عبدالله دعيس: "قلب مرقع" تخوض في المسكوت عنه
نشر بتاريخ: 25/08/2017 ( آخر تحديث: 25/08/2017 الساعة: 10:03 )
القدس - معا - تتناول بيان شراونة في روايتها (قلب مرقّع) الصادرة عام 2017 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس مواضيع اجتماعيّة مهمّة جدّا بجرأة كبيرة وأسلوب متقن رائع ولغة جميلة رزينة، وتستحدث أسلوبا روائيا يجعل النصّ مشوّقا مثيرا. فالقارئ الذي يبدأ بصفحتها الأولى تشدّه الرواية بكلّ قوّة ويعيش مع أحداثها بجميع مشاعره، حتّى يخرج منها وقد تكوّنت لديه صورة عن شريحة اجتماعيّة يراها أمام ناظريه في شوارعنا أو مؤسساتنا، لكنّه لم يتفاعل معها من قبل، وتهتزّ مشاعره بعنف حتّى يتولّد عنده بعد الإحساس الكبير بالألم، توجّه إيجابي وحنوّ كبير على الأطفال المحرومين من حنان أسرهم، وتتغيّر معاملته حتّى لأفراد أسرته.
فالقارئ يرى في وجه كلّ طفل مشرّد وفي عينيه الذابلتين شخصيّة سالي، تلك الطفلة التي حرمت من حنان الأب، وعاينت قسوته منذ لحظة ولادتها؛ لتجد نفسها منبوذة من عائلتها وحتّى من أمّها التي لم تضمّها بحنان طوال حياتها، ثمّ تتعرّض لأقسى صنوف المعاناة والقسوة داخل ملاجئ الأطفال وخارجها، لكنّها لا تفقد معاني الحياة بل تبقى متشبّثة بها، تحدّث دفترها الأخضر وتبوح له بمكنونات نفسها بأسلوب أدبي، ولغة تنمو بالتدريج مع تقدّم الطفلة بالعمر، حتّى تتخطّى جميع الصعاب وتخرج من رحم هذه المعاناة فتاة قويّة قادرة على التأثير في مجتمع يتستّر على كثير من عيوبه.
لا تتردّد الكاتبة بطرح العديد من القضايا الشائكة التي قد يحجم البعض عن الكتابة عنها، فتطرح موضوع فقدان العذريّة وارتباطه بشرف العائلة، خاصة في حالات الاغتصاب عندما تقع الفتاة ضحيّة لنزوات رجل يفتقد معاني الإنسانيّة، وبدل أن تتلقّفها أسرتها بالحبّ والحنان لتزيل عنها آثار العدوان النفسيّة المدمّرة، تصبح وكأنّها هي المذنبة التي جلبت العار للعائلة، وتستمرّ معاناتها مدى الحياة، ولربما تدفع حياتها ثمنا لجريمة هي ضحيّتها.
والرواية تنقل مشاعر الأنثى التي تساء معاملتها، لا لشيء إلا لأنها أنثى، وتتعرّض للظلم والعدوان وتسحقها أقدام المجتمع دون رحمة، لتصبح ضحيّة مرّة بعد مرّة. لكنّها تعرض نموذجا قويّا لهذه الأنثى، التي تتخطّى جميع الصعاب، وتضمّد جراحها، لتخرج من معاناتها وتبني عالما جديدا، تمحو فيه المعاناة من قلوب الأطفال الذين يفتقدون حنان العائلة، وتقدّم لهم خلاصة تجربتها في قصصها التي تفيض عليهم بالمتعة والفائدة، وتهيّئهم لحياة أفضل من حياتها، ولتنجح رغم الصعاب وتصبحّ شخصيّة فعّالة في المجتمع، وتبني حياتها من جديد على أنقاض الماضي، وتتغلّب على التشاؤم والسلبيّة، وتنجح في بناء حياة جديدة بعيدا عن الاستسلام للظلم والاستبداد.
رواية (قلب مرقّع) لها طابع خاص يخرج عن المألوف في أدبنا المحليّ، ويخرج من دائرة المعاناة التي يفرضها الاحتلال إلى دائرة أخرى من المعاناة، التي يسبّبها الظلم الاجتماعيّ بمعزل عن مثالب الاحتلال، فهي رواية انسانيّة لا تتعلق بمكان محدّد، لذلك فإنّ الكاتبة تختلق حيّزا مكانيّا خاصّا بروايتها، وتخلق شخصيّات واقعيّة تعيش بيننا، لكنّنا في كثير من الأحيان نتعمد إغفالها ولا ننتبه لمعاناتها.
هذه الرواية هي انطلاقة قويّة للكاتبة الشابّة بيان شراونة، وإن كانت لغة الرواية تحتاج إلى مزيد من العناية، فهي لم تخلُ من الأخطاء اللغويّة والمطبعيّة والاستعمال الخاطئ لبعض الكلمات، وكذلك الخلل في إدارة الحوار بين الشّخصيات. لكنّها تبقى رواية مشوّقة، تطرح مواضيع مهمّة بأسلوب جّذاب وسرد آسر.