليه، حيث سيكون للشعب كلمة الفصل والحسم. وكلنا أمل مقترن بالإرادة الصادقة، والعمل الجاد، أن نجعل من العام الجديد عام البشرى والسلام وتجسيد الأمل.
وقد أخذنا على عاتقنا إلى جانب الانخراط بالمفاوضات الجادة، والوفاء بالتزاماتنا، أن نعكف بمثابرة ودون إبطاء، على إعادة بناء وطني شامل، مؤسسياً وتنموياً، بمفهوم تحرري انعتاقي ديمقراطي، يرسي دعائم دولتنا المستقلة، ويهيئ لها أسباب النهوض، ويعزز من مقومات صمود شعبنا، ويقوي جبهتنا الداخلية ويحفظ السلم الأهلي، والاستقرار الاجتماعي، ويضمن الأمن والأمان للمواطن، ويخلق البيئة الاستثمارية التنموية الملائمة، باعتبار ذلك مصلحة وطنية عليا.
إن الإجماع الوطني يطالب بأن لا تستمر حالة الفوضى والفلتان، وممارسة أبشع الجرائم باسم المقاومة، ليستمر بذلك تقديم المبررات والذرائع لجيش الاحتلال. قرارنا أن هذا الأمر قد انتهى وسنبذل كل طاقاتنا لئلا يعود. وبقدر احترامنا للتعددية السياسية والشراكة الوطنية، والتزامنا بها، فلن تكون لنا إلا سلطة واحدة، وسلاح شرعي واحد. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى ما يسمى بسلاح المقاومة المرفوع بغزة، والذي نعلم علم اليقين مرجعياته وأهدافه ومقاصده، فلم يجلب لغزة وأهلها الصابرين الصامدين، سوى الضحايا والوبال. وليس سراً نكشفه أن أدعياء المقاومة، وعندما باتوا بدائرة التهديد المباشر، سارعوا للمطالبة بهدنة ذليلة لحماية رؤوسهم وامتيازاتهم، في الوقت الذي كانوا يرفضون فيه كل حوار وتوافق وطني، لهدنة مشرفة، تخدم المصالح الوطنية العليا، وهو ما يكشف سماسرة السلاح وتجّاره.
وبمناسبة الحديث عن غزة، أرجو أن يسمعني الجميع وبشكل جيد، أننا سنواصل القيام بدورنا وواجباتنا كاملة غير منقوصة، لأن قطاع غزة هو قطاعنا وشعب القطاع هو جزء من شعبنا الواحد. وكل قطرة دم تسفك من ابن أو أخ وكل دمعة تسيل من عين أم فلسطينية في غزة الباسلة هي مسؤوليتنا أولاً وأخيراً.
وأنا أعرف أن الانقلابيين ينشرون الأكاذيب في كل مكان، بالرغم من أنهم لا ينفقون شيئاً من الأموال التي تصلهم بوسائل غير مشروعة، إلا لتمويل القــوة العسكرية الانقلابية التابعة لهم ولضمان ولاء بعض الأفراد الذين نصبهم الانقلابيون خارج القانون في مواقع القرار، وخاصة بعد استيلائهم على القضاء والبلديات والمؤسسات الحكومية.
وفوق هذا فإنهم يلجأون إلى كل الوسائل لسلب ما يمكن سلبه من أموال المواطنين عبر المتاجرة في السوق السوداء ومن خلال الأنفاق وسواها من الأساليب. وجميعكم سمعتم عن أعمال الاغتيال والخطف والاعتقالات الكيفية المستمرة والتي تحدث يومياً على يد تلك الجماعات.
يثيرون كثير من الإشاعات ويقول إن السلطة تحرم القطاع الكثير، وأنا أقول إن السلطة الوطنية تقدم أكثر من نصف ميزانيتها إلى قطاع غزة، وهذا واجبنا وليس منة، وحتى إلى هذه اللحظة، حتى يصمد. وهناك 77 ألف موظف تدفع رواتبهم شهرياً في قطاع غزة، بينما جميع الموظفين في الضفة والقدس لا تزيد عددهم عن 73، فما هو حق لغزة تصلها، ولا نريد سماع كثير من الأراجيف التي بدأت تنطلي على جهات رسمية، وقلت في مؤتمر باريس إننا ندفع أكثر من نصف الميزانية لقطاع غزة، وهذه ليست منة بل واجبنا، فقطاع وأهل غزة جزء منه ونحن مسؤولون عنهم أولاً وأخيراً رغم وجود انقلاب دموي غير ديمقراطي هناك.
