الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"أبو محمد"- 60 عاما يُسعد الأذواق بمعشوقته الذهبية

نشر بتاريخ: 19/06/2017 ( آخر تحديث: 20/06/2017 الساعة: 04:41 )
"أبو محمد"- 60 عاما يُسعد الأذواق بمعشوقته الذهبية
قلقيلية- معا- في أزقة الحي، حيث ينتشر عبق الرائحة في المكان، تتسارع خطواتنا لاكتشاف مصدر الرائحة التي تثير الشهية، حتى تلتقط أنظارنا عربة تستقر أمام منزل بسيط من منازل الحي، تبيع تلك الحلويات الشرقية الذهبية المحبّبة للجميع.
عبد القادر ولويل "أبو محمد" ثمانيني هجّر من قريته كفر سابا داخل أراضي عام 48، وهو يسكن في قلقيلية ويعيل اربعة اولاد وسبع بنات، تراهم مع احفادهم يتحلّقون من حوله وهو يصنع حلوى "العوّامة" كما هو متداول أو "لقمة القاضي" كما يسميها البعض.
يروي ولويل تفاصيل رحلته مع العوّامة، والبسمة ترتسم على شفتيه، ولكن سرعان ما يذهب بذاكرته بعيدا وهو يتذكر احداث 60 عاما مرت على عمله في معشوقته الذهبية.
يقول ولويل إنه ومنذ نعومة أظفاره بدأ بعمل العوّامة وأمضى أكثر من ستين عاما وهو يكور حبات حلوى العوامة الشهيرة في رمضان، ففي بغداد كانت انطلاقة عمله في العوامة عندما سافر من قلقيلية إلى بغداد في عمر لم يتجاوز 24 عاما، لكنه لم يمكث أكثر من شهر في بغداد حتى عاد لأرض الوطن، ليتابع عمله في العوامة.
عندما عاد من بغداد كان الجيش الأردني ما زال في البلاد، وبتنهيدة حزينة يتذكر ولويل ما حصل معه في العام ١٩٥٦، ليسطر حكاية جديدة من حكاياته الشهيرة التي لم تقتصر على العوامة فقط، فبدأت الحكاية عندما أخذ مكان شخص من الحرس الاردني على قمة برج عسكري لحراسة المكان، فإذا بالاحتلال الاسرائيلي يضرب البرج بقذائفه، ليصاب ولويل بجروح خطيرة في رأسه وسائر جسمه التي ما زالت آثارها حتى اليوم.

وبعد فترة قصيرة اشتهر ولويل في قلقيلية وكانت البلاد آنذاك قد وقعت تحت الاحتلال الاسرائيلي، يروي بابتسامة نعجز عن فهمها قائلا: "كان اليهود من جنسيات مختلفة يجوا يشتروا العوامة". حتى قدّم له يهودي عرضاً بالعمل في اسرائيل إلا أنه رفض قائلا: "الوطن غالي".
تحدث ولويل عن مكونات عوامته الشهيرة قائلا: "ما فيها سر، بتتكون مثل اي وصفة عوامة، من الطحين والمي والخميرة وشوي من الملح بس كنت استخدم نوع معين من الطحين وكنت اجيبه من نابلس وبشوف هاد هو السر بالطحين المنيح، اليوم ما في نفس الطحين الي كنت استخدموا من ستين سنة بس بستخدم احسن انواع الطحين وبجيبوا من قلقيلية.
ما أن يرفع آذان العصر حتى تمتلىء أسواق مدينة قلقيلية بالمتسوقين الذين يأتون من القرى المحيطة وداخل الخط الأخضر، اللافت للانتباه وأنت تتجول في الأسواق، الأعداد الكبيرة من الناس التي تتجمع حول محل بائع العوامة في المدينة، فبعد مرور ستين عاما على عمل ولويل في العوامة لم يقتصر عمله في بيته وعربته، بل استطاع أن يمتلك محلا في السوق الرئيسي ليتجه إليه المتسوقون من كل المناطق.
من العادات في شهر رمضان المبارك اقبال الناس على شراء الحلويات الشرقية قبل موعد الافطار أو بعده، فترى اقبالا محلوظا من قبل الناس على عوامة "أبو محمد" التي تتزين بها موائد الصائمين في شهر رمضان.
قالت زوجة ولويل: "عوامة أبو محمد وصلت لروسيا واليمن والعراق وعمان"، وأضافت "على الرغم من أننا نعمل العوامة بنفس طريقته في البيت، الا انها ما بتطلع مع حدا مثل ما بتطلع مع ابو محمد، بمسك العجينة بطريقة غريبة وبتحس العجينة سهلة بايده".
وتضيف أم محمد أن الادوات التى يستخدمها ولويل في قلي العوامة (كالمغرفة) التي جلبها معه من بغداد لا تزال موجودة حتى اليوم، كذلك الحال بالنسبة للعربة الشاهدة على بداياته مع العوامة لا تزال واقفة امام المنزل.

وقالت: "إن هناك كثير من الشخصيات التي زارت محل زوجها لشراء العوامة التي شاع صيتها في المنطقة، وأصبح البعض يتوق لتذوقها".
وتابعت: أرهقته السنين، وهو يشقّ اسمه لكن ما يهوّن الأمر عليه أنّه وصل لمبتغاه حتى غدا اسمه مثلا أعلى لصانعي الحلوى.
ولويل اسم يتردد على ألسنة كل شخص دخل مدينة قلقيلية، فعند دخولك محل العوامة الخاص به لا تخرج منه إلا وقد حملت كميات كبيرة من عوامته التي تعاقبت عليها الأجيال جيلا بعد جيل، وبعد أن تتذوق طعمها فلن تتوقف عن الحضور مرارا لشرائها.
وبعد كل هذه السنوات التي مرت على عمل ولويل لم تنته حكاية العوامة الشهيرة فقد توارثها عنه أولاده وأحفاده وبناته، حتى أصبحت مصدر رزقهم جميعا.
ستون عاما متواصلة لم يتفوق عليه أحد في صناعة العوامة، حتى غدت بفضله حكاية حلوى شعبية يتذوقها الناس بقطرها في شهر رمضان وعلى مدار العام.
اعداد: غيداء الحج حسن، وأزهار الجدع