قراءة أولية في "خمسون تجربة ثقافية وابداعية فلسطينية"
نشر بتاريخ: 16/05/2018 ( آخر تحديث: 26/05/2018 الساعة: 18:18 )
قراءة أولية في كتاب الدكتور حسن عبد الله "خمسون تجربة ثقافية وابداعية فلسطينية"
الكاتب: جهاد أحمد صالح
قراءة أولية، سعيت من خلالها الى إلقاء الضوء على فن السيرة (المحكية) في أدبنا الحديث، حيث قام الكاتب والإعلامي الدكتور حسن عبد الله، وفضائية "معاً" بتأصيل الحديث عن الذات، في الكتاب الصادر حديثاً "خمسون تجربة ثقافية وإبداعية فلسطينية" عن مركز "أبو جهاد" لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس.
حيث نقف أمام تجربة جديدة في الحديث عن الذات خاصة في المجال الثقافي والابداعي، في فترة زمنية لا تتعدى الساعة "التلفزيونية" لكل تجربة من التجارب، ولكل علم من الأعلام تنوعت تجاربهم في ظروف غير مستقرة، وبيئة غير متجانسة، بالنظر لظروف الشعب الفلسطيني المشتت، بين مقيم لا يملك القدرة على صياغة حياته وسيرته بحرية هو يريدها، وبين مشتت في الغربة تنحاز سيرته إلى ظروف متباينة من الولاء والانتماء، فتنوعت تجاربهم الثقافية في معظم فروع الأدب من شعر وقصة ورواية ونقد وبحث وتحقيق وصحافة وغيرها.
يقول الدكتور حسن عبد الله في مقدمته للكتاب "وضعت في متناول القارئ عملاً توثيقياً وتحليلياً يعرض جوانب قيّمة في مشهدنا الثقافي والإبداعي". فنتوقف عند الجانب الذاتي الذي يعرضه الضيف، للتأكيد على أن هذا الجانب "ليس وثيقة تاريخية" يمكن الاعتماد عليها، فهي "مزيج اشترك في تكوينه عاملان متعارضان هما: الحقيقة والخيال" ولراوي سيرة حياته ان يطلق لخياله العنان كما يحلو له، وكلما أمعن في خياله كان ذلك أفضل من ناحية التشويق. فالحديث عن الذات تتطلب من صاحبها الشجاعة التي تجعله قادراً على الحديث عن الأمور الحساسة، مثل المسائل المتعلقة بحياته العاطفية أو السياسية أو الجوانب المؤثرة في حياته الأدبية والإبداعية،" فالصدق الخالص – كما يقول إحسان عباس – أمر يلحق بالمستحيل، والحقيقة الذاتية صدق نسبي مهما يخلص صاحبها في نقلها على حالها".
والابتعاد عن الصدق لا ينتج دائماً عن رغبة المبدع تزوير الحقائق، وذلك لأنه يعتمد في سرده للأحداث على الذاكرة ، والذاكرة معرضة للنسيان والخلط، فهي لا تنسى فقط، ولكنها قد تُخدع أيضاً، فتخلط الأسماء والأزمان والأماكن.
ويلاحظ، بشكل عام، أن الحديث عن الذات، يقوى ويشتد في فترات الانتقال وأوقات الاضطراب والتقلقل، وذلك لأن بعض النفوس الحساسة، والأدباء من بينهم، تشعر في ذلك إلى الملاءمة بين تجربتها وبين الظروف المحيطة لها.
وهنا، بالذات، برز دور معد ومقدّم البرنامج الدكتور حسن عبد الله، في تحليل ما ورد لديه من تجارب، واضعاً "المكان" كبطل للحوارات، فيقول: "لعل القارئ يلحظ أن المكان استحوذ على حيّز واسع من الحوارات، ولم يأت التركيز على المكان عفوياً أو أن تكرار ذلك مرده صدفة عابرة، بقدر ما جاء وفق منهجية، انطلقت من أن المكان هو عامل شديد الأهمية في السياقات الحياتية، في إطار التفاعل مع الوجود الاجتماعي بعناصره ومكوناته، لذلك حاولت في الحوارات، أن استنطق المكان، أو أونسنه، من خلال الضيوف، بمعنى عندما يستدعي الضيف ذكرياته، وكأن المكان عكف على تقليب صفحاته".
ويقول في مكان آخر "خمسون تجربة ثقافية وإبداعية، تعددت فيها الأمكنة الصغيرة، لكنها تداخلت وامتدت في المكان الكلي "فلسطين" بتنوع جغرافيتها ومناخها، لذلك فإن المكان في الحوارات المضمنّة في هذا الكتاب هو "البطل".
