دوامة نتنياهو - ترامب
نشر بتاريخ: 21/05/2017 ( آخر تحديث: 23/05/2017 الساعة: 11:16 )
بيت لحم- معا- كما هو واضح سيعلن الرئيس الامريكي ترامب عن استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية لكن هذا لن يحدث خلال زيارته الحالية وفقا لموقع القناة العاشرة العبرية الذي نشر اليوم "الاحد " تقريرا بعنوان "دوامة نتنياهو وترامب بين الرغبة في عدم الخصام وصعوبة الاسترضاء ".
وقال الموقع "بناء على فهمنا لطبيعة وتكوين شخصية ترامب فهو يرغب في تحقيق نجاح غاب عمن سبقه من رؤساء لكن في حاشيته هناك من يعد دروسه بشكل جيد ويفهم الامور".
"يريد ترامب ان يحقق نجاحا حتى في هذا الموضوع حيث فشل جميع من سبقوه من رؤساء وان يبرم الصفقة الكبرى بين اسرائيل والعرب ودرسوا بعمق ما حصل مع اوباما وجون كيري والنتائج التي حصدوها ".
رغب كيري بلهفة وشغف كبير في تحريك المفاوضات قبل ان يتأكد من وجود قاعدة مشتركة متفق عليها تسمح باستئناف الحديث وبعد نصف عام من المفاوضات العقيمة ادرك وزير الخارجية النشيط انه بحاجة لبلورة وثيقة "اطار " يتفق عليها نتنياهو وابو مازن وكما هو معروف انهارت المفاوضات في ابريل عام 2014 بعد تسعة اشهر من انطلاقها .
تعلم مستشارو ترامب الدرس: في البداية وقبل كل شيء تأكد من وجود اتفاق حول الاطار وحينها فقط دفع نتنياهو وابو مازن الى داخل الغرفة .
حتى هذه اللحظة لا يوجد مثل هذا الاتفاق بين رام الله وتل ابيب لذلك لا يبدو ان ترامب سيعلن استئناف عملية السلام خلال زيارته الحالية .
"ماذا نعني بالإطار؟ يعني اعلان الولايات المتحدة تتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين بهدف تحقيق تسوية دائمة تقم في اطارها دولة فلسطينية على اساس حدود 67 تعيش بسلام مع جارتها دولة اسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي فيما تشكل القدس عاصمة مشتركة للدولتين لان نتنياهو غير مستعد ان توصف القدس بعاصمة الدولة الفلسطينية وابو مازن لا يقبل بكتابة دولة يهودية .
ماذا يريد ترامب ؟ هذا الرئيس غير المتوقع الذي يواجه مشاكل سياسية ضخمة في بلده من شانها ان تهدد استمرارية حكمه .
انه لا يريد اكثر من صورة انتصار تجمع في اطارها نتنياهو وابو مازن والسيسي والملك عبد الله والملك السعودي يقفون جميعا على مرجة البيت الابيض الخضراء ويعلنون عن انطلاق عملية سياسية وهو قادر على القيام بذلك بكل سهولة لكن كل هذه العملية ستنتهي بصورة لا غير، لكن اذا اراد حقا ان يحاول الوصول الى تسوية يجب عليه ان يشمر عن ساعديه وان يغوص في ادق التفاصيل وان يواجه العقبات والخلافات الشديدة .
يبدو ان الرئيس ترامب يسير حتى هذه اللحظة على المسار الثاني فهو لا يتسرع وهو لا يبحث عن صور توثق المصافحات فقط لذلك هو سيأخذ وقته.
اذا ماذا سيفعل هنا الرئيس ترامب ؟ سيركز ضغوطه على نتنياهو وابو مازن لتحقيق هدفين الاول تليين مواقفهم الاستهلالية بما يسهل عملية التوصل الى وثيقة اطار متفق عليها، والثاني الطلب بخطوات لاعادة بناء الثقة بين الطرفين ولهذا السبب بالضبط دعا نتنياهو اليوم الكابينت للانعقاد للمصادقة على رزمة تسهيلات للفلسطينيين تتضمن توسيع المناطق الصناعية الفلسطينية وفتح جسر اللنبي لساعات اضافية .
لنتياهو مصلحة واحدة واضحة جدا تتمثل بمواصلة دحرجة هذا الشيء المدعو بالعملية السياسية لأطول فترة زمنية ممكنة دون ان يصل الى لحظة الحسم او الحاجة لاتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بقضايا الصراع المركزية لأنه يعتقد بعدم امكانية اقامة دولة فلسطينية مستقلة خلال الجيل الحالي لان هذا الامر يشكل خطرا داهما ويضع حماس على مسافة 5 كلم من كفار سابا " سيقول معارضو نتنياهو بانه يوجد حل امني لهذه القضية لكنه بكل بساطة يخاف ان يفقد الحكم في حال ذهب باتجاه تسوية " لهذا فان اقصى ما يمكنه تقديمه لا يلتقي ولا يلبي الحد الادنى الذي يمكن لاي زعيم فلسطيني مهما كان القبول به .
