انهيار حكم نتنياهو يدخل اسرائيل في عنف غير مسبوق
نشر بتاريخ: 12/08/2017 ( آخر تحديث: 14/08/2017 الساعة: 11:32 )
بيت لحم- معا - تحمل اشارات انهيار حكم نتنياهو في ثناياها خطر عنف داخلي غير مسبوق ولم يعرف المجتمع الاسرائيلي مثيلا له وفقا لما ذهب اليه البرفيسور "دنيال بلاتمان" المختص في تاريخ اشعب اسرائيل واليهودية المعاصرة ضمن كلية العلوم الانسانية التابعة للجامعة العبرية في القدس في مقالته المنشورة اليوم "السبت" على موقع "هارتس" الالكتروني تحت عنوان "خطر العنف الكامن في انهيار حكم نتنياهو" وجاء فيه:
"اجتاز المجتمع الاسرائيلي دون عنف يذكر الازمة الكبرى التي تمثلت باغتيال اسحاق رابين وذلك لان الحكومة في تلك الفترة كانت برئاسة شمعون بيرس وجهات مدنية ويسارية عرفت كيف توجه الغضب ورغبة الانتقام التي كانت لدى معسكر اليسار وتحويله الى رسالة للمصالحة الوطنية وبناء حالة وروح من الحزن الوطني العام".
وفي المقابل من شأن انهيار حكم نتنياهو اخراج مؤيديه الى الشوارع وبينهم الكثير من المتطرفين والعنصريين وسفاحين وهمج اليمين مثل رجال منظمات "لاهفا" ومنظمة "هتسل" ومؤيدي الجدي القاتل "اليؤر ازريا" اللذين سيحاولون منع ابعاد "الزعيم" وبالنسبة لهم كل شيء جائز ومسموح لتحقيق هذه الغاية سواء كان مخالفا للقانون او الاخلاق والأعراف التي لا يعترفون بها اصلا وطبعا سيلعب نتنياهو دورا مركزيا في هذه الحركة بهدف وقف الاجراءات القضائية ضده ومنع محاكمته.
يمكن للنفي غير الرسمي الذي يمارسه مؤيدو نظام حكم في طريقه للانهيار ان يندمج مع عنف الدولة على اكثر من مستوى خاصة حين يكون الهدف المساس بقوى المعارضة المنظمة او المعارضة غير البرلمانية "خارج البرلمان" التي تقف في مواجهة السلطة والزعيم.
هذه عنف يستند في الاساس على منظومات اقصاء وإبعاد متغلغلة في اجزاء واسعة من المجتمع لا تفهم او ترفض ان تدرك وتفهم حجم المخاطر التي تواجهنا.
يمكن لنظام الحكم ان يوجه اجهزة الدولة بأشكال مختلفة وفقا لطبيعة وشكل هذا النظام مثل تنظيم نشاطات عنيفة تستهدف الجهات التي تهدد بإسقاط الحكم ومنع احتجاجات بواسطة سن تشريعات او نظام الخوف والتخويف ونظام حكم نتنياهو قام حتى الان بالكثير من الخطوات والإجراءات الهامة والمؤثرة في هذا الاتجاه من خلال سن تشريعات مختلفة تم المصادقة على بعضها، فيما لازال البعض الاخر يسير ضمن اجراءات "التشريع" وخطر الانهيار الذي تهدد حكمه قد يشكل رافعة لزيادة ورفع وتيرة هذا الاتجاه وانتاج دوائر وانظمة خوف وتخويف جديدة تستخدم في تهديد وتخويف الجهات التي ينظر اليها كمن يقف وراء عملية اسقاط "الزعيم" مثل قوى اليسار، وسائل الاعلام، العرب، الجهاز القضائي" فيما يستغل الشارع المؤيد له كعادته دمه في تبرير وايجاد حالة من المصداقية لحملة الترهيب والتخويف تلك في اوساط الجمهور.
ان اجواء الخطر والحاجة لاتخاذ وسائل وإجراءات غير اعتيادية تنتج علاقة تفاعل حميمي النظام والشارع المؤيد له.
