نشر بتاريخ: 01/01/2008 ( آخر تحديث: 01/01/2008 الساعة: 18:14 )
بيت لحم - معا - صديقي أستاذ الاجتماعيات منذر الشرباتي ، واحد من أبناء كنعان الأوفياء ، الذين رضعوا الحليب الحرّ من الثدي الفلسطيني الأصيل ، وهو واحد من رجال فلسطين الذين نباهي بهم الأمم ، والذين نتمنى ان تستنسخ الولادة فلسطين الآلاف من أمثالهم ، لأنه يحاول لعب دوره كمواطن صالح ، بكل كفاءة ونزاهة واقتدار ، بعيدا عن الجلبة والصخب !!
ويعترف الأستاذ منذر انه ليس رياضي ضليع ، ولكن ذلك لم يمنع الرجل من الاحتفاظ بخيط وصال مع الحركة الرياضية ، وخاصة صاحبة الحظوة "كرة القدم" ... فتراه يفتح نافذة على رياضتنا المحلية ، ونافذة أخرى على الرياضة العربية والدولية ، لأنه لا يعيش في قرية عزلاء منسية !
ومنذ أيام شاهدت مع منذر مباراة صغيرة في كرة القدم ، أبطالها من النجوم الصغار ، الذين يتلمسون خطوات المجد الأولى في عالم الملاعب ، ولاحظنا معا انهماك نجوم الغد الموعود في اللعب بجدية تجعلك تخالهم يخوضون نهائي المونديال ، في خضم منافسة ساذجة ، لهم فيها أساليبهم وقوانينهم وأعرافهم ، حتى تحسب أنهم يلعبون بقانون غير القانون ، الذي توافق عليه فقهاء التشريع الكروي العالمي !
المهم أن الأستاذ منذر همس في أذني بملاحظة ليست قليلة الأهمية ، ملخصها أن الفرق الأوروبية والأمريكية ، كأندية أو منتخبات تلعب بسرعة "الروك اند رول" ، فيما يلعب العرب كرة القدم على إيقاعات " خدني بحنانك خدني" في يا مسهرني" على اعتبار أن كرة القدم عند العرب ، أسلوب للسهر في غياب فواكه الترفيه الأخرى ، التي تريح العربي المسكين من هموم البون الحضاري ، الذي جعل العقد سيدة الموقف !
وبعيدا عن فلسسفة الأمور ، وضع الشرباتي يده على جرح كرة القدم في بلاد العرب ، لان السرعة تشكل عامل حسم عندما تتساوى حظوظ المتنافسين في عناصر الإنجاز الأخرى ، وعندما يتعادل المتنافسون في الإعداد ، وتتقارب فرصهم ... والسرعة -وليس التسرع - تحدث الفارق في نهاية المطاف !
ولا يبدو أن مخططي كرة القدم العرب يولون السرعة الأهمية ، التي تستحق في برامجهم الإعدادية ، فبقيت كرة القدم العربية تلعب على إيقاعات " يا ليل يا عين" مما أوقع أنديتنا ومنتخباتنا في دوامة البون الشاسع مع أندية ومنتخبات المدارس الكروية الأخرى ، ومنها كرة شرق آسيا ، التي تقدم الاهتمام بالسرعة ، لتعوض بعض النقص في الجانب المهاري !
ولا أعتقد أن كرة القدم العربية تشكل مدرسة واضحة المعالم ، لأن الامتداد الإقليمي الشاسع لعالمنا العربي ، والمنهل الحضاري المتباين من جيران العرب مشرقا ومغربا ، جعل للعرب كرة مشرقية ، وأخرى مغربية ، إذا سلمنا بان الكرة المصرية تمثل همزة وصل بين المدرستين .
وتؤكد نتائج العرب القارية والدولية أن المدرسة المغاربية وضعت العرب على مقربة من العالمية ، لأن المغاربة " تونس والجزائر والمغرب وليبيا" يلعبون الكرة كأنهم يرقصون مع الشاب خالد عندما يصدح بأغنية " دي دي .. واه دي دي " فيما ما زال مشارقة بني يعرب ينتظرون أن تنجب المليارات المنفقة على القطاع الرياضي نتائج فوق منصات التتويج العالمية ، وأعتقد أن انتظارهم سيطول إذا واصلوا لعب كرة القدم على إيقاعات محمد عبده وصباح فخري !
ولا تقتصر السرعة في كرة القدم على سرعة الجري بالكرة أو بدونها ، لأن الأمر يقتضي سرعة في البديهة ، وسرعة في الإبداع والابتكار ، تعزز السرعة في التقدم الشامل نحو مواقع المنافسين ، والسرعة في الارتداد الشامل لإغلاق المنافذ الدفاعية ... وقبل هذا وذاك السرعة في ردود الأفعال ، لان " الريفكس" الذي يظنه البعض من حاجات حراس المرمى فقط ، يشكل ضرورة لكل اللاعبين ، وإن كان حارس المرمى الأكثر نجاحا من صفاته سرعة ردّ الفعل !
وتبرز السرعة الايجابية في اللعب ، من سرعة تنفيذ الهجمات المرتدة ، وقد حسمت السرعة هذه نتيجة الكلاسيكو مؤخرا بين الريال وبرشلونة لصالح الفريق الملكي ، ولو كان الخط الأمامي للريال أكثر سرعة في تنفيذ المرتدات ، ربما لخرج بنتيجة عريضة لم يحلم بها !
ويشكو كثير من جماهير الفريق الكاتالوني من مبالغة مخططيه في التحضير ، وإسهاب مدافعيه في تبادل الكرات في الخط الخافي تحضيرا للهجمات ، ولكن المعلم كرويف ملهم برشلونة يرى ان ذلك من الضروريات ، التي لن تستكمل إلا بسرعة اتخاذ القرارات الهجومية ، عندما تنكشف جيوب المنافسين ، ويحصل المهاجمون على المساحات ، التي تجعل الهجمات أكثر جدوى !
والثابت هنا ، أن كرة القدم تنمو وتتقدم كلما كانت الإجراءات فوق المستطيل الأخضر أكثر سرعة ، بمشاركة الطاقم الفني المطالب بالسرعة في كشف نقائص فريقه ، ونقاط ضعف منافسه واتخاذ القرارات في الوقت المناسب ، من أول صافرة ، حتى آخر صافرة للمباراة !
والأكيد أن الجماهير تستمتع بالإيقاع الأفقي للعب ، وتبادل الكرات والمراوغات بين خطي التماس ، ولكن الجماهير تستمتع أكثر عندما تمتد المهارات الفنية عموديا لهز شباك المنافسين ، حتى تشتعل المدرجات بالفرحة ، لأنه لا خلاف في أن الأهداف هي ذروة النشوة في عالم الجلد المنفوخ !
والحدي ذو شجون
[email protected]