برنامج غزة للصحة النفسية يعقد مؤتمر بعنوان" تداعيات الحصار على المواطنين في قطاع غزة وتأثيراته على الصحة النفسية
نشر بتاريخ: 01/02/2008 ( آخر تحديث: 01/02/2008 الساعة: 01:03 )
غزة-معا- نظم برنامج غزة للصحة النفسية مؤتمرا بعنوان " تداعيات الحصار على المواطنين في قطاع غزة وتأثيراته على الصحة النفسية" حيث جرت فعاليات المؤتمر في قاعة فندق القدس الدولي بغزة، وتناول المؤتمر العديد من المحاور حول تأثيرات الحصار على حياة المواطنين بما في ذلك آثار الحصار على قطاعات الصحة والتعليم والبيئة والوضع الاقتصادي. وقد شارك في المؤتمر العديد من الشخصيات الاعتبارية والأكاديميين وممثلين عن المنظمات الدولية والأهلية والحكومية العاملة في قطاع غزة.
وقد افتتح السيد حسام النونو - مدير العلاقات العامة في برنامج غزة للصحة النفسية - الجلسة الأولى في المؤتمر مؤكداً أن الهدف من هذا المؤتمر هو تسليط الضوء على الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة وتداعياته على حياة المواطنين والأضرار الناجمة عن الحصار على القطاعات الخدماتية، وكذلك لمناقشة التغيرات النفسية والظواهر الاجتماعية التي برزت في الآونة الأخيرة على صعيد سلوك الفرد والعلاقات الاجتماعية والانسانية والمجتمع بشكل عام.
من جانبه تحدث د. جمعة السقا - مدير العلاقات العامة بمستشفى الشفاء - عن أثر الحصار على قطاع الصحة الفلسطيني. وتطرق د. السقا إلى نظرة عامة على القطاع الصحي من حيث تأثره بانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر على المواطنين والأزمة الصحية التي سببها ذلك، وعرض بعض الإحصائيات حول الحصار وتأثيره على المرضى وخاصة مرضى الفشل الكلوي والسرطان والمرضى المحولين للعلاج في الخارج ، وأضاف د. السقا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت أسلحة محرمة دولياً أدت إلى ظهور الكثير من التشوهات والحروق الخطيرة. وحذر د. السقا من نفاذ مخزون الدواء بشكل حاد حيث نفذ العديد من الأدوية الضرورية لمرضى الأمراض المزمنة. وأضاف أن 470 صنف دوائي على وشك النفاذ في الأيام القليلة المقبلة. وأضاف د. السقا أن مستشفيات قطاع غزة تعاني من نقص حاد في الأجهزة الطبية وصعوبة صيانتها، وأشار إلى أن النقص الشديد في مواد البناء أدى إلى عدم مقدرة قطاع الصحة بناء أو صيانة المنشئات الصحية، كما أثر الحصار على نقص كمية الوقود والكهرباء الأمر الذي يهدد حياة الكثير من المرضى في غرف العمليات وحتى على الموتى في الثلاجات وكذلك أثر الحصار بشكل كبير على مراكز تقديم الرعاية الأولية.
ومن جانب آخر تحدث د. يوسف أبو صفية - رئيس سلطة جودة البيئة - في ورقة عمل قدمها في المؤتمر عن أثر الحصار على البيئة في قطاع غزة، مبيناً أن الحصار أدى إلى تلوث الهواء بسبب تراكم النفايات في الشوارع وحرقها في أماكن غير آمنة. إضافة إلى عدم تمكن جمع النفايات بسبب نقص الوقود. وحذر د. أبو صفية من إمكانية انفجار خزانات الصرف الصحي مما يهدد بكارثة إنسانية خطيرة. وأضاف د. أبو صفية أن مياه البحر تلوثت بشكل حاد حيث تذهب 50% من مياه الصرف الصحي إلى مياه البحر. وأشار د. أبو صفية أن منظمة الصحية العالمية أعلنت أن مياه قطاع غزة لا تصلح للاستخدام الآدمي وأضاف أن الأراضي الزراعية تأثرت بشكل كبير حيث تعرضت لقصف منظم يهدف إلى أتلاف التربة مما أدى إلى نقص حاد في كمية الخضروات والفواكه المزروعة في قطاع غزة.
وفي ورقة عمل قدمها أ. محسن أبو رمضان - مدير المركز العربي للتطوير الزراعي - حول الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحصار في قطاع غزة. أشار السيد أبو رمضان إلى أن بنية الاقتصاد الفلسطيني مكشوفة وهشة ومفككة لأن الاحتلال الإسرائيلي حولها إلى تابعة وعاجزة، وازداد هذا العجز عمقاً بعد إعلان إسرائيل لقطاع غزة كيان معادٍ. وأشار السيد أبو رمضان إلى انخفاض معدل الدخل القومي بسبب تعطل عمليات التصدير والاستيراد والصناعة حيث منعت إسرائيل وصول السلع والمواد الصناعية إلى القطاع ولم تسمح إلا بدخول 20 سلعة من أصل 5000 سلعة بما في ذلك الأدوية والسلع الغذائية. وحذر السيد أبو رمضان من الارتفاع الخطير في معدلات الفقر التي وصلت 80% وبلغ الفقر الشديد إلى 36% ومعدل البطالة 85%. وقد أعلنت الأونروا أن ما نسبته 80% من السكان في قطاع غزة يعتمدون اعتماد كلي على المعونات الإنسانية. وأضاف السيد أبو رمضان أن إسرائيل تسعى إلى جعل القضية الفلسطينية قضية إغاثة في محاولة منها لإفراغها من مضمونها السياسي. وأكد السيد أبو رمضان على ضرورة إنهاء حالة الانقسام الداخلي لإنهاء التدهور الاقتصادي وفك الحصار والانشطار في الصف الفلسطيني.
وقدم د. على خليفة - ممثلاً عن وزارة التربية والتعليم العالي - ورقة عمل تناول خلالها تأثير الحصار على قطاع التربية والتعليم مؤكداً أن الحصار انعكس بشكل سلبي على مسيرة التعليم متمثلاً بتعطل الدراسة في العديد من مدارس القطاع بسبب عمليات الاجتياح المتكرر في الأراضي الفلسطينية. وأشار د. خليفة إلى ارتفاع معدلات التسرب من المدارس بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وكذلك انقطاع التيار الكهربائي أدى إلى خلق تحديات جديدة أمام الطلبة مثل البرد الشديد وعدم وضوح الرؤيا مما اثر على التحصيل الدراسي للطلبة، وكذلك نقص مواد الإنشاء أدى إلى تعطل مشاريع التطوير في الأبنية المدرسية وكذلك أدى إلى الكثافة الطلابية في الصفوف الدراسية، إضافة إلى عدم توفر الكتب الدراسية، علاوة على الصعوبات التي يعانيها الطلبة في الالتحاق بجامعاتهم في الخارج وتوقف المنح الدراسية وتعطيل مواعيد الامتحانات والتسجيل وتعطيل المختبرات والأجهزة والكتب الجامعية.
وفي نهاية الجلسة الأولي تطرق المشاركين إلى كيفية التدخل من أجل التخفيف من آثار الحصار على القطاعات المختلفة وضرورة توحيد الصف الفلسطيني من أجل محاصرة الحصار. كذلك التطرق إلى مشكلة الأسرى في السجون الإسرائيلية وضرورة تسليط الضوء على معاناتهم نتيجة عدم تمكن الأسرى من الالتقاء بذويهم بسبب الحصار. ونوه المشاركون إلى أننا في المجتمع الفلسطيني نشارك في الحصار من حيث الانقسام في الصف الفلسطيني وكذلك الأحداث الداخلية زادت من الأعباء وزادت من مشكلة الحصار والذي يعزز ما يسعى إليه الاحتلال من ترسيخ الخلافات وتشديد الحصار.
وافتتح د. إياد السراج - رئيس برنامج غزة للصحة النفسية وعضو الحملة الفلسطينية الدولية لكسر الحصار على غزة - الجلسة الثانية ملقياً الضوء على نتائج الحصار على الصحة النفسية والمجتمع في قطاع غزة. وأكد د. السراج أن الحصار يجب أن ينكسر من أجل النهوض بشعبنا نحو الاستقلال والتقدم وتقرير المصير.
وتحدث الدكتور تيسير دياب - طبيب نفسي إكلينيكي ببرنامج غزة للصحة النفسية - عن الآثار النفسية للحصار من خلال تجربة برنامج غزة للصحة النفسية حيث أوضح أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني يعاني من أعراض المرض النفسي ولكن نوه أن هذا لا يعني أن الفلسطينيون مرضى نفسيون. وتطرق دياب إلى أن المترددين على المراكز المجتمعية من البالغين يعانون من مشاكل نفسية متعددة منها الخوف وعدم الشعور بالأمان والعدوانية والغضب والاستثارة السريعة والاضطرابات النفسجسمية والإحباطات العامة وانخفاض الروح المعنوية وازدياد نوبات الهلع وضعف في التركيز والانتباه والشعور بالاغتراب وعدم الانتماء وفقدان الثقة بالآخرين والتبلد الوجداني وشكاوي جسمية متعددة وزيادة في اضطرابات ما بعد الصدمة والوسواس القهري كذلك زيادة في الانتكاسات المرضية.
وأضاف د. دياب أن الحصار اثر على فئات مختلفة من المواطنين وخاصة الأطفال حيث زادت حالات الخوف والهلع عند الأطفال وكذلك فقدان الإحساس بالخطر والميل للحزن وعدم الشعور بالأمان وزيادة في حالات التبول اللاإرادي والتأتأة.
وفي نهاية كلمته أوضح الدكتور دياب أن الحصار أثر على المهنيين العاملين في مجال الصحة النفسية من حيث زيادة الضغوطات النفسية التي يتعرضوا لها وحالات الإحباط والتجنب والعصبية والنرفزة والاحتراق الوظيفي.
وفي كلمته- ذكر الأخصائي النفسي الإكلينيكي الدكتور احمد أبوطواحينه مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية إلى أن الهدف الأساسي من الحصار هو زرع الخوف والرعب بين المواطنين وإننا كفلسطينيين يجب ألا نعيش حالة الإحباط واليأس والجانب القاتم من تأثيرات الحصار على مناحي الحياة الفلسطينية ويجب أن نتذكر أن عجلة الحياة لا زالت مستمرة ويجب على المهنيين استنهاض طاقاتهم من اجل تعزيز قدراتهم على التوافق مع الظروف المعيشية الصعبة. ونوه الدكتور أبو طواحينة بأنه يجب علينا أن لا نغرق في الإرهاب والتخويف حيث أن كثيرا من الأعراض سالفة الذكر هي استجابات طبيعية لواقع مجنون. وأوضح الدكتور أبو طواحينة بأنه لازال لدينا الكثير من القدرات التي يجب العمل على تعزيزها وخاصة قدرات المهنيين الذين يقع على عاتقهم عبء كبير في التصدي للمشاكل النفسية للمواطنين. وتطرق الدكتور أبو طواحينة إلى مفهوم سيكولوجية الضحية حيث تساءل عن ما يمكن أن يقدمه المعالج النفسي لشخص فقير وشخص معاناته متكررة وتزداد أو لشخص يعاني من إحباطات متكررة ومخاوف متزايدة أو حتى توفير الأمن لدى من افتقدوه.
وأوضح الدكتور أبو طواحينة بان المعاناة النفسية تطال الجميع ولكن بدرجات متفاوتة حيث ذكر بان هناك إحباط وقلق وتوتر واكتئاب على مستوى المجتمع برمته.
ومتحدثاً عن التحولات الاجتماعية المترتبة على حصار غزة، أكد د. سمير زقوت - أخصائي نفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية - أن الحصار على الشعب الفلسطيني بدأ منذ عام 1948 حيث يمارس الاحتلال الإسرائيلي الحصار على الفلسطينيين إنكارا للوجود الفلسطيني. كذلك نوه الدكتور زقوت إلى أن الحصار عبارة عن حصارين حصار داخلي من قبل الاحتلال وحصار خارجي من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي حيث لن تسمح إسرائيل والمجتمع الدولي للفلسطينيين في ممارسة خياراتهم الديمقراطية وحورب الفلسطينيون منذ عام 2005 والتي ترتب عنه الاقتتال الداخلي والانقسام الفلسطيني الفلسطيني. وتطرق الدكتور زقوت إلى أن الحصار اثر على البنية المجتمعية والى التلاحم الأسرى في المجتمع الفلسطيني حيث اثر على التواصل بين الفلسطينيين وكذلك على العلاقات الأسرية حيث زادت الكراهية والرغبة في الانتقام لدى الفلسطينيين وكذلك اثر على منظومة القيم الأخلاقية وتقبل الآخرين وأدى إلي زيادة الصراعات والخلافات المجتمعية.
وفي نهاية الجلسة تحدث الدكتور إياد السراج عن أهمية الإحصاءات وإبراز التأثيرات المباشرة للحصار على المواطنين وذكر إلى انه يجب أن نكون دقيقين في الأرقام والإحصائيات وألا نبالغ في الحقائق، وتحدث عن أهمية موضوع سيكولوجية الضحية حيث أننا كفلسطينيين يجب أن لا نتبنى دور الضحية ونغالي في الاعتمادية والمبالغة في التقصير والكذب ولوم الآخرين وتجريح الذات ويجب أن تكون أولوياتنا هي الإصلاح الداخلي واللحمة الفلسطينية وتدعيم الصف الفلسطيني من أجل نيل حقوقنا المشروعة والتي أقرتها المواثيق الدولية.
وفي نهاية المؤتمر خلص المشاركون إلى أهمية إنهاء الحصار عن الشعب الفلسطيني وكذلك تفعيل دور المهنيين في مجال التربية والصحة النفسية من اجل التعامل مع الآثار السلبية للحصار والتخفيف من عبء الحصار على المواطنين وكذلك العمل على برامج التدعيم والصلابة النفسية من اجل حصار الحصار والتوافق مع تأثيراته بشكل سوي. وكذلك تم التطرق إلى أن الشعب الفلسطيني صامد ويعيش بكرامة ويجب أن لا ننحني ولا نحبط ويجب أن نتعامل بايجابية وبشكل فعال من اجل التصدي للمخططات التي تسعى إلى تفكيك وانقسام الشعب الفلسطيني وذلك من اجل النيل من حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة. ونوه المشاركون إلى أننا كمختصين في مجالات مختلفة يجب أن نعمل على التأثير على صناع القرار في المجتمع الفلسطيني من اجل إبراز التأثيرات المدمرة والكارثية للحصار على قطاعات مختلفة للشعب الفلسطيني وكذلك على صحتهم النفسية والصحة النفسية للأجيال الفلسطينية القادمة.