الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في تقرير "الأونكتاد" حول الأوضاع الإقتصادية في فلسطين

نشر بتاريخ: 18/09/2018 ( آخر تحديث: 18/09/2018 الساعة: 11:40 )
قراءة في تقرير "الأونكتاد" حول الأوضاع الإقتصادية في فلسطين
الكاتب: سامر سلامه وكيل وزارة العمل - محاضر في جامعة بيرزيت سابقا
أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" تقريرا مفصلا عن المساعدات المقدمة من "الأونكتاد" إلى الشعب الفلسطيني، والذي يشمل التطورات التي شهدها إقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة خلال الأعوام الماضية حتى الآن. هذا التقرير سيقدم لمجلس التجارة والتنمية في دورته الخامسة والستون الذي سيعقد في جنيف في شهر أكتوبر 2018. وبإعتقادي فإن هذا التقرير يعتبر من أكثر التقارير الدولية شمولا إذ يغطي معظم المؤشرات الإقتصادية التي من خلالها نستطيع تقييم ألأوضاع الإقتصادية وتطورها في فلسطين. وما يميز هذا التقرير عن غيره من التقارير التي تصدرها أكثر من جهة دولية ذات علاقة، أنه لا يبحث في نتائج أداء الإقتصاد الفلسطيني فقط وإنما يمتد ليشمل أيضا تحليل الأسباب التي أدت إلى التقدم أو التراجع في أداء الإقتصاد الفلسطيني ومقارنة ذلك بسنوات سابقة. كما أن التقرير يتسم بالشجاعة في تحليل أسباب تعثر الإقتصاد الفلسطيني وخاصة عندما يربط بشكل واضح وصريح تعثر الإقتصاد الفلسطيني بسياسات الإحتلال الممنهجة والهادفة إلى تدمير الإقتصاد الفلسطيني وإلحاقه بالكامل بإقتصاد الإحتلال بهدف تقويض الحكومة الفلسطينية ومنعها من قيادة الإقتصاد الفلسطيني نحو مزيد من النمو والتطور. كما أن التقرير يحث المجتمع الدولي على ضرورة الإستمرار في تقديم الدعم اللازم للإقتصاد الفلسطيني في ظل التراجع الواضح والملحوظ للمساعدات الدولية وخاصة في السنوات الخمس الماضية.
فقد رسم التقرير صورة قاتمة للإقتصاد الفلسطيني في ظل إستمرار الإحتلال للأرض الفلسطينية وإنغلاق أفق الحل السياسي وإستمرار بناء المستوطنات غير الشرعية ومنع الفلسطينيين من إستغلال الأراضي المصنفة (ج) وتقييد حركة العمال والبضائع داخل الأراضي الفلسطينية وإستخدام إتحاد جمركي معيب وغير عادل وضار بالتنمية بموجب بروتوكول باريس الإقتصادي. وفي المقابل فقد أشاد التقرير بسياسات الحكومة الفلسطينية المالية والإقتصادية التي من شأنها قد ساهمت في تمكين الإقتصاد الفلسطيني من تحدي الإجراءات الإسرائيلية والسير بالإقتصاد إلى تحقيق النمو وإن كان هذا النمو غير كافي لمعالجة مشكلة البطالة في البلاد. كما ودعا التقرير إلى ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته إتجاح الإقتصاد الفلسطيني مطالبا إياه بمزيد من الدعم المالي في ظل التراجع الواضح للمساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية.