ويبدو أن اختيار اسم "عاشق من فلسطين" المستمد من ديوان الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، هو العنوان الكلي للمكان "فلسطين" يتردد في الحلقات الخمسين التي ضمّت الضيوف، على اختلاف إبداعاتهم، وتميّزهم الثقافي، وهم (بحسب الحروف الأبجدية كما ورد في الكتاب):
إبراهيم جوهر (قاص وناقد)، د. أحمد رفيق عوض (روائي وأكاديمي)، د. أحمد قطامش (باحث)، د. أسعد الأسعد (شاعر وروائي)، أسماء أبو عياش (باحثة وإعلامية)، د. المتوكل طه (شاعر وباحث)، أنيسة درويش (شاعرة)، د. إياد البرغوثي (باحث وأكاديمي)، د. إيهاب بسيسو (شاعر/ وزير الثقافة)، جهاد صالح (مؤرخ)، جميل دويك (باحث وتربوي)، حافظ أبو عباية (باحث)، حافظ البرغوثي (إعلامي وروائي)، د. حنان عواد (شاعرة وباحثة)، خالد أبو عرفة ( رسام كاريكاتير)، د. خميس عابدة (باحث وأكاديمي)، ديما السمّان (روائية)، زهيرة الصباغ (شاعرة)، زياد خداش (قاص)، سامي مهنا (شاعر)، د. سعيد عياد (باحث وأكاديمي)، د. سمير شحادة (قاص وناقد)، صالح أبو لبن (قاص وناقد)، د. طلال أبو عفيفة (باحث)، عائشة عودة (كاتبة)، عباس نمر (باحث)، عبد السلام العطاري (شاعر)، د. عبد المجيد سويلم (باحث وأكاديمي)، عدنان الصباح (قاص وباحث)، عمر عساف (باحث وتربوي)، عيسى قراقع (قاص وشاعر)، غازي الذيبة (شاعر)، د. فردوس عبد ربه (باحثة وأكاديمية)، د. فهد أبو الحاج (باحث)، ليانه بدر ( روائية وإعلامية)، ليلى الأطرش (روائية وإعلامية)، محمد الحنيني (شاعر)، محمود شقير (قاص وراوئي)، محمد حلمي الريشة (شاعر)، مراد السوداني (شاعر)، د. معين جبر (شاعر)، د. مليحة المسلماني (شاعرة وأكاديمية)، ناديا حسن مصطفى (باحثة)، د. ناصر اللحام (كاتب وإعلامي)، د. نايف جراد (باحث وأكاديمي)، د. وليد العمري (إعلامي وباحث)، وليد الهودلي (روائي)، يحي يخلف (روائي)، يعقوب حجازي (شاعر وقاص).
ونظرة سريعة إلى مجالات الإبداع الثقافية والتخصصات في التجارب الخمسين السابقة، نجد أنها تناولت مختلف صفوف علم الأدب في فترة زمنية محددة، رغم اختلافها من حيث بروز دور المكان في تأثيره على تجربة المبدع: المخيم، القرية، المدينة، داخل الوطن وفي الشتات، إلا أنها تحمل الهمّ الفلسطيني الكلي، بشكل أو بآخر.
على الرغم من السيرة الذاتية (المحكية) التي لم تكن الهدف الأساسي الذي وضعه معدّ ومقدم البرنامج الدكتور حسن عبد الله، بل هدف إلى تأثير هذا المكان، في صياغة التجربة الكلية في إنتاج المبدع. وهذا يقودنا إلى السؤال: هل هذه التجارب تشكل تجربة الإبداع الثقافي في المشهد الفلسطيني؟.
يجيب الدكتور حسن في أكثر من مكان على ذلك، بالقول "إن هذه التجارب السابقة ليست سوى بعض التجارب التي حكمتها عدّة عوامل، أهمها:
أولاً: ان تجارب لاحقة ستتلوها، بنفس الوتيرة والإيقاع، حتى تكتمل فصول المشهد الفلسطيني الكلي، داخل الوطن والشتات.
ثانياً: إن نجاح ما بين أيدينا من تجارب، سيقود القائمين على برنامج "عاشق من فلسطين" إلى تجاوز العوائق المهنية وتوفير الإمكانيات اللازمة بهدف مواصلة النجاح وتدعيمه واعتباره هدفاً اساسياً للمحطة التلفزيونية، وهدفاً يسعى الضيف في تأكيد ذاته من التجربة.
ثالثاً: إن نشأة الحديث عن السيرة الذاتية الكتابية قديم جداً، إلى درجة أن بعض الباحثين يعدها من أقدم الفنون الأدبية، بينما البعض الآخر يرى أنها من أحدث الأجناس الأدبية. فكيف إذا جاءت السيرة الذاتية للتجربة محكيّة، وبفترة زمنية محددة، لا تزيد عن ساعة تلفزيزنية.
أمام هذه العوامل الثلاثة، نجد أنفسنا أمام تجربة رائدة، وربما الأولى من نوعها، يقودنا فيها معدّ البرنامج الدكتور حسن عبد الله، ومن يقف معه في هذا البرنامج، إلى آفاق مفتوحة النوافذ نحو المستقبل، ربما تقود إلى استجابة الفنان المبدع لبعض الدوافع الخارجية، مثل الرغبة في تعليم الآخرين وتوجيههم، عندما يرى المبدع أن حياته تصلح لأن تكون عبرة للآخرين، وتتمثل أيضاً بالرغبة في الدفاع عن النفس، وذلك حين تتوجه أصابع الاتهام إليه بسبب أفعال ينسب إليه عملها، وغيرها من الدوافع التي يلتقطها الفنان في تجربته.
عشرات الأسئلة تثيرها تجربة الدكتور حسن عبد الله في خمسين تجربة ثقافية وإبداعية فلسطينية في المشهد الفلسطيني. وهذه قراءة أولية لمثل هذا العمل، الفريد من نوعه، الذي يحتاج إلى مزيد من النقد والمحاكاة والتأني حتى نصل إلى حالة فنية من الاستقرار والرضا، والدافع الخلاّق لاستمرار هذه التجربة بكل أبعادها.
وعلى الرغم من كل ذلك، يبدو للقارئ أو السامع أنه قرأ أو استمع إلى شهادة حيّة، أراد ان يسلكها الضيف لتبيان تجربته الإبداعية، وهذا بحد ذاته جزء لا يتجزأ من الدوافع الذاتية والخارجية معاً، التي شهدت هذه التجربة الحيّة.