إن حق شعبنا في مقاومة الاحتلال حق مقدس، كفلته الشرائع الدينية والدنيوية، ولكن أدوات المقاومة وأساليبها وأشكالها، هو قرار وطني فلسطيني مستقل، تأخذه المجموعة الوطنية، بما يخدم مصالحها العليا ويحقق أهدافها، لجهة شكله ومضمونه، مداه وتوقيته، هو حق غير قابل للمساومة أو البيع والمتاجرة، وبالتالي للاستئثار والتفرد والمقامرة بمصير وقرار المجموع الوطني.
الأخوات والإخوة
لقد قطعنا شوطاً هاماً لفرض الأمن والنظام، والقضاء على الفوضى والفلتان، ولا بد لي هنا أن أقدر عالياً جهود أبنائنا بالأجهزة الأمنية وما تحققه من تقدم في نطاق رفع جاهزيتها وقدرتها وهيكليتها، وإننا نعبر عن تقديرنا لجهود الحكومة برئاسة الأخ د. سلام فياض والإنجازات التي حققتها خلال فترة وجيزة في مختلف المجالات وهو ما أشادت به جماهير شعبنا التي تدعم الخطة الأمنية وتساعد أبناءها في الأجهزة الأمنية على تنفيذها.
الأساس هو الأمن، هذا ما عملنا به ونحن مصممون على تحقيقه وسينجز بشكل دائم، على الرغم إننا نسمع أصواتاً من الجانب الإسرائيلي إن "السلطة تمارس الإرهاب" نسمعها ونعرف دوافعها ونصم الآذان عن هذه الأقاويل، ونحن ماضون في الخطة، فالأمن والأمان مصلحة فلسطينية، عندما نسعى لتطبيق الأمن والإمكان ليس لأنه واجب في خطة خارطة الطريق، بل مصلحة فلسطينية.
أيها الأخوة المواطنون،
في الوقت الذي نتقدم فيه باسم شعبنا وقيادته، بجزيل الشكر والامتنان للدول الشقيقة والصديقة المانحة، التي قدمت دعمها المالي السخي بمؤتمر باريس، في هذا الحشد الدولي الكبير، جاءت الدول لتقول نعم للشعب الفلسطيني، ونعم للسلطة الوطنية وللدولة الفلسطينية، وتقول لا للاستيطان، فكان حشداً سياسياً لدعم القضية الفلسطينية، وهذا الدعم الذي جاءنا لم يكن مشروطاً، كما قيل وكما نشر من أراجيف، فلسنا نحن الذين نقبل المساعدات بشروط، غيرنا يقبل ذلك.
هذا المؤتمر ذو المضامين السياسية والاقتصادية البالغة الأهمية، لتمويل إقامة ركائز دولة فلسطين المستقلة، ودعائمها الاقتصادية والإعمارية والمؤسسية، فإن ثقتنا كبيرة بأن الأشقاء والأصدقاء سيفون بالتزاماتهم، وأن دعمهم المقدر، سيُدار بكل شفافية من قبل الحكومة، لتنفيذ خطتها الثلاثية، التي حظيت بثقة الشعب الفلسطيني والمانحين الدوليين، بما يحقق الغايات السياسية الأساسية، والأهداف المتوخاة من هذه الخطة التنموية، وخاصة ببعدها التحرري، ورفع أعمدة الاستقلال الوطني الحقيقي، وبناء مقومات الدولة المستقلة الآتية إن شاء الله، وبما يعزز الأمل ويطرد اليأس والتطرف، وينعكس ايجابياً على تسريع عجلة السلام والازدهار والاستقرار بالمنطقة بأسرها.
غير أننا نعلم جميعا بأن تحقيق خطة تنموية لا يمكن أن تنجز أهدافها إذا لم يتحقق تقدم على المسار السياسي وعلى هذا الأساس فإننا نشارك بفعالية وجديّة والتزام بعملية التفاوض، مذكرين بما قلناه مراراً بأن الاستيطان وعملية السلام أمران متضادان ومتناقضان ولا يلتقيان. إن استمرار الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري، من شأنه أن يقوّض حتماً أسس قيام الدولة الفلسطينية ويمنع حل الدولتين، الذي عبرت المجموعة الدولية عن قناعتها به، وسعيها لتحقيقه، ولا يمكن لعملية تفاوض جدّية تقود إلى تحقيق هذا الهدف، أن تستمر، إذا لم يتوقف الاستيطان.
