الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحو مشاورات وطنية فاعلة لتقدير التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة

نشر بتاريخ: 06/08/2017 ( آخر تحديث: 06/08/2017 الساعة: 17:25 )
نحو مشاورات وطنية فاعلة لتقدير التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة
بقلم: تحسين يقين
نحن بحاجة كبيرة لها..لمواردنا الاقتصادية والبشرية قبلها..
وللأخلاق أكبر!
يأخذنا العنوان إلى تذكر أحداث العنف التي أدت إلى الخسائر، والتي ما زالت للأسف، ولكل منا ذكرياته المؤلمة؛ كيف ننسى نتائج كثيرا من النزاعات، التي كان من الممكن تجنبها؛ ربما لا نذكر ما حدث في محيطنا منها، لكن تأمل ما حدث في محيط كلّ منا، يؤكد أننا مستهدفون جميعا، وأن آثار العنف لا تقتصر على محيط أسريّ أو عائلي صغير، بل يمتد إلى ما هو عام وطني وقومي ودولي وكوني؛ ولعلي هنا أكرر ما اقتبسته من قبل للزعيم التركي مصطفى كمال "سلام في البيت سلام في العالم".
قبل أيام احتضنت العاصمة الأردنية عمان ورشة عمل تحت عنوان مشاورات وطنية حول تقدير التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة في دولة فلسطين، بالشراكة مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
لماذا المرأة؟
لسبب جوهريّ موضوعي، وهو أنه كلما تعرض المجتمع لأية ضربة، ستكون المرأة والأطفال دوما الأكثر تعرضا للعنف كونهما الحلقة الأضعف في مجتمعنا، فما بالك بمجتمعنا الذي يتعرض للاحتلال من جهة، وللتنازع السياسي من جهة أخرى!
ولعل ما ذكرته وزيرة شؤون المرأة د. هيفاء الأغا في الافتتاح لا يبعد عما نتحدث به هنا، بالتركيز على خصوصية العنف الكولينيالي على المجتمع الفلسطيني ومنه المراة الفلسطينية، الرافضة والمقاومة للاحتلال، والتي تستحق المساندة والحماية. فليس هناك من تناقض من الحماية من أي نوع من العنف الواقع على المرأة، بل إن الأولى حمايتها من العنف المجتمعي، لأنه بأيدينا ومن الممكن إحداث تغيير فيه. لذلك فإن الوعي الحكومي ممثلا بوزارة شؤون المرأة إنما يطمح إلى تنفيذ عملية حساب تكلفة العنف، للتأكيد على ضرورة مناهضته كونه مكلفا للأفراد والأسر والحكومة، حيث لا بدّ أن يشكل ذلك دافعا قويا نحو خفض معدلات العنف ضد المرأة، لتوفير تلك التكاليف التي نحن بأمسّ الحاجة لها، في طريقنا نحو البناء من جهة، والتحرر الوطني من جهة أخرى.
ثمة إجماع وطني وأممي على إنصاف المرأة الفلسطينية، حيث انسجمت أقوال نائب الأمين التنفيذي للإسكوا د.خولة مطر، في عدم كفاية الإجراءات المتبعة رغم القوانين، بسبب منظومة المجتمع التقليدية، والمغلفة بتفسيرات اجتماعية ودينية، مع أقوال الوزيرة د. هيفاء الأغا التي ترى أن أحد أسباب العنف ضد المرأة هو النظرة الدونية والخاطئة لها، والتي منبعها الثقافة والتنشئة الاجتماعية، إضافة الى عدم استقرارها ماديا، وعدم وجود قوانين وتشريعات راجعة للعنف ضد المرأة من قبل الحكومات. ويمكن قراءة حديث المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية الأستاذ محمد الناصري حول الموضوع من منظور التنمية والاستثمار، وذلك لتلازم الفعل العضوي-الموضوعي بين آثار العنف في إعاقة النمو، والتأثير على عملية الاستثمار بشكل سلبي، وذلك بجعل الرفاه الاجتماعي في حدوده الدنيا، حيث أن من الطبيعي أن يقطف المجتمع ثمارها في رفاهية أفراده واستقرارهم/ن.
لذلك، ومن منطلق المسؤولية العربية، فقد ثمّنت نائب الأمين التنفيذي للإسكوا د.خولة مطر جلسة المشاورات الوطنية، والتي ضمن الشركاء الحكوميين/ات وغير الحكوميين، والمنظمات الدولية، بل وشجعت هذا النقاش من أجل تعميم التجربة عربيا؛ من منطلق أن تقدير كلفة العنف في فلسطين، كما تم في مصر من قبل (كلفة العنف الزوجي 2 مليار و700 مليون جنيه)، سيسهّل إجراؤها في الدول العربية فيما بعد.
