نشر بتاريخ: 23/05/2017 ( آخر تحديث: 25/05/2017 الساعة: 10:35 )
بيت لحم- معا- وقعت الكثير من الأخطاء والهفوات والإرباكات في اليوم الاول لزيارة ترامب، لكن لحس الحظ كانت اغلبها من خطأ غيره ولا ذنب له فيها، باستثناء قوله الغريب وغير المفهوم حول ما قيل عن تسريب معلومات سرية الى روسيا "لم اذكر اسرائيل"، بما يذكرنا بما قاله كلينتون دفاعا عن نفسه في قضية مونيكا حين قال "لم اقم علاقات جنسية مع هذه المرأة"، حسب تعبير حمي شيلو مراسل "هآرتس" في نيويورك وكبير محللي الصحيفة للشؤون الامريكية في مقالته المنشورة اليوم الثلاثاء.
لم يخرج ترامب قيد انملة عن السيناريو المرسوم له سلفا وقال جميع الكلمات الصحيحة.
لقد تباهي بانجازه لكنه كان مؤدبا مع مضيفيه، ووصف ايران كمصدر للشر ولامس شغاف قلوب يهود العالم أجمع حين زار حائط المبكى، فيما كانت ابنته "افينكا" تجهش بالبكاء الى جانبه من شدة التأثر.
وحظي في نهاية اليوم باستقبال عاطفي مليء بمشاعر الود والحب من قبل نتنياهو الذي اسهب في كيل المديح والثناء الذي لا اساس له في الواقع على ترامب الذي وقف مرتعدا متهدج الصوت من شدة تأثره بهذه المشاعر، التي يبدو ان نتنياهو هدف من وراء اظهارها بهذه الطريقة خلق حالة من التوازن "الغضب" مقابل التملق والنفاق غير المسبوق الذي لقيه ترامب في السعودية.
عمليا، تصريحات ترامب التي ادلى بها طيلة اليوم الاول وانبطاح نتنياهو وسارة المذل تحت قدميه اثناء العشاء لم يترك مجالا للشك لدى غالبية الاسرائيليين بان بلادهم قد حظيت بعد سنوات اوباما الثماني العجاف بصديق حقيقي في البيت الابيض.
بالنسبة لترامب الهدوء لا يعدو كونه مقدمة للعاصفة، لن يغيب طويلا حتى تصل تغريدة مهينة او اتهاما مزيفا او تقرير وتصريح لا اساس له من الصحة يبدد هذا اللطف، لكن حتى هذه اللحظة يتصرف ترامب تماما كما ارادوا له ان يتصرف، وكما حدث اثناء زيارة الرئيس نيكسون 1974 والرئيس بوش 2008 حظي ترامب بتعاطف وتأييد في اسرائيل خلافا للأجواء التي يواجهها في بلاده، وسواء اراد ذلك أم لا أو اهتم بذلك أم لا فقد حظي بثقة اسرائيليين كثر.
بكل تأكيد لم ينزعج ترامب من الزلات التي اشغلت يوم امس المحللين ويمكن القول بانه مر مرور الكرام على حادثة "السلفي" التي فرضها عليه عضو الكنيست المتمرد "اورن حزان" خلال طقس الاستقبال الرسمي في مطار بن غوريون، وبكل تاكيد لم يكن منتبها لمحاولات وزير الامن الداخلي غلعاد اردان بيعه حادث سير وقع في تل ابيب قبل وصوله بساعتين على انه عملية "ارهابية"، لكنه وحتى لو لم يسمع سارة نتنياهو فإنه يؤيد ويدعم محاولاتها خلق قواسم مشتركة مع زوجته "ميلانا ترامب"، حين قالت سارة بان وسائل الاعلام تكره نتنياهو كما هو حال ترامب مع وسائل الاعلام التي تكرهه، لكن الشعب يحب الاثنين وفقط في ساعات المساء حين اكتشف أن كاميرات التلفزيون كانت حاضرة لتوثيق الحديث القصير والثقيل الذي جرى على مدخل بيت نتنياهو، وخاصة لقائه مع يائير نتنياهو فقط حينها رفع كتفيه مندهشا ومستغربا ونظر لهذا التصرف تصرفا مبالغا فيه.