ويمكن لعنف الدولة ان يظهر ويتجلى في عدة اشكال من استخدام العنف الجسدي المباشر لمن يهددون وجود نظام الحكم وعبر الالاعيب السياسية التي ستحلق ضررا جسيما بأجهزة تطبيق القانون بما يمنعها من القيام بواجباتها وحين يضاف الى كل هذا حالة الاحباط المتراكمة بين صفوف مؤيدي النظام المترافقة والمعززة بالدعاية المعادية "للطابور الخامس" ينتشر العنف في الشوارع وسيزداد هذا العنف قوة وانتشارا مع ازدياد تحريض النظام على مواجهة "العدو" الامر الذي سيزيد من مستويات العنف الذي يمارسه مؤيدو النظام ورفع عدد المشاركين في هذا العنف الذي يجتاح الشوارع.
هذه العملية يمكنها ان تشحذ التوتر المجتمعي الداخلي وصولا الى اضطرار الجهات التي يتم استبعادها وإقصائها وحشرها في الزاوية الى ابداء ردة فعل قوية وحادة وهذا بالضبط ما ينتظره "الزعيم" ومؤيدوه ففي لحظة ابداء المعارضة ردة فعل عنيفة ضد من يستخدمون العنف ضدها ترتفع وحشية عنف النظام درجة وتحين لحظة توجيه الضربة النهائية لقوى المعارضة بما يشل قدرتها على اداء دورها كمعارضة ونتنياهو ومؤيديه سيفعلون كل ما في وسعهم كي يصلوا الى هذه اللحظة وهذا الوضع بما يسمح لهم تحطيم قدرات الجهاز القضائي نهائيا وشل هذا اجهاز بما يمنعه من محاكمة "الزعيم".
تسعى الدول التي تعيش انظمتها الديمقراطية ازمة بسبب تنامي قدرات القوى غير الديمقراطية تعمل الانظمة على توتير وتصعيد العنف بهدف خلق اجواء طوارئ يتم تبريرها في العادة بمحاولة "عدو داخلي" زعزعة شريعة النظام ونتنياهو وظف خلال السنوات الماضية جهودا كبيرة وعظيمة للوصول الى هذا الوضع فهو يعين مقربيه الموثوق بولائهم في وظائف رئيسية "مفتاحية" في اجهزة تطبيق القانون ويحاول ان يسيطر على اكبر عدد ممكن من وسائل الاعلام سواء كان ذلك بطريقة قانونية او عبر اتفاقيات مريبة ومشكوك في صحتها ويعمل في الاساس على رسم حدود وخطوط واضحة للهوية الوطنية رابطا بينها "الهوية" وبين الموالين له ولنهجه في الشارع اليهودي مستبعدا من يعارضه من اليهود وكامل المجتمع العربي.
هذا نظام حكم صاحب ملامح اطلق عليها - مكس وبار- " النظام الاستبدادي " يعتمد على حكم الفرد المطلق هو " الزعيم الاعلى " وهنا يدور الحديث عن نظام حكم ديكتاتوري ليس بالضرورة ان يكون مبني على معسكرات لاعتقال او الاعدامات داخل السجون السرية بل مبني على سيطرة مراكز القوى المرتبطة دائما بالفساد الاقتصادي العميق وخلق اجهزة حكم مالية بالمطلق للزعيم، انه نظام يستند على دوائر دعم وتأييد عديدة يرتبط وجودها ببقاء ووجود "الزعيم" لذلك تعمل كل ما في وسعها في المجالين الاجتماعي والعام للحفاظ على هذا الوجود.
ويقوم بهذه المهمة في ظل حكم نتنياهو الاستبدادي شخصيات مثل "دافيد بيتون، ميري رغيف، يريف ليفين، تساحي هنغبي" وغيرهم.
