القدس- معا- وصل الى المدينة المقدسة صباح اليوم وفد من ابناء الرعية الارثوذكسية في بلدة عابود قضاء رام الله، وزاروا كنيسة القيامة وكاتدرائية مار يعقوب والتقوا المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس الذي استقبلهم مرحبا بزيارتهم للمدينة المقدسة.
وقال المطران حنا في كلمته إن بأنكم تزورون مدينة القدس في ظروف عصيبة واليوم هنالك اضراب شامل تضامنا مع عائلات الشهداء ورفضا للاجراءات الاحتلالية في المدينة المقدسة.
وتابع: يتسائل الكثيرون من ابناء رعيتنا عن الواقع المأسوي الذي نعيشه في ظل استمرارية الاحتلال وممارساته وقمعه لشعبنا وفي ظل استهداف مقدساتنا واوقافنا الاسلامية والمسيحية، ان بعضا من ابنائنا بدأوا يشعرون بالاحباط من الحالة التي وصلنا اليها ولذلك فإننا نلاحظ بأن الهجرة المسيحية مستمرة ومتواصلة ومن كافة المحافظات الفلسطينية، هنالك عائلات مسيحية تترك منازلها واملاكها وتغادر الى الخارج لانهم فقدوا الامل بالمستقبل وهم يظنون بأن لا مستقبل لنا في هذه الارض وانا اعتقد بأنهم مخطئون في ذلك.
واضاف المطران نشعر بالالم والحزن عندما نسمع ان ابناءنا يغادرون وطنهم ويذهبون الى سائر ارجاء العالم، فلسطين وبالرغم من آلامها واحزانها وجراحها هي اجمل مكان في العالم، نحن نعيش في ظل حالة قمع وظلم واضطهاد ولكن وبالرغم من كل ذلك لن نجد مكانا اجمل من فلسطين في عالمنا ولن نجد مدينة اجمل من القدس في اي مكان من هذا العالم.
وقال المطران من احب كنيسته احب وطنه وبقى في بلده لان المحبة بالنسبة الينا هي مقرونة بالتضحية، من يحب عليه ان يضحي في سبيل من يحب، من احب كنيسته عليه ان يبقى فيها ومن احب وطنه عليه ان يبقى فيه ايضا رغما عن كل الالام والجراح والمعاناة.
واشار المطران إلى ان هذه الديار المقدسة ابقوا فيها وكونوا دوما دعاة عدل وحق ونصرة لشعبكم الفلسطيني المظلوم، علينا الا نيأس في منادتنا بأن تتحقق العدالة في هذه الارض علينا الا نشعر باليأس والاحباط والقنوط في دفاعنا وعن وطننا وعنا قدسنا ومقدساتنا، علينا الا نقبل بأولئك الذين يريدوننا ان نكون في حالة ضعف واستسلام وتراجع وهم يسعون لاغراقنا في مستنقعات الاحباط واليأس والقنوط.
وقال المسيحيون الفلسطينيون الذين هم قلة في عددهم ولكنهم ليسوا اقلية يجب ان تكون معنوياتهم عالية وارادتهم صلبة وان يكونوا كما كانوا دوما متحلين بالانتماء لهذه الارض ومدافعين عن كرامة وحرية شعبنا الفلسطيني، ان انحيازنا يجب ان يبقى دوما لشعبنا الفلسطيني الذي نحن مكون اساسي من مكوناته فهذا هو تاريخنا وهذا هو انتماءنا وهذه هي هويتنا، اولئك الذين يعتدون على الاقصى انما يستهدفوننا جميعا، اولئك الذين يسعون لاسكات اصوات الاذان تزعجهم ايضا اصوات اجراس كنائسنا، اولئك الذين يستهدفون الاقصى والمقدسات الاسلامية هم ذاتهم المتآمرون على اوقافنا وعقاراتنا المسيحية التي يتم الاستيلاء عليها وابتلاعها بطرق ملتوية غير قانونية وغير شرعية.