ففيما يتعلق بأداء الإقتصاد الفلسطيني فقد وصف التقرير النمو الإقتصادي في فلسطين بأنه فاقد للحيوية وبالتالي عجزه عن خلق فرص عمل جديدة للشباب والقادمين الجدد لسوق العمل. ويؤكد التقرير أن سبب عدم حيوية النمو الإقتصادي في فلسطين يعود للقيود الإقتصادية التي يفرضها الإحتلال على الإقتصاد الفلسطيني الأمر الذي يضعف أدائه. وعليه فإن التقرير يشير إلى توقعات قاتمة لأداء الإقتصاد الفلسطيني في المستقبل القريب والناتج عن إستمرار التراجع في مستوى الدعم المقدم من الجهات المانحة وتعثر عملية إعمار قطاع غزه والتوسع الإئتماني لغرض الإستهلاك العام والخاص. هذا بالإضافة إلى التسارع في مصادرة الأرض والموارد الإنتاجية من قبل الإحتلال والتفاعلات الإقليمية غير المؤاتية في الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى، فقد أشاد التقرير بمواصلة الحكومة الفلسطينية في إصلاحاتها المالية في ظل الظروف السياسية والإقتصادية الصعبة. فقد أشار التقرير إلى الجهود المبذولة من قبل الحكومة الفلسطينية لضبط الإنفاق وتحسين الإيرادات حيث نجحت الحكومة في خفض العجز من 27% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2006 إلى 8% فقط في العام 2017. لذلك فقد دعا التقرير المجتمع الدولي بشكل واضح وصريح لدعم جهود الحكومة الفلسطينية ودعمها سياسيا وماليا لتحقيق التنمية المستدامة في الأراضي الفلسطينية إذ يتطلب ذلك وبشكل واضح الضغط على دولة الإحتلال لتخفيض القيود المفروضة على الإقتصاد الفلسطيني وأن تستمر الجهات المانحة في تقديم المعونات المالية للحكومة الفلسطينية ودعمها فنيا للإستكمال الإصلاحات المالية لتيسير النمو.
أما فيما يتعلق بالإتحاد الجمركي بين فلسطين وإسرائيل بموجب بروتوكول باريس الإقتصادي فقد وصف التقرير هذا الإتحاد بالمعيب وغير العادل والضار بالتنمية في الأراضي الفلسطينية. فبحسب التقير فإن الإتحاد الجمركي بين فلسطين وإسرائيل قد كبد ويكبد فلسطين عجزا تجاريا ضخما ومستمرا من جراء قطاع التصدير المتخلف النمو وضعف قدرة المنتجين المحليين للسلع القابلة للتصدير والإستيراد على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية. كما وأشار التقرير إلى أن القيود التي يفرضها الإحتلال على التنقل للأفراد والبضائع قد ساعد على زيادة الفقر وعدم الإستقرار السياسي ونتج عن هذه السياسات الإحتلالية تحويل التجارة الفلسطينية نحو الأسواق الإسرائيلية غير المؤاتية. كل ذلك وغيرها من السياسات الإحتلالية قد إنعكست بشكل سلبي ملحوظ على الشباب والنساء والمتمثلة بإرتفاع نسب البطالة والفقر في أوساط هذه الفئة التي تمثل الشريحة الأكبر من المجتمع الفلسطيني. ولهذه الأسباب قد وصلت نسبة البطالة في فلسطين إلى 27% وهي النسبة الأعلى في العالم على الإطلاق.
وإن التقرير لم يتناسى توصيف الأوضاع الإقتصادية الصعبة في قطاع غزه المحاصر والذي وصفه بالكارثي والناتج عن الحصار الشامل للقطاع من قبل الإحتلال الإسرائيلي وتعرض القطاع لحروب مدمرة بشكل متكرر الأمر الذي أدى إلى أزمات في توفير الطاقة والمياه والوصول بالقطاع إلى حد الأزمة الإنسانية مما أدى إلى تراجع كبير ليس فقط في أداء الإقتصاد في القطاع وإنما إنعكس ذلك على الظروف الإنسانية التي أصبحت لا تطاق مما أدى لوصف القطاع على أنه مكان غير مؤهل للعيش به.
وفي الختام، فإنني أعتقد أن التقرير بحاجة إلى دراسة معمقة والإستفادة منه وإستخدامه كوثيقة دولية لإدانة الإحتلال وحشد التأييد الدولي لعدالة قضيتنا والتأثير بالعالم الحر للإستمرار في تقديم الدعم المالي والسياسي للحكومة الفلسطينية لتمكينها من الإستمرار في سياساتها الهادفة إلى تحرير الأرض وبناء إقتصاد يحقق التنمية المستدامة والعيش الكريم للشعب الفلسطيني.