غزة- أطفال باعة متجولون وآخرون ينهكهم الإعياء والصيام ويصرون على تحصيل لقمة العيش
نشر بتاريخ: 09/10/2005 ( آخر تحديث: 09/10/2005 الساعة: 15:48 )
غزة- معا- تتنقل سمر الطفلة ابنة (11 عاما) بين الرجال والنساء في اسوق مكتظة وتخترق بجسدها النحيل جموع المواطنين عارضة القليل من نبات النعناع والمرامية على المتسوقين في شارع الزاوية الشهير بمدينة غزة، عل من يشتهي منهم هذين النوعين يلتفت إلى مظاهر الإعياء على وجهها ويبادر إلى شراء ضمة صغيرة يخفف بها عن كاهل الصغيرة.
ومثل سمر التي رفضت الحديث لوكالة "معا" مسرعة خلف أحد زبائن السوق، الكثير من الأطفال الذين يقبلون على مهن بعضها بسيط وبعضها الآخر صعب على الرجال الكبار، وينتشر هؤلاء الأطفال في مدينة غزة وفي مخيمات القطاع الثمانية في إقبال كبير على بيع البضائع الصغيرة كالنباتات، والخضار كالفجل والبصل وبعض المحارم الورقية وآخرون يبتاعون ويبيعون بعض الأحذية على بسطات صغيرة ينشئونها أمام أبواب المساجد.
وفي الجهة المقابلة أطفال عرفت أياديهم معنى التشحم والألوان السوداء وتمرغ الملابس أسفل السيارات كعاملين لدى ورش ميكانيكا سيارات، ويعملون ثمان ساعات متواصلة وسط جوع يعانون منه في شهر رمضان وخاصة في ساعات النهار الطويلة، فيما لا يخرجون في اليوم الواحد ببضع شواقل لا تسمن ولا تغن من جوع.
الطفل مخلص الشوا الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً يقول وأمامه أنواع من الخضار:" أنا بشتغل وعمري 9 سنين عشان والدي متوفى وما في حد بصرف على البيت غيري أنا وأخوي، هو بجيب مصروف البيت وانا بجيب مصروف الحليب والخضرة والأكل والشرب" متابعاً:" وكمان الشغل مش عيب ولا حرام مش احسن ما الواحد يمد إيدو ويسرق من هون وهون".
أما مخلص (14 عاما) وهو بائع أمام بسطة خضار فيقول:" أنا ببيع الخضرة في رمضان وقبل رمضان كمان, بس اليوم برمضان في دخل أحسن من الأيام العادية اليوم بعمل 50 شيقل وقبل رمضان بعمل من 10 الى 20 شيقل والله برزق".
ويقول الطفل محمد الغف ( 13 عاما) الذي يبيع الملابس القديمة والجديدة: "أنا مش متعلم بس بفهم أحسن من دكتور عشان اكسي حالي واكسي اخوتي في البيت, والحج بيشتغل بس القبضة قليلة 700 شيقل كل شهر، بس الملابس اليوم مربحة واليوم رمضان وأول الشهر الناس معها فلوس، وبكرا آخر الشهر بتفلس الناس مع انو الموظفين رواتبهم زادت بس كل شيء غالي وبطل الناس مثل زمان الواحد بخاف على الشيقل".
ويضيف:" في البيت 14 نفرا كلهم بدهم فلوس عشان نعيش بدل ما الواحد يموت من الجوع اليوم الواحد بطل يفكر بعلم او وظيفة عشان اليوم لازم يكون أبوك المدير او قريبك العقيد والوزير غير هيك ما حد بتوظف في البلد".
اللغة التي يتحدث بها الأطفال تفوق أعمارهم وتؤكد ان مدينة غزة تعيش حالة من الفقر فاقمها الحصار الاقتصادي الإسرائيلي لأكثر من 38 عاماً هي سنين الاحتلال وخمسة أعوام من الانتفاضة الفلسطينية تخللها تدمير إسرائيلي لكافة مناحي الحياة الاقتصادية وخاصة القطاعين الزراعي والتجاري، من خلال التجريف للأراضي الزراعية في الاجتياحات العسكرية المتكررة أو من خلال القصف المستمر للمصانع والورش، حيث فقدت آلاف الأيدي العاملة مصدر رزقها.