وقال الى ابناء كنيستنا في هذه الديار بأن يحافظوا على انتمائهم لكنيستكم فالكنيسة بالنسبة الينا هي الام التي تعزينا وتقوينا في الصعاب والاحزان والشدائد، لا تفقدوا ثقتكم بكنيستكم، احبوا كنيستكم وانتموا اليها وكونوا على قدر كبير من الوعي والحكمة والرصانة لكي تميزوا ما بين الخيط الابيض والخيط الاسود.
ان انتمائكم لكنيستكم وتعلقكم بالحضور المسيحي الفلسطيني العريق في هذه الارض المقدسة انما يجب ان يجعلنا جميعا ان نكون اقوياء في دفاعنا عن الحق الذي ننادي به ونحن نطالب بالحرية لشعبنا وانهاء الاحتلال وممارساته الظالمة وان يعود للقدس بهائها وجمالها لكي تكون مدينة السلام والتلاقي والمحبة بدل من ان تكون مدينة الصراع والعنف وامتهان الكرامة الانسانية، سلام القدس لن يكون الا من خلال حريتها وحرية ابنائها، لن يكون هناك سلام في هذه الديار بدون تحقيق العدالة فلا تفتشوا عن السلام مع بقاء الاحتلال وقمعه وظلمه لشعبنا وقدسنا ومقدساتنا.
لا نريد للمسيحيين الفلسطينيين ان يتوقعوا وان ينعزلوا عن قضايا شعبهم وامتهم، الكثيرون يتآمرون علينا ويخططون لتصفية وجودنا وتهميش انتماءنا الوطني، انهم يسعون لاقتلاعنا من جذورنا العربية ومن هويتنا الفلسطينية وهذا لن يحدث على الاطلاق.
سيبقى المسيحيون والفلسطينيون ضميرا حيا لشعب الفلسطيني ولن تزيدنا هذه المؤمرات التي تستهدف وجودنا المسيحي الا ثباتا وصمودا وتمسكا بمواقفنا ورسالتنا وحضورنا.
اشار إلى ان الاحتلال وعملائه يستهدفون كافة مكونات شعبنا الفلسطيني وانتم تلاحظون ما يحدث في محيطنا العربي من محاولات هادفة لتقسيم مجتمعاتنا وتدمير بلدانا وتحويلنا الى طوائف وقبائل ومذاهب متناحرة فيما بينها، اوجدوا لنا داعش وغيرها من المنظمات الارهابية لكي تكون سيفا في ايدي الاعداء مسلطا على رقابنا، اوجدوا لنا هذا الارهاب العابر للحدود لكي يدخلوا مسيحيي المشرق العربي في حالة خوف وذعر وقلق على مستقبلهم، اوجدوا لنا هذا الارهاب لكي يدمروا مجتمعاتنا ولكي يحولوننا الى قبائل ومذاهب متناحرة فيما بيننا، اوجدوا لنا ارهابا هدفه حرق الاخضر واليابس ولكن ان هذا الارهاب مآله الاندثار والفشل وقد بدأنا نلحظ بوادر هذا الانتصار على الارهاب في اكثر من موقع في مشرقنا العربي.
وقال اوجدوا لنا هذا الارهاب وحالة عدم الاستقرار والاضطراب في منطقتنا العربية لكي يجعلوا العرب منهكين بصراعاتهم وخلافاتهم ولكي تستفرد اسرائيل بنا وهذا ما يحدث اليوم، فإسرائيل هي المستفيد الحقيقي مما يحدث في منطقتنا العربية من حالة اضطراب وعنف وارهاب وفتن.