من جانبه، نتنياهو ووزراؤه معنيون جدا بمغادرة ترامب اسرائيل مع شيء بسيط من الحفاوة التي حصل عليها في السعودية، لذلك تجاهلوا تصريحات وزير خارجيته "ركس تيلرسون" التي كانت ستثير في اوقات اخرى وظروفا اخرى جلبة كبيرة حين رفض "ركس" الاعتراف بوجود علاقة ورابط بين اسرائيل وحائط المبكى، الأمر الذي اظهر ان تصريحات موظفين امريكيين رفيعي المستوى الاسبوع الماضي كانت جزءا من سياسة وليس مجرد نزوة، كما وصف "ركس" تل ابيب كمهد لليهودية وهذا الوصف لربما كان مقبولا على سكان المدينة، لكنه اظهر جهلا مطلقا في عيون بقية الاسرائيليين كما رفض "ركس" الاعتذار عن تسريب المعلومات قائلا: انه لا يوجد ما تعتذر عنه الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضية تسريب المعلومات السرية الى روسيا وهذا موقف لربما يختلف عن مواقف رؤساء الاجهزة الامنية.
من المفهوم ان ترامب وصل اسرائيل متمتعا بنقاط تفوق مفهومة سلفا أولها انه ليس "أوباما" والثانية انه من معارضي اوباما الاشداء، وربما هذه الاشياء لا تقربه من قلوب غالبية اليهود الامريكان، الذين تبرأوا منه وكأنه مصاب بالكوليرا لكن بالنسبة لغالبية الاسرائيليين فإن هذه الصفة حميدة جدا.
ان حقيقة جعله اسرائيل المحطة الثانية في جولته الشرق أوسطية الاولى كانت في الاساس لإظهار اختلافه عن اوباما الذي فضل تخطي اسرائيل بعد خطابه الشهير في القاهره عام 2009، فيما اشبع ترامب رغبة نتنياهو حين هاجم ايران دون هوادة وحاول عزلها مقابل توقيع اوباما اتفاقا نوويا مقيتا معها وحاول اعادتها الى المجتمع الدولي.
دعا ترامب الى حرب إبادة ضد "الارهاب" وخلافا لسلفه اوباما وتماما مثل نتنياهو لا يولي ترامب أي اهمية للجهات والخلفيات التي تقف وراء هذا "الارهاب" وتساعد على نموه، كما اظهر ترامب لا مبالاة لحقوق حرية الشعوب الاخرى وليس من الواضح اصلا فيما اذا كان يهتم بحقوق الامريكيين انفسهم لكن هذه قضية اخرى وهو بكل تأكيد لا ينوي تقديم العظات للآخرين ونصحهم كيف يتصرفون،
وهذه اهم مميزات وصفات الرئيس اوباما التي كلفت اسرائيل الكثير من الاعصاب، هذا اذا لم نتحدث عن حقيقة كون ترامب ليس اسودا ولا يوجد له جذور وجدود مسلمين واسمه الاوسط "جون" مثل "جون فين" ليس "حسين" مثل صدام حسين.
ودون مقارنة مع اوباما يمكن القول ان ترامب هو اكثر رئيس "إسرائيلي"، جلس في البيت الابيض عبر تاريخ الولايات المتحدة وهو يتحدث بطريقة "دغري" وهذا ليس من باب المدح بل يشير الى فظاظة كبيرة، فهو متهور ومتحد ومستفز وفي كثير من الاحيان يتحدث قبل ان يفكر وهو مؤمن بأن العالم لا يفهم سوى لغة القوة، ويكره المنظمات الدولية والمنظمات الدبلوماسية والقانون الدولي ومثل اسرائيليين كثر يزدري اوروبا ودولها، اختتم لمحلل الاسرائيلي مقالته.