لهذا، فإننا ندعو كافة شركائنا بقمتي أنابوليس وباريس، لبذل جهودهم من أجل وضع حدّ نهائي لاستمرار البناء الاستيطاني، وهي نفس الدعوة التي نكررها للحكومة الإسرائيلية وللشعب الإسرائيلي، لأن نتيجة هذه السياسات نقيض لكل المساعي والمبادرات. إن الاستيطان هو بؤرة الشر وجوهر العدوان وعنوان الاحتلال.
إننا ندعو إلى عدم إضاعة هذه الفرصة التاريخية الفريدة، حقيقة إنها فرص تاريخية، بقدر ما تأتي لنا باستقلال، تأتي لهم بأمن، فالعملية السياسية ليست منة من احد بل مصلحة للجميع، في ظل هذا الزخم الدولي، والاستعداد الإقليمي والثنائي. ندعو إلى عدم تبديد الأمل الوليد ونكرر من جديد الدعوة لأن يكون هذا العام، عام البشرى والسلام، وأن يعمل الجميع بتصميم كبير، لبلوغ هذا الهدف، تمشياً مع مجرى التاريخ ومستقبل الشعوب.
إن المطلوب من الحكومة الإسرائيلية، وقد نفذنا ولا زلنا، بدأنا في تنفيذ كل التزاماتنا، عندما نتكلم عن الأمن، نقول إننا بدأنا بداية جدية، الأمن ليست مسألة مؤقتة، بل دائمة ومستمرة، ومستمرون بالقيام في هذه الالتزامات وبالتزاماتنا المترتبة بخارطة الطريق كافة.
ندعو الحكومة الإسرائيلية أن تتحمل قسطها من المسؤوليات، للوفاء بالتزاماتها، بوقف النشاطات الاستيطانية وإزالة ما يسمى بالبؤر العشوائية، ورفع الحواجز العسكرية، ووقف البناء بجدار الفصل العنصري، وبإعادة فتح المؤسسات المدنية بالقدس، ووقف الاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات، والبدء بإطلاق سراح فعلي واسع للأسرى والمعتقلين، تلك القضية التي نُوليها جُل اهتمامنا، وهي تمس كل بيت وعائلة فلسطينية.
بمثل هذه الخطوات الضرورية المتزامنة مع إنهاء احتلال مناطق السلطة الفلسطينية يمكن تأكيد اتجاه مسيرة السلام الحقيقية ومدى جديتها.
الأخوات والأخوة،
إنني لأعتز كل الاعتزاز بشهادة المؤسسات الدولية التي ثمنت عالياً أداءنا في مجال الإصلاح الإداري والمالي وتحقيق مستويات عالية من الشفافية وحسن الأداء والحكم الرشيد. وفي هذا المجال أود أن أؤكد أن ما خُصص لنا في مؤتمر باريس هو بعض ما نستحق، وهو لم يكن ثمناً لتنازل من أي نوع كما ذهب المشككون والمرجفون.
إن العالم يدرك أنه لولا الاستيطان والاحتلال والحواجز والحصار، لكانت فلسطين في غنى عن أي دعم خارجي، فالشعب الذي يفخر بأنه ساهم في بناء وطنه العربي، وهو لاجئ، سيكون بالتأكيد مبدعاً في بناء وطنه وهو على أرضه وفي أفياء دولته العتيدة.
أيها الفلسطينيون في كل مكان،
يا أبناء شعبنا في الشتات،
إن أي حل للصراع لا بد أن ينطلق من حل قضية اللاجئين الذين عانوا أكثر من غيرهم نتيجة النكبة التي حلت بشعبنا، وهذا الحل يجب أن يستند إلى القرار الذي يحظى بالإجماع الدولي، وهو القرار رقم 194، وقد أعلنا مراراً وفي كل المحافل الدولية، بأنه لا يمكن استثناء حل قضية اللاجئين تحت أية ذريعة تدعيها إسرائيل، فهدفنا حل متفاوض عليه يستند أولاً وأخيراً إلى القرارات الدولية.
من أرض الوطن وباسمكم جميعا أوجه التحية إلى أبناء شعبنا في الشتات، وخاصة إلى الأكثر معاناة منهم، اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذين بذلنا ونبذل أقصى الجهود لإيجاد حلول لمعاناتهم، وكذلك لأبناء شعبنا في مخيم نهر البارد الذين نأمل بالتعاون مع الحكومة اللبنانية الشقيقة والأشقاء والأصدقاء في الإسراع بإعادة بناء مخيمهم، وكذلك بذل الجهد لرفع المعاناة عن أبناء المخيمات في لبنان عموماً، مقدرين جميعاً حجم التضحيات التي قدمها أبناء شعبنا في مخيمات اللجوء، وخاصة في لبنان ، من أجل الثورة ومنظمة التحرير.
