تحدي العنف والجريمة سؤال يبحث عن رَد واستجابة خلّاقة
نشر بتاريخ: 27/04/2018 ( آخر تحديث: 01/05/2018 الساعة: 18:51 )
الكاتب: النائب مسعود غنايم القائمة المشتركة
منذ زمن تحول الإجرام والقتل وحوادث إطلاق النار واستعمال الأسلحة النارية السوداء إلى خطر يهدد وحدة وكيان مجتمعنا العربي. ما يشهده المجتمع العربي ليس عنفا تقليديا ميّز مجتمعاتنا الزراعية التقليدية. ولم تعد الجريمة أو حوادث القتل تابعة لعالم الأسلحة البيضاء، لقد دخلنا عالم الأسلحة غير التقليدية والإجرام الخطير المنظم وعالم الأسلحة النارية السوداء بكل أنواعها.
عدة عوامل وأسباب- منها بعيدة متراكمة عبر الزمن ومنها قريبة وحديثة- أدت إلى دخولنا عالم القتل والإجرام وانفلات السلاح بكل أشكاله وأنواعه. هذه العوامل، والتي منها انهيار الأطر والبنى الاجتماعية التقليدية والتغير السريع العنيف الذي مررنا به في عصر ثورة المعلومات وانفجارها وانفتاح الفضاءات العولمية والمفاهيم القاتلة التي ورثنا قسمًا منها وطوّرنا قسمًا آخر ليصبح أكثر فتكًا مثل مفهوم "الرجولة" الذي لا يعرف التراجع والتنازل بل يعرف سرعة الرد والضغط على الزناد، مستعيرا مقولة شكسبير عبر هاملت: "أكون أو لا أكون"!.
هذه المفاهيم القاتلة والسامة التقت مع التساهل والتهاون السلطوي في عدم منع انتشار السلاح بين الناس، بل وإعطائه حبلا طويلا وعدم المسارعة لجمعه ومصادرته، والتقاعس والفشل الفاضح في حل معظم الجرائم التي حدثت، وعدم إلقاء القبض على مرتكبيها. هذا اللقاء أدى إلى استفحال الإجرام وانتشار عمليات القتل دون خوف أو رادع.
إذا أردنا استخدام قاعدة "فتّش عن المستفيد" في مسألة انتشار حوادث القتل والجريمة واستفحال العنف الأسود في قرانا ومدننا العربية فإن السلطات في الدولة هي أحد المستفيدين. فانشغالنا بلملمة جراحنا الداخلية وحروبنا الأهلية يشغلنا عن نضالاتنا وكفاحنا ضد سياسة الحكومة في كل المجالات، ووقتنا سيكون ضيقا للتعامل مع القضايا الوطنية والقومية. ولذلك، في نفس الوقت الذي نحمّل فيه السلطات والحكومة مسؤولية انتشار العنف والجريمة ومطالبتهم بمكافحة هذه الظاهرة وحماية الناس، يجب علينا اعتماد أساليب أخرى في المواجهة نستطيع تفعيلها، لا للقضاء نهائيا على الظاهرة، وإنما للحد منها على الأقل أو التخفيف من خطورتها، لأنه لا حلول سحرية ولا حلول سريعة تقضي على هذه الظاهرة.
ما جرى في الآونة الأخيرة من جرائم في الطيبة وجت والطيرة وباقة الغربية، حيث قتل خمسة أشخاص خلال أسبوع، يجب أن يدفع الجميع للمسارعة لرص الصفوف من أجل مواجهة جماعية وحدودية ندافع من خلالها عن وجودنا وعن مستقبلنا. في المعركة ضد العنف والجريمة لا حياد. وموقف الحياد أو التفرج يعتبر أسوأ
موقف، فالخطر داهم ويشمل الجميع ولا يستطيع أحد أن يقول: "أنا محصن ولن تصلني نيران العنف والجريمة"، فكلنا في خطر.
المعركة والمواجهة يجب أن تتحول إلى مواجهة شعبية تنخرط فيها جميع الأحزاب والحركات والجمعيات وكل من هو قادر على حمل سلاح الإيمان بالقدرة على الانتصار في معركة الوجود ضد القتل والجريمة، وكل المؤسسات الأهلية الفاعلة وكل المختصين والمهنيين ومن لهم باع في قضايا التربية والتعليم يجب أن يكونوا جزءًا هامًا في هذه المواجهة.
هناك المسار قصير المدى في هذه المعركة وهو مسار الردع والعقاب ومصادرة السلاح، وهو بالأساس عمل السلطات والشرطة، لأنها تملك السلطة والقوة لفعل ذلك خاصة أمام عصابات إجرام منظمة. وفي هذا المسار دورنا الأهلي والشعبي والوطني هو في الإبلاغ عن أية قطعة سلاح، ونبذ مَن يحملون هذا السلاح. وهناك المسار طويل المدى والذي نتحمل من خلاله المسؤولية كمجتمع وشعب عبر البُعد التربوي والتثقيفي والتوعوي الذي يبدأ بالبيت والعائلة وتنخرط فيه الأحزاب والحركات السياسية بحيث يصبح التثقيف لمواجهة العنف والجريمة جزءًا من الأجندة الوطنية الحزبية لكل حزب وحركة، وتشترك المدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية في حملة التربية والتثقيف من أجل نبذ العنف والجريمة والتربية لإعلاء قيمة حياة الإنسان وقداستها، وتنمية قيم الوحدة والعمل المشترك والتضامن الاجتماعي.
حتى نواجه تحدي القتل والجريمة والعنف الدموي يجب المسارعة لصياغة ميثاق وعقد اجتماعي جماعي يشكّل وثيقة شرف مجتمعية نتعاون من خلالها على مواجهة هذا الخطر، وهي بمثابة "حلف فضول" جديد ينتصر للمظلوم ويوقف الظالم والجاني عند حده. ومن هذا الميثاق تتكوّن لجان شعبية ولجان إصلاح في كل بلد، ترتبط بلجنة المتابعة واللجنة القطرية. ومن خلال هذه اللجان وبالتعاون مع السلطات المحلية والبلديات تتشكل لجان حراسة مسؤولة، تعمل على ضبط ومواجهة أي خرق إجرامي أو أي تهديد. هذه الأطر فيها تعويض عن التضامن الاجتماعي التقليدي الذي فقدناه بسبب التغيرات الاجتماعية السريعة.