الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تحت الحصار وفي مواجهة انتقادات الشيوخ - "الدخان الرخيص" ينتشر في فلسطين ويتحول إلى مهنة من لا مهنة له

نشر بتاريخ: 18/01/2008 ( آخر تحديث: 18/01/2008 الساعة: 22:37 )
رام الله -موقع العربية نت- معا- شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة مؤخرا بروز ظاهرة السجائر العربية المحلية الصنع، التي يقل سعرها كثيرا عن نظيرتها التي تنتجها الشركات المعروفة، وجاء هذا البروز الذي ينتقده بشدة كبار شيوخ الفقه كنتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض على الأراضي المحتلة، وزيادة معدلات الفقر والبطالة.

ورغم أن الحصار الاقتصادي الذي ضاعف معدلات الفقر والبطالة كان من المتوقع أن يخفض عدد المدخنين أو على الأقل يخفض استهلاكهم للسجائر، إلا أن أعداد المدخنين وكميات التدخين في ازدياد، واتجه عموم المدخنين إلى "الدخان العربي"، وهي سجائر تلف بآلة يدوية سعرها أقل بحوالي 75% من السجائر العادية.. وقد أدى ذلك إلى توجه العديد من المزارعين لزراعة أشتال التبغ، إضافة لازدياد المتاجرين و"المصنعين" لهذا النوع من الدخان، فيما تراجعت مبيعات السجائر العادية المصنعة محليا أو المستوردة من الخارج.

لكل حدث سبب

ويؤكد المزارع يوسف العطاطرة -68 عاما- وهو يتفقد أوراق التبغ الجافة التي يميل لونها للذهبي في أرضه ببلدة يعبد -شمال الضفة الغربية- أن الأوضاع الاقتصادية السيئة أدت إلى رواج استخدام السجائر المعبأة يدويا بالتبغ وبالتالي إلى زيادة زراعته.

ويضيف يوسف "أن الحصار الإسرائيلي والوضع الاقتصادي السيء في المجتمع الفلسطيني جعل الأيدي العاملة الفلسطينية تتجه لزراعة الأرض مجددا, وفقر يضطر الفلسطينيين إلى تدخين سجائر معبأة بالتبغ المفروم".

ويؤكد "أن سعر علبة السجائر الأجنبية 20 شيكلا (الدولار = 3.77 شيكلات)، وهناك مدخنون يستهلكون سجائر بما يتراوح بين مئة إلى مئتي دولار شهريا، ونتيجة للبطالة لجأ المدخنون لاستعمال الدخان الطبيعي وغير المصنع لأنه أرخص"، وذلك "زاد الإنتاج والاستهلاك".

غزة.. "بلف وبتف"!

وبعد أحداث منتصف يونيو/حزيران 2007 في قطاع غزة، تعرض القطاع لحصار محكم ولم يعد يسمح بإدخال العديد من السلع ومنها الدخان، إلا ما يهرب وهو طبعا لا يكفي عدد المدخنين الكبير، فازدهرت زراعة التبغ في مناطق الأرياف مثل القرارة وعبسان وخزاعة وبني سهيلا والشوكة وغيرها، وأصبح "الدخان العربي" أو "النفل" بديلا عن المحلي والمستورد، فسعر علبة "المارلبورو" مثلا حوالي 40 شيكلا هناك.

ولكن المدخنين في غزة يكثرون من استخدام "الدفاتر"، وهي أوراق رقيقة بلا فلتر تستخدم للف السجائر باستخدام الأصابع واللسان؛ مما يضطر المدخن أن "يبصق" ما يعلق في فيه من تبغ فأصبحت النكتة الدارجة في القطاع "بلف وبتف"!

وقد قام المزارعون وتجار التبغ بتعبئة علب سجائر مصنوعة مع فلتر وتوزيعها على الأسواق الفلسطينية المحلية. وتباع علبة السجائر التي تحتوي على مئة سيجارة بعشرة شيكلات، ما يعادل دولارين ونصف.

"يعبد" بلدنا و"التتن" مشروبنا

في الضفة الغربية تجارة هذا النوع من الدخان مزدهرة، وباتت مصدر رزق للعديد من المزارعين، والسعر بطبيعة الحال أرخص بكثير من غزة، رغم أن المزارعين يؤكدون أن الحقل إذا تكررت زراعته بأشتال الدخان عدة مرات فإن تربته تتضرر بشكل كبير؛ لأن أشتال التبغ تمتص المواد الحيوية النافعة في التربة.

تباع أشتال التبغ للمزارع بمعدل 6 شتلات/شيكل واحد، ويزرع في شهر إبريل/نيسان، ويكون قطافه في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، ويتراوح إنتاج الدونم الواحد ما بين 150 كغم - 350 كغم حسب نوعية التبغ وطبيعة الأرض، ومن أشهر المناطق المتخصصة بزراعته يعبد؛ لدرجة أن الشعراء الشعبيين (الزجالين) يغنون موالا شهيرا "يعبد بلدنا والتتن مشروبنا"، والتتن هو أحد أسماء الدخان!