الإخوة الأعزاء
أود أن أطمئن الجميع، إلى أننا لا نذهب إلى موائد المفاوضات ارتجالاً، بل هنالك إعداد مهني محكم لكل الأطقم والملفات تقوم به دائرة شؤون المفاوضات، ونسعى إلى مشاركة وحضور عربي في المفاوضات، ذلك أن معظم قضايا الوضع الدائم تجسد شراكة مصيرية مع أشقائنا العرب، الذين من جانبهم وضعوا كل خبراتهم وإمكانياتهم بتصرفنا.
إذا تحدثنا عن المياه فإنها ليس فقط تهم الفلسطيني والإسرائيلي بل كل الدول المجاورة، وعند الحديث عن البحار، فإن مصر موجودة ولها حدود، وعندما نتكلم عن اللاجئين، والكثير من القضايا لا بد مكن شراكة عربية، لذا تحدثنا مع أشقائنا العرب لتبادل الرأي والمشورة والموقف، لأنها قضايا لا تهمنا وحدنا بل تهمهم، وحتى لو لم تكن لهم فيها مصالح، فهم مهتمون، كون القضية الفلسطينية تهمهم.
إن قبول إسرائيل للمبادرة العربية للسلام، والالتزام بها، سيوفر لإسرائيل كنزاً من العلاقات الجديدة مع معظم دول العالم، إن لم أقل جميع دول العالم العربي والإسلامي.
العرب والمسلمون مستعدون، إذا حلت قضية فلسطين، عندها لن تكون مشكلة بين العرب والمسلمين وإسرائيل.
هنا أقول، بالتزام، فكروا أيها الإسرائيليون بالحقائق الجدّية التي ظهرت في العالم الذي نعيش، وتراجعوا عن الأوهام القديمة التي زينت ولفترة ما، أن بالإمكان وقف عجلة التاريخ عن الدوران، بقوة عسكرية أو بواقع استيطاني، هذا لا يفيد، لن يأتي لكم بالسلام، عليكم أن تخرجوا بجنودكم ومستوطنيكم، من الأرض الفلسطينية.
وليكن واضحاً وضوح الشمس أننا نرفض رفضاً مطلقاً الدولة ذات الحدود المؤقتة، ولن يستسلم شعبنا للحلول أحادية الجانب التي لن تجلب السلام المنشود للشعبين.
وبخصوص وثيقة سويسرا، أبلغتني رئيسة الجمهورية السويسرية رسمياً، أن هناك من قدم لنا مشروعاً كهذا ، دولة بحدود مؤقتة بلا حديث عن القدس واللاجئين لمدى 15 عاماً، وهذا نرفضه رفضاً مطلقاً.
أيتها الأخوات، أيها الأخوة،
لقد قطعنا خلال ثلاث وأربعين عاما من انطلاق ثورتنا بقيادة حركة فتح شوطاً طويلاً، بدأ بإثبات هويتنا الوطنية، حين غيّرنا كل المعادلات التي استقرت عليها خلاصات الحروب العالمية وشطبتنا من الوجود السياسي، لنعود إليه من أوسع وأشرف الأبواب.
قطعنا شوطاً، بعودة مئات الألوف إلى أرض الوطن في زمن السلطة، التي لا نريدها إلا ممراً منطقياً وعملياً للدولة الحقيقية التي أصبحنا وبإذنه تعالى قاب قوسين أو أدنى منها.
عندما جاءت السلطة دخل الكثيرون بتصاريح، ولم يتمكنوا من الحصول على هوية، ولم يتمكنوا من الخروج وبقوا في الضفة وغزة، مسجونين لا يستطيعون الحركة بين مدينة وأخرى وقرية وأخرى، وهذا العدد هو 54 ألف شخص، فناقشنا هذا الموضوع منذ أكثر من أربع سنوات مع شارون، ووافق من حيث المبدأ وما أسهل أن يتراجع وتراجع، حتى قبل شهرين وافقنا على موافقة أن نأخذ الهويات بالتدريج، ووافق الإسرائيليون على 3500 اسم من الضفة ورفضوا 1500 من غزة، بحجة أنهم من حماس، فقلنا إننا نختلف مع حماس إلا انه مواطن من حقه أن يحصل على هوية، وفعلاً وافقوا على إعطاء 1500 هويات في غزة، وبدأ مكتب الشؤون المدينة بإعطاء هذه الهويات.