يطلق نتنياهو على مشروعه اسم "دولة " دولة فلسطينية يشوبها الكثير من الثقوب الكبيرة الممثلة بالكتل الاستيطانية "لانه لا يريد اخلاء مستوطنات" وبقاء السيطرة العسكرية الاسرائيلية على كامل منطقة الاغوار لعشرات السنين القادمة وبالاساس منح الجيش الاسرائيلي حرية العمل في ارجاء الضفة الغربية كاملة وهذا الطرح ليس دولة ذات سيادة لهذا سيرفضه الفلسطينيون .
لهذا يرى نتنياهو ان مهمته الاساسية مواصلة المناورة بين الضغوط الامريكية والمجتمع الدولي كي يظهر كمن يريد ومستعد لعقد اتفاق سلام دون ان يصل الى لحظة يضطر فيها الى اعطاء ما هو غير مستعد لتقديمه .
يجيد ابو مازن هذه اللعبة السياسية ويلعبها بذكاء فقد اعلن خلال اجتماعه بالرئيس ترامب اثناء زيارته الى البيت الابيض عدم معارضته اجراء مفاوضات دون شروط مسبقة وهو مستعد لاستئناف المفاوضات دون ان يحصل من اسرائيل على اية ضمانات او اجراءات مسبقة كما كان يطالب قبل اربع سنوات مثل اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين كشرط لاستئناف المفاوضات .
لكن ابو مازن قال لترامب شيئا اخر "انا لا اطلب موافقات كتابية مسبقة لكن اريد ان تقول الي ما هي شروط نتنياهو الاطارية ؟ هل القدس جزء من المفاوضات ام لا ؟ هل تشكل حدود 67 اساس الذي نعتمد عليه ام لا ؟ لقد نقل ابو مازن بهذه الخطوة الثقل باتجاه نتنياهو .
يلتقي ترامب مساء غد في فندق الملك داود بالقدس بنتنياهو وسيطرح عليه السؤال "ما هي خطوطك الاطارية؟" علما ان ترامب وصل هنا قادما من السعودية التي سمع فيها استعداد المملكة القيام بخطوات كبيرة لتطبيع العلاقات مع اسرائيل اذا حدث تقدم مع الفلسطينيين .
اذا كان ترامب راغبا حقا في التوصل الى تسوية دائمة بين الاسرائيليين والفلسطينيين فانه سيدرك قريبا جدا كما ادرك من سبقه من الرؤساء انه يقف امام خيارين واضحين : اما ان يلقي بكامل ثقله ووزنه وان يواجه رئيس وزراء اسرائيل واللوبي اليهودي واللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن وان يملي على اسرائيل بكل بساطة شروطا للتسوية لا تؤمن بها حكومة نتنياهو او ان يقرر كما فعل من سبقوه ان كل هذا لا يستحق المغامرة ولا يستحق دفع الثمن السياسي الباهظ وبالتالي ينسحب من الساحة مفضلا الاهتمام بقضايا مشاكل عالمية اخرى .
يمكن القول ان ادارة ترامب تظهر حتى لان تفهما لاحتياجات حكومة نتنياهو السياسية اكثر بكثير مما اظهرته ادارة الرئيس اوباما لذلك لم تطلب واشنطن تجميد الاستيطان في الضفة الغربية كما فعل اوباما لذلك يظهر رجال ترامب الكثير من الحذر ويتجنبون فرض مفاوضات سلام قبل ان يكونوا متأكدين بانه يوجد ما يمكن التحدث عنه .
واختتم الموقع الالكتروني تقريره بالقول "هذا الوضع مؤقت فالعم ترامب حدد هدفه واكثر من ذلك اعلن عن هذا الهدف باكثر الطرق وضوحا والعم ترامب لا يحب الفشل في تحقيق الاهداف التي اعلن عنها بصوت مرتفع ونتنياهو يفهم ذلك بشكل جيد لذلك وعلى عكس ما توقعه بعض المراقبين هنا فان قدرة المناورة التي اظهرها نتنياهو خلال سنوات حكم اوباما الثماني ما هي الا مقدمة بسيطة لقدرات المناورة الواجب عليه التحلي بها في عصر الرئيس ترامب لهذا فان مشاعر الاشتياق لعدوه واللدود اوباما ستنتابه كثيرا حين يهم بالخلود للنوم بعد يوم عمل صعب.