وقال رئيس اتحاد مزارعي التبغ في يعبد سمير العطاطرة "إن عدد مزارعي التبغ في يعبد 430 مزارعا، وقد ازداد إنتاجه في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل مضاعف"،

موضحا أنه في السابق كنا ننتج نحو 400 طن من التبغ سنويا، نوزع منها حوالي 100 إلى 150 طنا من القطفات البكر الأولى والثانية إلى شركة سجائر القدس والباقي للاستهلاك المحلي والإسرائيلي".

كمية الإنتاج

ولم يستطع خبراء التبغ تقدير كمية الإنتاج المحلي بدقة في السنوات الثلاث الأخيرة لكن أمجد محمود -27 عاما- الذي يستورد سجائر فارغة للتعبئة, قال "قمنا بدراسة جدوى اقتصادية لكمية إنتاج التبغ لنتأكد من قدرتنا على تغطية محلية لوارداتنا من السجائر الفارغة الجاهزة للتعبئة".

وأضاف أمجد "قدرنا كمية الإنتاج السنوي لبلدة يعبد وقراها من التبغ بمعدل 600 إلى 800 طن سنويا".

وقال "نستخدم نحن في مشروع تعبئة السجائر الفارغة نحو 200 طن سنويا إضافة إلى 150 إلى 200 طن تستخدمه شركة سجائر القدس و400 طن من التبغ المفروم يباع في الأسواق المحلية، ومن ضمنه تبغ النرغيلة (المعسل)، والتمباك والهيشي واللف، وما تبقى يستعمله المزارعون أنفسهم".

وبعد قطاف التبغ وتجفيفه وفرمه يصبح جاهزا للبيع و"اللف"، ويتراوح سعر الكيلوغرام ما بين 20-50 شيكلا، وهناك من المدخنين من يشتري بالكيلو ويقوم بلفه بماكينة يدوية خاصة سعرها 25 شيكلا ويبتاع 100 سيجارة فارغة مزودة بفلتر بنحو 3 شيكلات، ويمكن للكيلو أن يجهز 1000 سيجارة بهذه الطريقة.

ويرى أحد العاملين في مجال تعبئة السجائر عاصم صبحي أن هذا العمل وفر فرص عمل لنحو ألف عائلة فلسطينية, قائلا "أوزع علبا تتسع لمئة سيجارة"، مضيفا "ولقاء تعبئة عشر علب فيها ألف سيجارة يكسب الشخص 30 شيكلا (أي 7 دولارات ونصف)، وتستغرق تعبئة مئة سيجارة ما بين أربعين دقيقة وساعة". وأبرز علب سجائر بألوان مختلفة يقومون بتعبئتها مثل "الخيال" و"داندو" و"كوبرا" و"كاميلز"، مشيرا إلى أن النساء يشاركن أيضا في صنع قلادات ورق التبغ وتعليقه وتجفيفه مقابل أجر".

"ريم" وتجارة مزدهرة!

على الأرصفة وفي محلات البقالة، فضلا عمن يبيع في منزله ويوزع على الدكاكين، ازدهرت تجارة الدخان العربي في ظل البطالة وازدياد الطلب عليها بسبب الفقر، وأيضا غض السلطة الطرف عنها وعدم مطالبة أصحابها بالضرائب أو التراخيص.

وتطور الأمر إلى إنتاج علب خاصة بهذه السجائر الملفوفة بماكينة يدوية، فمؤخرا ظهرت علب كرتونية ورقية -بدون ختم جمركي- زرقاء وحمراء بها 20 سيجارة عربي، واسم "الماركة" هو ريم (Reem)، وعليها تحذير من ضرر التدخين بالصحة، مع صورة غزال كشعار!

الشيوخ يهاجمون

وفيما يعتبر البعض -حتى غير المدخنين- أن الفلسطيني إنسان مبتكر، ويستطيع أن يتأقلم مع الواقع، ويجد وسيلة يوفر بها "الكيف" بسعر مناسب مثل الدخان العربي، وأيضا تدر عليه ربحا، فإن هذه الفكرة كانت محل انتقاد شيوخ وأئمة الكثير من المساجد.

فإذا تأخر هطول المطر أو أمطرت السماء بوقت متأخر غير مناسب للمحاصيل، لا يتردد بعض الشيوخ في خطب الجمعة والدروس المختلفة في المساجد وعبر الإذاعات ومحطات التلفزة المحلية إلى القول بأن هذا عقاب من الله للناس بسبب زراعة التبغ وبيعه وتدخينه، وقد علم الناس أنه محرّم، وزاد الشيوخ من حملات انتقاد هذه الظاهرة بعد تزايد أعداد تلاميذ المدارس الذين يدخنون؛ لأن الدخان العربي سعره في متناول أيدي الكبار والصغار، وبعض الشيوخ ذهبوا إلى حد الدعوة إلى عدم دفع صدقة الفطر أو الزكاة لمن كان مدخنا، وبخصوص أفراد أسرته إذا كانوا معسرين فتدفع لهم شريطة التأكد أنه لن يأخذها ليشتري الدخان أو "السم" كما يصفونه!.