تابع: اما المسيحيون في المشرق العربي وفي فلسطين بنوع خاص فهم مطالبون اليوم اكثر من اي وقت مضى بأن يكونوا محافظين على حضورهم وانتماءهم ورسالتهم، وردنا على الارهاب والقتل والعنف لا يجوز ان يكون من خلال التقوقع والانعزال عن قضايانا الوطنية والعربية، بل يجب ان نبقى حاضرين وان يكون لنا صوتنا وموقفنا ودفاعنا المبدئي الصادق عن قضايانا الوطنية وفي مقدمتها قضية فلسطين.
لن يتمكن احد من اقتلاعنا من انتماءنا العربي، لن يتمكن احد من نزع فلسطين من وجداننا وثقافتنا وهويتنا، مهما تآمروا علينا سيبقى انتماءنا لهذه الارض المقدسة التي اختارها الله لكي تكون مكان تجسد محبته نحو البشر.
لن تنحرف بوصلتنا ولن يتمكن احد من النيل من عزيمتنا واصرارنا وارادتنا، ادعو المسيحيين الفلسطينيين الباقين في هذه الارض المقدسة ان يكونوا ملحا وخميرة لهذه الارض وان يكونوا كما كانوا دوما مصدر خير وبركة وسلام لهذه البقعة المقدسة من العالم.
من حمل قيم الانجيل في قلبه دافع عن كل انسان مظلوم ومعذب في هذا العالم ، المسيحية التي ننادي بها ونتمسك بقيمها ورسالتها هي المسيحية الحقة التي انطلقت رسالتها من هذه الارض، نحن ابناء هذه الارض الاصليين ولسنا بضاعة مستوردة من اي مكان في هذا العالم ، نحن ابناء فلسطين وسنبقى مدافعين عن فلسطين وقضية شعبها وقدسها ومقدساتها.
اضاف حافظوا على ايمانكم وانتماءكم لكنيستكم ووطنكم وكونوا على قدر كبير من الحكمة والمسؤولية والاستقامة ولا تنظروا الى انفسكم وكأنكم طائفة او اقلية فنحن لسنا اقليات في اوطاننا ونرفض ان ينظر الينا كذلك.
رسالتنا من رحاب المدينة المقدسة ستبقى دوما رسالة السلام والمحبة والاخوة والتلاقي بين الانسان واخيه الانسان.
نحن فلسطينيون وسنبقى كذلك شاء من شاء وابى من ابى، نحن ننتمي الى الكنيسة الام، نحن ننتمي الى اقدم واعرق كنيسة شيدت في العالم، فنحن نفتخر بتاريخنا وتراثنا وجذورنا العميقة في هذه الارض المقدسة.
اشار إلى ان لا تخافوا ايها الاحباء من ان تقولوا كلمة الحق التي يجب ان تقال، لا تتردوا في الدفاع عن انتماءكم وهويتكم وجذوركم العميقة في هذه الارض، لا تترددوا في رفض سياسات التعدي على مقدساتنا واوقافنا، فالارض بالنسبة الينا هي الكرامة والانتماء والهوية، فلسطين هي الارض المقدسة ونحن متشبثون ومتمسكون بكل حبة تراب من ثرى فلسطين التي تقدست وتباركت بحضور السيد ووالدته الام البتول وقديسيه وشهدائه ورسله، متشبثون بانتماءنا لفلسطين التي جذورنا عميقة في تربتها كشجرة الزيتون التي جذورها ضاربة في الارض.
تابع: احبوا بعضكم بعضا، احبوا كنيستكم، احبوا وطنكم وشعبكم وكونوا الى جانب القدس في الامها وجراحها ومعاناتها، القدس تحمل اليوم صليب آلام سيدها وهي سائرة في طريق آلامها نحو الجلجلة على رجاء القيامة وعلى رجاءالانعتاق من القمع والظلم والاحتلال.
قدم المطران بعض المنشورات الروحية كما تحدث عن الاوضاع التي تمر بها كنيستنا الارثوذكسية مؤكدا على اهمية الوحدة والتعاون بهدف معالجة كافة القضايا والتحديات التي تعصف بنا.