نشر بتاريخ: 26/07/2018 ( آخر تحديث: 26/07/2018 الساعة: 14:57 )
طوباس- معا- اختطف الموت يوم الاربعاء، هزاع عبد الرحمن الغول (79 عاما) قبل تحقيق حلمه المنتظر بالعودة إلى الكفرين المدمرة قضاء حيفا، فيما ظلت قبلته لجبين ولده الشهيد محمد مُعلّقة منذ عام 2002، فالجثمان محتجز، ومسقط الرأس ممنوع.
وأعادت الحلقة (68) من سلسلة (ذاكرة لا تصدأ) لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة سرد مقاطع من شهادة الغول، التي رصدتها في سبعة لقاءات قبل رحيله، كرر خلالها حنينه لقريته وشوقه لشهيده الذي ارتقى في عملية فدائية صيف 2002.
ورسم الغول طرقات قريته وحقولها، وظل يردد أسماء ينابيع: الحنانة، والصُفصافة، والبلد، وقاسم، والزعترة، وعباس، والراس، وفارس، والفرت.
وقال" كنا نزرع القمح والشعير والذرة البيضاء في السهول، ونغرس الأشجار في الأراضي الجبلية ذات التربة البيضاء. وسكنت بلدتنا عائلات مصرية، وكنا في منتصف المسافة تقريبا بين حيفا وأم الفحم، وكان الأساتذة يأتون للبلدة من نابلس، وبنينا بيوتنا من الطين، وبعضنا سكن في علية (وهي طابق مرتفع)، وخصصنا الغرف السفلية للمواشي".
مذياع ومدرسة
ووفق الراحل، فقد كان مختار القرية أديب النجمي، يمتلك المذياع الوحيد فيها، ويجتمع الكبار عنده، ويستمعون إلى أخبار الدنيا، قبل أن تُدمر الكفرين التي استوطنت قربها مستعمرة (مشمار هعيمق).
وقال الغول، الذي أبصر النور في الكفرين عام 1939، إنه تعلم صفه الأول في مدرسة القرية المُحاطة بالأشجار، فيما درًسه المعلمان: نايف من بلدة يعبد، ونعيم دروزة من نابلس.
وتابع "كنا ندرس اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم، وحفظت أبيات شعر تقول: "أنا المحبوبة السمرا، وأجلى في الفناجين، وعود الهند لي عطر، وذكري شاع في الصين"، وكنا نتشارك ثلاثة وأربعة على مقعد واحد، ولم تكن هناك مدارس للبنات، وذات مرة جاء طلبة يهود من نفس جيلنا للمدرسة، ولم نسمح لهم بالدخول، ولحقناهم بالحجارة، وطردناهم من البلد".
وبحسب الراوي، كانت المدرسة تضم أربعة صفوف، كل واحد منها بطول ستة أمتار وبعرض مماثل. وحفظ الطلبة جداول الضرب من الصف الأول، ونشدوا أيضاً، ما ورد في كتاب (يتمية الدهر) للثعالبي: " للورد عندي محل، لأنه لا يُمل، كل الرياحين جند، وهو الأمير الأجل، إن غاب عزوا وباهوا، حتى إذا عاد ذلوا."
عرس ومجزرة
وسرد من كان يريد إكمال تعليمه يذهب إلى مدارس عكا، وحين يعود بعد الصف السادس، تقام له الاحتفالات والأعراس، ويزف على فر. ولا أذكر أننا تعلمنا اللغة الإنجليزية، ولكن من كان منا يختم الصف السادس، يصبح معلماَ. أما الأمهات فاعتدن البحث عن العرائس لأبنائهن في زيارات للجيران، ثم تتكفل الجاهة بطلب العروس، من دون أن يتمكن الشاب من رؤية خطيبته، طوال فترة ارتباطه بها.
وتابع: كانت المهور قليلة، وتتراوح بين 40-50 جنيهاً، أما المأذون فهو المختار أديب النجمي، الذي وثق عقود الزواج، ولم تكن فترة الخطوبة تطول كثيراً، وأقصاها لا يستمر غير ثلاثة أشهر. وكان الأهالي يُشعلون النار، ويسهرون في "التعليلة"، وإذا كانت العروس من بلد مجاور كأم الزينات والريحانية وأم الفحم، يذهبون لإحضارها، ويتفقون على نقطة التقاء في منتصف الطريق، تكون غالبًا تحت شجرة كبيرة. أما الزفة فكانت تتم على فرس، بعد أن يتناول المدعوون البرغل والجريشة، وتذهب النساء لحناء العروس.
واختتم بجسد غزته أوجاع الشيخوخة: لا أنسى يوم اقتلاعنا من الكفرين، وأتذكر أول مرة أشاهد فيها أخبار مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، فقد نقلها لنا التلفزيون الأردني في نشرة الثامنة، وشعرت بالقهر، وخفت من تكرار ما حدث في مخيمنا، بعد أن جربنا ما حل بنا خلال النكبة.