صدرت هذا الشهر رواية الشاعر بهاء رحال: " الخريف المُرّ" عن "مكتبة كلّ شيء" في حيفا. هي روايته الأولى، وتقع في 300 صفحة.
يُعتبر عنوانها منسجما تماما مع مضمونها فهي ليست رواية فَرد إنّما رواية شعب بالكامل يعاني من خريف المرحلة. كذلك، جاء تنسيق الغلاف الخارجي بلونه البرتقالي الفاتح الذي جعل فكرة أرض البرتقال تتداعى لذهن القارئ، وجاءت لوحة الغلاف الأمامي التي تحمل صورة أوراق أشجار صفراء، معبّرا عن مضمون الرواية.
بدا المؤلف، ابن بيت لحم، كأنّه كاميرا تتنقل من مدينة فلسطينيّة لأخرى كي يكون شاهدا على مآسي أهله قبل الإنتفاضة الثانية، سنة 2000، وبعدها فنقل لنا مشاعر الفلسطينيين ومعاناتهم.
خصصّ مساحة ثلث الرواية لكشف سمات المجتمع الفلسطيني قبل هذي الإنتفاضة المتعارف عليها بإسم "انتفاضة الأقصى" حين قرر شارون أن يستفزّ مشاعر الفلسطينيين بدخوله باحات المسجد الأقصى مدججا بالجنود لحمايته، ومن هناك صرّح أنّ القدس والأقصى مناطق اسرائيليّة، ممّا أججّ نار الإنتفاضة.
ارتكزت الرواية على مِحوَرَيْن هما وصف المجتمع الفلسطيني قبل الإنتفاضة ، أمّا المحور الثاني فهو الإنتفاضة ذاتها وما تلاها من تأثير الحصار المادي وحظر التجوّل الذي كان يستمر أياما بل أسابيع في بداية الحصار الفعلي على الفلسطينيين. ثمّ، بدأت تخفّ وتيرته فيتم رفع حظر التّجوّل لمدة ثلاث ساعات كلّ بضعة أيام ومن ثمّ ثلاث ساعات يوميّا،
ممّا جعل الفلسطينيين يبدون كأنّهم يركضون في الشوارع لشراء حاجياتهم وقضاء التزاماتهم، وذَكر على عجل حدث محاصرة المقاطعة حيث أقام الزعيم ياسر عرفات.
في المحور الأول، التقط المؤلّف بمنتهى البراعة قصصا متنوّعة لفتيات تمّ قتلهن "دفاعا عن الشرف" من وجهة نظر الجناة، فظهر وجه "بهاء" الإنساني الراقي في تعاطفه مع الأنثى ككائن يملك حقّ الحياة بفرح وتقرير المصير.
فهنالك الفتاة التي وجدوها ملقاة في بئر، وهنالك الحَدَث الرئيسي وهو مقتل الطالبة الجامعيّة التي عُرفَت في الجامعة بإسم ماتيلدا فأخفت اسمها الحقيقي(سامية) عن الجميع ما عدا صديقتها ريم التي تعاطفت مع حالة فقرها فكانت لها السند المادي وشاركتها ذات الغرفة السكنيّة في الجامعة فنشأ انسجام بين شخصيتيهما جعل طلاب الجامعة يفسرونه على أنه علاقة حميمة بينهما، هي علاقة المثليّة. هكذا انتشرتْ الشائعات عن علاقتهما.
ظنّ الجميع أنّ ماتيلدا انتحرت بواسطة إلقاء نفسها من طابق علوي في بيت أهلها بعدما استدعاها والدها للعودة للبلد فورا.
يقف المؤلف موقف إنساني نبيل في دفاعه عن كرامة الأنثى
فيصف أنّ المجتمع أدمن على تعاطي الأقاويل والشائعات واعتاد أن يتغاضى عن البحث عن الحقائق خلف قتل الفتيات
بحجّة الدفاع عن شرف الأسرة. الجهات القانونيّة تغلق الملفات ولا تحقّق في الموضوع. الجهات النسويّة تكتفي بالتنديد الذي لا يُحرّك ساكنا ، وهنالك مَن يجني الأرباح من التنديد ، كما جاء في الرواية. هذا التغاضي المُتعمّد يجعل من تسوّل لهم أنفسهم قتل الفتيات يستمرون في جرائمهم لعدم وجود رادع حقيقي فالناس يواجهون هذه الحالات بالأقاويل والإشاعات التي تنال من الفتيات البريئات دون أن يخطر على بال أحد أن يبحث عن الحقيقة.
لم يضعنا المؤلف وسط الأحداث، إنّما جاءت لغته تقريريّة كأنّه ينقل لنا أخبارا صحفيّة. هذا الأسلوب الصحفي أتاح له فرصة نقل العديد من الأحداث بشكل تقريري عبر فترات زمنيّة طويلة. لذلك جاءت الرواية تعجّ بالشخصيات الرئيسيّة والثانوية وهدف المؤلف على ما يبدو، كان كشف واقع المرحلة عبر شرائح عديدة من المجتمع، لكنه أثقل على القارئ بكثرة الشخصيات والأحداث كقصة: وهيب(صديق بطل الرواية عميد) ، وقصة( ايليانا الصحفيّة النشيطة الشهيّة) وقصة( سماح أخت عميد وخطيبها كفاح وأخوه المعتقل)وقصة ريم( الطالبة الجامعيّة الشهيّة)وقصة لميس( حبيبة عميد وقصةعائلتها الأرستقراطية)وقصة (أبو وليم، جار عميد وابنته ريما).
من اللافت لقارئ رواية: "الخريف المُرّ" كون الراوي أحد أبطال القصة بل، في رأيي، هو البطل الرئيسي لا عميد، ابن العشرين من عمره الذي عمل كرئيس للصفحة الأدبيّة في مجلة مرموقة مموّلة من وزارة الثقافة الفلسطينيّة.
كان الراوي ينقل لنا الأحداث وكثيرا ما يُبدي رأيه في سمات الشخصيات والأحداث وأحيانا يطرح تساؤلات أو يكشف حقائق لا يمكن أن يتوصّل إليها القارئ لولا الراوي. على ما يبدو أنّه خدعنا في أكثر من موضع، فقد وصف "عميد" على أنّه ذئب ، في علاقته بلميس، ووصفه بالعناد والعبثيّة، في حين أنّنا لم نلحظ كقرّاء أيّ خلل في شخصية عميد وتصرفاته فقد بدا متزنا رزينا.
أثقل المؤلف على الرواية بأنه فاجأنا في النهاية أنّ عميد كان يكتب مذكرات. لم نلحظ من قبل أنّه قام بتدوين مذّكراته. بعد وفاته وجدت أخته سماح كراسة مذكراته فقرأتها علينا ، لكن لم يكن هنالك حاجة للمذكرات لكونها لم تُضف أي شيء ذا قيمة للرواية، إنّما طرحت تسؤلات تخصّ علاقة عميد بالصحفيّة ايليانا، فقد بدا أنّه يشتهيها في حين لم يصف علاقته بحبيبته لميس إطلاقا.
هكذا نرى أنّ بهاء نجح في أن يكون مرآة لمآسي شعبه في فترة الإنتفاضة الثانية لكنه أرهق قارءه بكثرة الأحداث والشخصيات، وليته لم يتنازل عن لغته الشعريّة إذ لجأ للغة السرد التقريري ، وهو الشاعر الذي الذي يتقن أدواته الشعريّة فكان بإمكانه أن يُوّظف لغته الشعريّة لينفث روح الجمال في الرواية.