ويقول الخبير الاقتصادي عمر شعبان: إن نسبة الفقر النسبي في فلسطين وصلت إلى 65% بما يعني أن هذه النسبة من الفلسطينيين يعيشون على دولارين فقط في اليوم، فيما وصل 20% من الفلسطينيين إلى حالة من الفقر المدقع حيث يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، مضيفا أن مناطق السلطة الفلسطينية بهذه الحالة تصنف من إحدى دول المجاعة.
ويوضح شعبان لـ "معا" أن الأسر الفلسطينية اعتمدت على اتباع أسلوبين للتغلب على الفقر إحداها وهو الأخف ضررا تقليل الكميات ذات الأسعار العالية أو ما يعرف بـ إعادة تشكيل سلة المشتريات، حيث تقلل النسبة المخصصة للمواد الكمالية لمصلحة العناصر الأساسية مثل التقليل في الخضار والفواكه واللحوم وتزويد نسبة البقوليات.
أما الأسلوب الثاني فقال: إن هذه الأسر بدأت بتقليل الكمية نفسها من العناصر البسيطة والأساسية مع شدة الفقر، مضيفا أن هناك عائلات تفطر على الخبز والشاي فقط.
وأكد الخبير الاقتصادي أن خُمس أطفال فلسطين الأقل من خمسة أعوام يعانون من نقص حاد في التغذية، مشيراً إلى أن هذه النسبة خطيرة للغاية ومن أعلى النسب في العالم وذلك حسب إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني لبداية عام 2005.
وأشار إلى وجود نقص كبير في حليب الأطفال والألبان وخاصة بعد ان أقدمت إسرائيل على إغلاق قطاع غزة بشكل كامل في العاشر من سبتمبر /أيلول الماضي لتأمين انسحابها من القطاع ومواصلتها هذا الإغلاق بعد شهر وعدم سماحها بدخول المواد التموينية وخاصة حليب الأطفال.
وقال أن متوسط أجور موظفي السلطة أقل مما تحتاجه أسرة مكونة من 6 أفراد أربعة منهم بالغين وطفلين، موضحاً أن هذا المتوسط لا يتجاوز 1230 شيكلا فيما تحتاج مثل هذه الأسرة إلى 1530 شيكلا وليس أقل من ذلك، مؤكداً على ان حوالي 70% من الموظفين هم من صغار الموظفين لا تكفيهم رواتبهم التي يتقاضونها من السلطة، فيما لا تقدم خدمة برنامج البطالة المؤقتة الدعم المطلوب لبعض الأسر والتي لا يسمح لأحد من أبنائها إذا كان موظفاًَ من الحصول على مثل هذه الفرصة.
وأشار شعبان إلى أن ظاهرة عمالة الأطفال ظاهرة جديدة على المجتمع الفلسطيني ظهرت فقط قبل عشر سنوات وبإمكان السلطة معالجتها منذ البداية حتى لا تتفشى وتنتشر بين الأطفال, ورأى شعبان ان عمالة الاطفال مرض اجتماعي يدلل على عجز السلطة والأسرة وينشر الجريمة ويعبر عن حالة من التفكك الاجتماعي، منوهاً إلى إمكانية قيام السلطة ببعض الخطوات الجذرية لهذه الظاهرة ولحالة الفقر أيضاً من خلال خلق برامج للتدريب المهني والتأهيلي ومساعدة الأسر وخلق مشاريع من شأنها استيعاب الأيدي العاملة، وقيام السلطة بدعم أسعار الوقود والكهرباء والتعليم والاتصالات وزيادة خدماتها الصحية للتقليل من ظاهرة الفقر والحد من التسرب الدراسي عند الأطفال الذين يسعون لتحصيل لقمة العيش.