والآن قدمنا طلباً بسبعة ألاف، واعتقد أننا سنحصل عليها، وهذا يعني جمع شمل العائلات، قد تكون هذه المسألة لمن لديه هوية مسألة بسيطة، إلا أنها قضية صعبة وخطيرة بالنسبة لهؤلاء الناس، ونحن نسير في هذه الخطة حتى ينتهي ألم هذه العائلات.
وسنكمل المسيرة، وسَنَصَل بإذن الله، واسأل الله أن يرى جيلنا، جيل التأسيس، جيل التحول من النكبة إلى الدولة، جيل القبض على الجمر، الجيل الذي أنجب أحمد موسى وعبد الفتاح الحمود وأبو علي إياد وأبو صبري وكمال عدوان وماجد أبو شرار وأبو المنذر وأبو يوسف النجار وكمال ناصر وأبو جهاد وأبو إياد وأبو الهول وأبو الوليد وأبو السعيد، وفيصل الحسيني ومعهم شهداء المجلس الثوري والإطارات العليا في فتح، جنوداً وضباطاً ومواطنين، ومعهم جميع شهداء الفصائل، بلا استثناء، فكل الإجلال لروح الشهيد أبو علي مصطفى، وغيره من قادة الفصائل والتنظيمات، فذكراهم وتضحياتهم ستبقى خالدة خلود الدهر.
وأود التوقف عند شهيد كبير كان مثالاً لاستخدام العقل في زمن الجنوح والجنون، حريصاً على الدم الفلسطيني، القائد الذي لو ظل على قيد الحياة (واللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك)، لما رأينا ربما انقلاباً ولا دماً فلسطينياً يسيل على أرض غزة بأيدٍ فلسطينية، إنه الشيخ أحمد ياسين، رحمه الله وطيّب ثراه، وأدعو من لا يزالون يقيمون وزناً لتاريخه وتضحياته وعقلانيته أن يستذكروه، ويتظللوا به، حين يقررون العودة عما فعلوا.
قد أكون نسيت كوكباً من أكثر الكواكب في سماء تاريخنا وحياتنا، ولكن حين نذكر شهيداً فالمجد كل المجد لكل الشهداء.
أيها الفلسطينيون، أيها المنتظرون في مخيمات الوطن والعالم الأوسع،يا أمهات وأبناء وزوجات الشهداء، أيها الأسرى الممسكون بقضبان السجن كي تنزاح من مكانها، لينفتح فضاء الحرية واسعاً أمامكم وأمام ذويكم وأمام كل أحبائكم، سنظل أوفياء لكم ولحريتكم، وننتظر بفارغ الصبر عودتكم لتشاركونا في بناء دولتنا المستقلة التي من أجلها ضحّيتم بزهرة شبابكم خلف القضبان.
أيها الأطفال الذين من أجلكم نعمل، كل ما نعمل، حتى تذهبوا إلى مدارسكم بأمن وأمان، بعيداً عن الموت المتربص بكم وبأحلامكم، والذي قطف محمد الدرة وأبناء بعلوشة وكثيرين غيرهم.
أيها الآباء والأمهات، أيها الشبان والشابات، كونوا يداً واحدة، وتمسكوا بحلمكم في وطن مزدهر وآمن، ولا تصغوا لمن يحاولون إشاعة ثقافة الموت بديلاً عن حق الحياة، نموت حين لا يكون أمامنا من خيار آخر، أما حين تنفتح الخيارات ومهما كانت صعبة، فالحياة جديرة بأن نحياها، وصدق شاعرنا الحبيب محمود درويش حين قال، على هذه الأرض ما يستحق الحياة. ولماذا نموت بدون ثمن.
وأستعير أجمل قول مأثور قاله الزعيم مصطفى كامل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.
ولولا هذا القول، ولولا فهمه واعتناقه لذهبتْ السنوات العجاف بكل الزرع والضرع، ولتبددت الآمال والأحلام البسيطة والكبيرة، ولمُحيَ من واقع الحياة المعاصرة كلمة فلسطين والفلسطينيين، فالمجد والخلود لفلسطين والفجر والإشراق لحلمنا الوطني برؤية دولتنا والعيش تحت شمسها وسمائها.
المجد والخلود للشهداء، وإلى مزيد من العمل حتى نجعل من الحلم حقيقة، أحييكم مجدداً.
بسم الله الرحمن الرحيم
"ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك، ورفعنا عنك ذكرك، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فأرغب"
صدق الله العظيم"
والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.