العنف يكلف مالا.....معادلة رقم 1
تخفيف العنف يوفّر مالا.....معادلة رقم 2
إن مجموع التكلفة الكلية لتقديم الخدمات= تكلفة تقديم الخدمات التكلفة التي تتكبدها النساء والأسر التكلفة التي تتكبدها الشركات وأصحاب الأعمال.
كما يشكل العنف ضد المرأة خسارة لدخل لنساء وخسارة فرص الحصول على العمل، ويرتبط به خسارة الاستثمار في التعليم، المسكن، وخسارة المقتنيات المنزلية، وخسائر اللجوء الى الاسرة الممتدة.
إن المشاورات الوطنية-الأممية (من خلال لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة) حول تقدير التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة في دولة فلسطين، كفيلة بدفع المجتمع ككل، بالتفكير الجدي بمحاصرة أسباب النزاعات، والبحث عن حلول بديلة للعنف في حل المشاكل والنزاعات، بدءا بمحاصرة العنف السياسي الداخلي الذي أثّر سلبا، وضاعف من الكلفة الاقتصادية. واتجاه المجتمع معا نحو تخفيف حدة العنف بشكل عام والعنف ضد المرأة بشكل خاص، سيحصّن المجتمع وهو ينشد خلاصه الوطني من الاحتلال.
كل وبيئته وبيئتها، فمن نزاع على لعبة، إلى آخر عن حبات ثمر، إلى نزاع على الطريق، إلى نزاع على دور، أو مكتسب ما، أو قيادة؛ فكل نزاع وعنفه الذي يواكبه وينسجم عنه ويعبّر عنه، حين يتم استسهال اختياره حلا أو مدخلا للحل بالإكراه، أكان اجتماعيا أو سياسيا، أو كولينياليا، فهي منظومة أخلاقية وفكرية لها تجليات اقتصادية.
لعل تأمل المثل الشعبي "مش ع رمانة بس القلوب مليانة"، سيقودنا عصريا إلى مقاربته بعلاقات القوة والمنظور الاقتصادي، كون أن المصلحة المادية ما زالت الأكثر إثارة للنزاعات، والتي يدخل فيها نزعات السيطرة والتحكم الاجتماعي، والذي يكمن أو يظهر بوضوح، البعد الاقتصادي.
خسارة الأرواح والممتلكات والخسارة الأخلاقية وخسارة الأمن الاجتماعي والأسري، كلها تقودنا نحو العقلانية والحكمة، ليس لتوفير التكاليف المباشرة وغير المباشرة، بل لأن الخسارة الأخلاقية والإنسانية هما الأكبر والأكثر مأساوية؛ فكما قال الشاعر: فإذا أصيب الناس في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا!
حجتان لمناهضة العنف أخلاقية واقتصادية، وإن شئت البدء بالشق الاقتصادي فلا ضير؛ فبالرغم من أن الاخلاق تعد الأولوية الأولى لدى قياس تكلفة العنف، إلا أننا معنيون باحتساب التكلفة الاقتصادية بسبب أثر الاقتصاد على الحياة الاجتماعية؛ فما زالت الأبحاث تجد رابطا بين مستوى الدخل وأثره على العنف داخل الأسرة، مما يقودنا إلى عدم عزل ما يحدث داخل البيوت عما يحدث في المجتمع من علاقات قوة، ومن أسلوب حكم، ونظام الاقتصاد فيه، بحيث لا يصبح الحديث عن العدالة اكتشافا!
إن اختيار نظام الحكم السياسي والاقتصادي يعدّ خلقا، وما الأخلاق ببعيدة عن منظومة قيم الحكم والإدارة، لذلك حينما نتحدث عن المنطلقات الإنسانية والأخلاقية لمناهضة العنف، فإنما نعني عدم الالحاح على الاقتصاد فقط، بل إن الاخلاق والانسانية والمعرفة اضافة للقوانين وتنفيذها تشكل جميعها ضمانات استراتيجية للتخفيف من العنف وإنهائه.
نحن بحاجة كبيرة مورد من مواردنا لتحقيق البناء والتحرر والرفاهية، والنمو الثقافي والحضاري..
وللأخلاق دوما سنظل بحاجة لها، فهي المنطلق والغاية، وهي ضمان العيش الكريم!
فهل يحتاج المعنف لمعارف كبيرة وقوانين رادعة حتى يسلك سلوكا إنسانيا مع أقرب الناس إليه؟!
الإنسانية تظل الضمان..ومنطلق عظيم للوقاية.
إن تأمل تكلفة العنف، وآثاره كفيلة بالحد منه، من هنا فإن المشاورات الوطنية لتقدير التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة التي قادتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) بشكل خاص، بالتعاون والشراكة مع وزارة شؤون المرأة، تشكل بوصلة تؤكد على الأهمية القصوى لنعرف كم حجم التكلفة، وصولا لتوفيرها مستقبلا، كي يستفيد منها مجتمعنا بالشكل الأمثل.
[email protected]