الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رواية "قلب مرقع" والطفولة المعذّبة

نشر بتاريخ: 23/08/2017 ( آخر تحديث: 23/08/2017 الساعة: 19:05 )
رواية "قلب مرقع" والطفولة المعذّبة
القدس - معا - هدى عثمان أبو غوش- رواية"قلب مرقع" باكورة إصدارات الكاتبة المقدسيّة" بيان شراونة" عن دار الجندي للنشر والتّوزيع في القدس، وتقع الرِّواية في 158صفحة من الحجم الكبير.
رواية اجتماعية مؤثرة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل الإجتماعية المؤلمة، وتسلِّط الضوء على موضوع سلب الطفولة الذي يعتبر شريان الرواية .
اختارت الكاتبة إسم سالي لتكون بطلة روايتها، ولعل اختيارها لهذا الإسم ليس بمحض الصدفة، فشخصية سالي معروفة من خلال المسلسل الكرتوني الشّهير، تلك الطفلة التي تعيش في الملجأ وتعاني من الظلم هناك .
أمّا بطلتنا الشّرقية، الطفلة سالي، فإنها تعاني من ظُلم الأهل والمجتمع والأفكار الظالمة، فالأب لا يطيق ابنته سالي ويعاملها بقسوة؛ لأنه لم يكن يرحب بولادتها منذ البداية. أمّا الأُمّ فكانت مغلوبة على أمرها وعجزها في مساعدة ابنتها رغم حبِّها لها، فساهمت في معاناتها حين بعثتها إلى الملجأ وهناك تعرضت للإهانات، أمّا الجدّة فكانت رؤوفة تُحبها وتعطف عليها، بل وتثق بها، ورغم ذلك فإنها عاجزة عن رعايتها وحمايتها بسبب شيخوختها وضعفها. بالإضافة الى مديرة المدرسة التي كان لها الدور الفعَّال في ترسيخ فِكرة الخيال عند سالي لمواجهة الصِعاب .
قرعت الكاتبة أبوابا إجتماعية عديدة ما زالت جريحة في مجتمعنا الشّرقي كموضوع إنجاب البنت، العنف الجسدي والكلامي، التّفكك الأُسري وأثره على الأُسرة، وألقت الضوء على الأب المدمن للكحول في شخصية أبى رفعت ومدى التّأثير السّلبي على العائلة. كشفت عن ستائر الخوف والشّعور بالأمان المفقود داخل مجتمع الطفل خاصة، وأشارت إلى موضوع الاغتصاب ومفهوم العُذرية وعلاقته بالشرف في المجتمع الشّرقي، وقد أبدعت الكاتبة في تصويرها لهذا المفهوم من خلال الطفلة سالي التي أطلقت على هتك العذرية بالمرض "مرض العذرية"، كما وتطرقت إلى موضوع إهمال الأبناء والتفرقة بينهم، وقضية العيش الظالم في الملاجئ، وما يتعرض إليه الأبناء من ضرب وإهانات وعدم مسؤولية من قبل الإدارة، وطرقت أبواب زواج القاصرات المتمثل بأُمّ رفعت، وأثارت قضية الإبن العاق من خلال قصة الجدّة، والرِّسالة المؤثرة جدا التي أرسلتها لسالي .
جاء اُسلوب الكاتبة شيقا شفافا مفعما بالأحاسيس والمشاعر الرقيقة، التي صوّرت مشاعر معاناة الطفلة سالي بلغة قريبة للقلوب، وبسرد قصصي يداعب عواطفنا وخيالنا، حيث أخذتنا الكاتبة لعالم الطفولة، وسحبتنا لنعيش حالات قهرهم، وسارت بنا في مراحل متقدّمة؛ لتقدم لنا البُعد النفسي الذي يتركه الحرمان العاطفي من قبل الأهل على الطفل.
استخدمت الكاتبة الحوار الداخلي مع النفس، وأكثرت من التساؤلات وتكرار جملة" لماذا لا يحبّني أبي "؟ لإثارة حجم المعاناة النفسية التي أثرت على سالي بسبب عدم تقبل الأب لوجودها، لدرجة أنها تمنت لو أنّ أُمّها تقتله، وقد رأينا من خلال أحداث الرواية قمّة غضب سالي حين مرض أبوها، فأشبعته من غضبها انتقاما وثأرا لسلبه طفولتها.
ساهمت الكاتبة في زيادة الوعي عند المتلقي في أهمية التفريغ النفسي والتعبير عن الذات من خلال الكتابة والخيال، فسالي تكتب بدفترها الأخضر عن حالتها وظروفها الإجتماعية والنفسية، وكذلك تعلمت أن تستخدم قوة الخيال لمواجهة الصعاب عن طريق نفخ البالون والتّخيل والإسترخاء.
أعجبتني شخصية سالي حيث أتقنت الكاتبة بناءها، فرغم سلب طفولتها وحرمانها من الحنان إلا أنها كانت صاحبة شخصية قوية، تناقش وتدافع عن نفسها.
أشارت الكاتبة إلى نقطة مهمة أعجتني تكمن في أن بإستطاعة الطفل تلقي المعلومة غير المفهومة لديه من خلال كبسة على الحاسوب، وهو بغير حاجة لشرح من أهله وهنا إشارة إلى عدم الإستخفاف بعقل الطفل.
لم يعجبني شرح الكاتبة للقارئ على لسان سالي في تفسير موضوع ماعلى شكل نقاط، كذكرها على سبيل المثال "أسباب التفكك أولا"
استخدمت الكاتبة إسم "فلورا " متأثرة من المسلسل الكرتوني "فلورا " وحبذا برأيي لو كان الإسم عربيا.
حبّذا لو اختصرت الكاتبة من الخوض بتوسع في ذكر ما ورد في الكتب وفي سردها لكتابة لحكاية الشاطر حسن.
بقي أن أقول رواية جميلة استمتعت بقراءتها بشكل مؤثر، وتذكرت وأنا أقرأها قول الشاعر الراحل توفيق زيّاد عن أهمية الطفولة حين قال "وأُعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك".