رام الله- معا- افتتح مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية اليوم الاربعاء، اعمال مؤتمر مراجعة الاستراتيجيات الفلسطينية خلال مائة عام بعنوان "أين أخطأنا وأين أصبنا" بمقر المقاطعة في رام الله، بمشاركة نخبة من صناع القرار، والخبراء، وسياسيين، وصناع الراي العام والأكاديميين، وبحضور 300 مشارك.
جاء ذلك بمشاركة نخب فلسطينية وذو تاريخ نضالي وخبرة واختصاص كبيرة من غزة والضفة والقدس وسوريا والاردن واوروبا ومصر وامريكا.
وقال الرئيس محمود عباس في كلمة القاها بالنيابة عنه نائب رئيس الوزراء د. زياد أبو عمرو إن فكرة عقد هذا المؤتمر جديرة بالاهتمام والاحترام، مؤكدا ضرورة انتظامه ليس لأجل جلد الذات بل لاستخلاص العبر وتصويب الأخطاء وتطوير أساليب العمل.
وأكد أبو عمرو على أهمية مراكز البحوث، والجامعات واسهاماتها في اغناء الحوار الوطني البناء والملتزم، ونشر الدراسات والأبحاث التي من شأنها ترشيد صنع القرار على كافة الأصعدة.
واوضح ان النضال الفلسطيني حقق مجموعة من الإنجازات من صمود الشعب الفلسطيني على ارضه، مرورا بإفشال المشروع الاستعماري، والنهوض من النكبة والتشرد، إضافة الى انجاز منظمة التحرير الفلسطينية ككيان للشعب الفلسطيني بكل مكان.
وأضاف أن استطاع الشعب حماية منجزاته الوطنية، رغم كل محاولات الالتفاف عليها، وحقق اعترافا واسعا وشمالا من غالبية دول العالم بحقه بتقرير مصيره، وانهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
وفي السياق ذاته، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح د. محمد اشتية إن هذا المؤتمر يسعى لاستبصار خلاصات بمنهج علمي تحليلي، والخروج من الواقع واستبداله بحالة تنقلنا من ردة الفعل إلى الفعل، مشددا على عدالة القضية الفلسطينية، وضرورة العمل على رفع الظلم الواقع على شعبنا الفلسطيني منذ مئة عام.
واضح اشتية ان المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين بني على نفي الاخر، وتشتيت الشعب الفلسطيني بين جغرافيات عديدة، وعملوا على تهويد الأرض، وتزوير أسماء المدن والقرى، واوحوا للعالم ان إسرائيل دولة قوية، وواحة للديمقراطية حتى نسي العالم الظلم الذي اوقعه الاحتلال على الشعب الفلسطيني.
وبين اشتية ان منظمة التحرير شكلت اطارا جبهويا فرض الواقع والرواية التاريخية للفلسطينيين بعد سنوات من الهيمنة الصهيونية على المشهد الأكاديمي والإعلامي والسياسي.
واستعرض مرتكزات النضال السياسي الفلسطيني المتمثلة برسم صورة واعية للنضال العسكري، وخوض معركة التمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومعركة صد احتواء المقاومة، ومعركة انجاز الاعتراف الدولي بنا كشعب وقضية.
وتناول اشتية مرحلة انتقال القيادة الفلسطينية الى استراتيجية جديدة مستندة الى مسار سياسي تفاوضي عام 1988 حين أطلقت منظمة التحرير مبادرة السلام الفلسطينية وقبلت بقرار 242 و338 وأعلنت استقلال دولة فلسطين، وفتحت قنوات تفاوض مع الولايات المتحدة بوساطة رجالات رأس المال الفلسطيني.
واستعرض مسار مدريد التفاوضي عقب ازمة الخليج عام 1991 واجتماع العرب في مسار سياسي واحد حضرته سوريا، ومصر، والأردن وفلسطين، والجامعة العربية، ونودي بتلازم المسارات التفاوضية، الا ان تأزم مسار مدريد في شقه الفلسطيني فتح مسارا اخر في أوسلو افضى الى سلطة انتقالية كان من المفترض ان تتوج بالاستقلال عام 1999.
وأشار إلى إدراك ياسر عرفات في كامب ديفيد ان موضوع الدولة المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس ليست على اجندة إسرائيل، ومحاولاتهم جعل المؤقت حل دائما، فحاول الرد من خلال الانتفاضة الثانية.
ولفت الى ان الرئيس محمود عباس عمل على التحرر من حالة الاستمرار في الامر الواقع الي تفرضه إسرائيل عبر تدويل الصراع، الامر الذي اعتبرته إسرائيل "إرهاب دبلوماسي" لأنه يكسر المعادلة الإسرائيلية "مفاوضات او مفاوضات"، عبر الخروج من المفاوضات الثنائية نحو المتعدد، بمرجعية القانون الدولي.
وأضاف ان الإسلام السياسي وحركة الاخوان قرروا تشكيل أذرع عسكرية أهمها حركة حماس بناء على فرضية تقول إن منظمة التحرير قد انتهت بعد الخروج من بيروت وانهم البديل، والفرصة قد حانت. ولذلك قاطعت حماس انتخابات عام 1996 لأنها من افرازات أوسلو، وعادت حللتها في عام 2006 وفازت بها، لكن المرحلة الجديدة التي مرت بها حركة حماس جعلتها تقع في شرك العلاقة بين المقاومة وشهية الحكم.
ووصف اشتية الربيع العربي بالحمل الكاذب فكل مجريات الأمور أدخلت العرب في دوامة من الدم، ترتب عليها منحى جديد تجاه فلسطين رفعت فيه إسرائيل سقف مطالبها السياسية وعلى راس ذلك المطالبة بالاعتراف بشرعية الوجود اليهودي.
واكد اشتية ان العلاقة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة تفقد أمريكا أي إمكانية لتكون وسيط نزيه للحل، يضاف الى ذلك قوة ونفوذ اللوبي اليهودي في واشنطن، مشيرا الى ان ملامح الحل التي يتم تسريبها عبر اللقاءات وعبر وسائل الاعلام تعبر عن تحيز مفضوح لإسرائيل وللرواية اليهودية عن فلسطين والقدس، مؤكدا رفض الشعب الفلسطيني وقيادته لها ولكل ما ينتقص حقوقنا الوطنية والسياسية المكتسبة.
وأوضح ان هذا المؤتمر سيكون سنة سنوية لمراجعة استراتيجيات الحركة الوطنية، من الثلاثينيات وحتى اليوم، ليس من اجل تصيد الأخطاء بل من اجل استقاء الدروس والعبر، مشيرا الى ان الرئيس قام بالتوجيه نحو استعادة وثائق مركز الأبحاث المودعة لدى اخوة في الجزائر وفعلا تم استعادتها، وهي بمثابة 20 طنا من الوثائق.
وشكر كل الذين ساهموا في بناء هذا المركز والرقي به منذ تأسيسه عام 1965 وهم: فايز صايغ، وانيس صايغ، ومحمود درويش، وصبري جريس، معلنا استمرار اصدار شؤون فلسطينية والتي صدر منها العدد 271 أمس.
واختتمت الجلسة الافتتاحية بتكريم صبري جريس مدير عام مركز الأبحاث السابق، ورئيس تحرير شؤون فلسطينية د. سميح شبيب.
كما افتتحت اعمال الجلسة الأولى من اعمال المؤتمر بعنوان مراجعة أداء الحركة الوطنية في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي يرأسها د. احمد عزم ويتحدث فيها د. زياد أبو عمرو، ود. علي جرباوي، ود. مصطفى البرغوثي، ود. مانويل حساسيان، و أ. احمد غنيم.
يشار الى ان مؤتمر مراجعة الاستراتيجيات الفلسطينية يهدف إلى خلق حالة من المراجعة الصريحة وإعادة القراءة لمراحل تاريخية من الصراع الصهيوني العربي في فلسطين، لوضع اليد على الأخطاء التي كان لها دور، بشكل أو بآخر، بتعقيد المشهد الفلسطيني وإيصاله إلى وضعه الحالي، وصياغة رؤى مستقبلية لعلاج آثار هذه القرارات وتجنب الوقوع فيها مجددا.
ويستمر المؤتمر على مدار يومين، ويناقش 40 ورقة عمل مقدمة من ذوي التاريخ النضالي، والخبرة والاختصاص، من نخبة أبناء فلسطين في الضفة وغزة، واراضي عام 1948، والأردن ومصر، ولبنان، وسوريا، وأوروبا، والولايات المتحدة.
وتستعرض أوراق العمل ضمن خمسة محاور رئيسية هي: واقع الحركة الوطنية في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، وواقع الاستراتيجية بعد النكبة وحتى 1993، والأداء عقب اتفاق أوسلو والمفاوضات وما بعدها، ومراجعة استراتيجيات انهاء الانقسام، في حين تركز الجلسة الأخيرة على استراتيجية التوجه المستقبلي.