هناك العديد من الامثلة على وجود مثل هذه الانظمة مثل نظام الحكم الاستبدادي في نيكاراغوا ايام حكم الديكتاتور "انستيو سيموزا"، ونظام الشاه محمد رضا بهلوي في ايران، ونظام حكم عيدي امين في اوغندا وهناك نماذج لا زالت قائمة حتى الان يبدو ان نتنياهو يشخص بنظره باتجاهها مثل نظام حكم اوردغان في تركيا، فلاديمير بوتين في روسيا، وبنسبة معينة نظام الحكم في هنغاريا الذي يمثله" فيكتور اورفان.
لكن حتى دول اكثر استبدادية من الديمقراطية الاسرائيلية المأزومة تواجه قيودا ومحددات في استغلال اجهزة "القوة" الرسمية ويمكن لهذه الدول وبالتوازي مع قدرتها على ممارسة العنف والقوى استغلال وتشغيل قوى سياسية واجتماعية للقيام بدور الرقابة والمتابعة وإدارة حملة التخويف والتهريب والمساس جسديا بمن يتم تصنيفه كعدو، وإسرائيل لا تواجه نقصا في مثل هذه القوى التي ستوافق دون أي تردد على تولي هذه المهمة وان تأخذ لنفسها صلاحية الدولة وتقوم بقمع "الخونة" على المستوى المحلي وجد تنسيق وتبادل للأدوار بين القوى الحزبية في اسرائيل والقوى من خارج الاحزاب القادرة على ممارسة العنف وتجنيد الهمج والسفاحين الموالين "للزعيم" لتحقيق مصالحهم.
وفي لحظة حدوث مثل ها التلاقي بين رسالة النظام "التي يمكن ان تكون تلميحا وغير مباشرة" وبين مؤيديه العنيفين يتحول العنف في الشارع الى "عنف دولة" يتم ممارسته بأشكال وطرق ووسائل مختلفة وهنا لا حاجة لوجود جهاز شرطة منظم للممارسة هذا العنف لان السفاحون المنظمون يمكنهم ان يحققوا النتيجة ذاتها.
طرح الباحث الارجنتيني في العلوم السياسية "جيرمو اودونال" مطلع ثمانينيات القرن الماضي اقتراحا لفهم وإدراك سبب افول وانهيار الديمقراطية موجها الانظار الى الخطر الكبير الذي يواجه الديمقراطية والمتمثل بعنف هذه الديمقراطية فحين تعجز هذه الديمقراطية عن الرد ومواجهة المسار الذي يقود الى انهيارها تلجا الى ممارسة العنف وخير مثال على ذلك ما حصل مع جمهورية "فيمار" التي قيمت في المانيا بعد الحرب العالمية الاولى 1919 استمرت حتى ثلاثينيات القرن الماضي.
واقترح الباحث الارجنتيني ايضا التمييز بين الموت السريع للديمقراطية والبطيء لان الموت الاول يمكن ان يتحقق بانقلاب عسكري على سبيل المثال فيما يتمثل الموت الثاني بالتقليص المستمر والمتواصل والتدريجي للمساحات التي يمكن للمجتمع المدني ان يظهر قوته من خلالها داخل النظام الديمقراطي والتي تضمن الضمانات التقليدية لمبادئ الليبرالية.
وبسبب هذا الموت البطيء الذي يعتبر العنف اهم تجلياته تواجه الديمقراطية الاسرائيلية اكبر خطر في حياتها بعد ان نجح نتنياهو على مدى سنوات حكمه بتقليص مساحات وجودها وباتت خلال ايامه حكمه الاخيرة ضعيفة ومدمرة.
واختتم "بلاتمان" مقالته بالقول " يملك نتنياهو حاليا القدرة على تجنيد مؤيده لمنع انهياره لذلك يتوجب على معسكر المعارضة بكل تفاصليه من احزاب وسياسيين ووسائل الاعلام وأكاديميين ومنظمات المجتمع الدولي واليهود والعرب متدينين وعلمانيين ان ندرك الخطر الداهم والعظيم الذي توجهه الديمقراطية الاسرائيلية وإذا لم نتجند في كل ساحة وحلبة ممكنة في البرلمان وخصوصا في النضال العام في الشارع لمنع ذلك يمكن لنتنياهو ان يفوز ويحقق مراده ".