الإثنين: 07/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

المستهلك الغزي ضحية التهرب الضريبي والتعلية الجمركية

نشر بتاريخ: 30/09/2018 ( آخر تحديث: 30/09/2018 الساعة: 11:34 )
المستهلك الغزي ضحية التهرب الضريبي والتعلية الجمركية
غزة- معا- وسام الثوابتة- لا يختلف اثنان على أن العقدة توقف المنشار، هكذا يعكس واقع المنظومة الاقتصادية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في شطري الوطن، الضفة الغربية وقطاع غزة، انقسام جغرافي وديمغرافي عقيم، جعل من قطاع غزة يعيش في عزله اقتصادية.
أيها المواطن لما لا تطالب بسيادة القانون والنظام لملاحقة من يتعدى على حقوقك، ولماذا تشكو من تسلط ذوي النفوذ عليك وأنت تمدحهم وتخشاهم وتضع جملة من الاستفهامات، ماذا يحصل لو طالبت بحقك المسلوب، فلما تقتصر طموحك في معاملة ومجاملة، فهل جملة ذلك يعكس بأن المواطن الفلسطيني بات يدرك بأنه محاصر من الداخل والخارج وعليه أن يسلم نفسه.
أنه واقع المنظومة الاقتصادية التي يشهدها القطاع من ازدواجية في الضريبة والتي كانت نتاج انقسام سياسي ولد خلفه جملة من الازمات التي يدفع فاتورتها المواطن الغزي، وظهور تجاوزات تحت بند الكسب الغير مشروع ومشرع مقر من قبل الجهات المتنفذة في الدولة ويمرر من قبل أصحاب رؤوس الأموال التجارية.
هكذا تسير الأمور في القطاع من تجاوزات ضريبية والتي تتمثل في تهرب ضريبي الذي يعد الملاذ الأول، لتصل المرحلة إلى فرض تعلية جمركية على البضائع والمخالفات، في ظل وجود رابح وحيد في المقام الأول متمثل في الحكومة الإسرائيلية، وارتفاع معدل العائد الربحي للتجار، وتزايد مقدار رضى حكومة غزة والسلطة الفلسطينية لسدهما العجز المالي جراء تزايد حجم التحصيل المالي من الضرائب، ليرتفع معدل الإيرادات على حساب أسعار السلع في السوق الاستهلاكي.
التهرب الضريبي في أرقام
ربما يكون التهرب من أداء الضرائب في كثير من الدول سلوكًا استثنائيًا، لكن في قطاع غزة يعتبر التهرب الضريبي نشاطًا طبيعيًا كما تظهر الأرقام، وأوضح تقرير اقتصادي صادر عن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار"، عام 2016 ضمن التقرير السنوي، بعنوان "الإجراءات الممكنة للحد من التهرب الضريبي"، أن حجم التهرب الضريبي في الأراضي الفلسطينية يقدر بنسبة 30-40% من قيمة الضريبة الكلية، وأن الخزينة تخسر ما يفوق مليار و 785 مليون شيكل بما يعادله 500 مليون دولار سنويا نتيجة التهرب الضريبي والتسرب المالي.
وتشير التقديرات إلى أن السلطة الفلسطينية تخسر ما لا يقل عن مليار شيكل بما يعادله 300 مليون دولار امريكي سنويا نتيجة التسرب المالي، وتذهب تلك الأموال لصالح الحكومة الإسرائيلية بطرق مختلفة، منها تلاعب التجار في وثائق الاستيراد لتغيير وجهة البضائع من فلسطين إلى إسرائيل لتسهيل بعض الإجراءات، وبالتالي تدفع الجمارك والضريبة الشرائية لوزارة المالية الإسرائيلية، وكذلك امتناع التجار عن تسليم فواتير المقاصة لدوائر الضريبية الفلسطينية.
وأكد مدير عام الجمارك في وزارة المالية لدي المحافظات الجنوبية التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية أحمد الافرنجي، ومدير عام الجمارك في وزارة المالية التابعة لحكومة غزة محمد عايش، بأن الحركة التجارية في قطاع غزة تمر بحالة من الفوضى العارمة، جراء ارتفاع معدل التهرب الضريبي إلى 90% من مجمل الفواتير والبيانات الجمركية المتلاعب بها من قبل التجار.
ويلجأ المتهربون من الضريبة في غزة إلى أساليب ملتوية للتحايل على القانون من أجل النفاذ دون أداء مستحقات الدولة، مما يُسعفهم في ذلك الفساد المستشري في دواليب السلطة وحكومة غزة، وضعف كفاءة النظام الجبائي في غزة، ولاسيما في ظل غياب حرية الوصول إلى المعلومات المالية للشركات الوطنية ومؤسسات الدولة.
مجبرون على التهرب الضريبي
دفع غياب سبل المسائلة والتدقيق إلى اتساع رقعة التهرب الضريبي في قطاع غزة، بالتزامن مع ارتفاع حدة الانقسام السياسي الذي ترك جملة من المخاطر على المنظومة الاقتصادية في غزة، ومن خلال محاولات عديدة من قبل معد التحقيق للتواصل مع بعض التجار والغرفة التجارية للتعرف على طبيعة الجريمة التجارية المركبة التي تنطلق بداية من داخل القطاع ، جراء تلاعب التجار في المبلغ الذي يرغب في تدوينه على البيان الجمركي للسلعة المستوردة، لتدون تلك الأرقام داخل البلد المنشأ، لتظهر البيانات الجمركية أمام السلطة الفلسطينية أنها سليمة المبنى والمحتوى، ولم يقف المطاف لذاك الحد بل يأتي دور المخلص الإسرائيلي أو الفلسطيني داخل الموانئ الإسرائيلية لإتمام المعاملات الجمركية والضريبية على البينات المضروبة، مما يجعل الإمساك بهم بمثابة عملية معقدة أمام طواقم الجمارك على المعابر.
لتظهر دائرة الضابطة الجمركية في وزارة المالية غزة و وزارة المالية رام الله، بأن الأمور تسير بطرق غير قانونية من قبل التجار، جراء تلاعبهم في الفواتير وذلك بدافع التهرب الضريبي من الجمارك و الضرائب، بهدف الكسب المالي الغير مشروع ، ويلاحظ أن المشرع الفلسطيني أخذ في قانون ضريبة الدخل الفلسطيني رقم 17 لسنة 2004 بالمفهوم الواسع للتهرب الضريبي حيث تنص المادة 39 منه على أنه "مع عدم الاخلال باي عقوبة أشد في قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تقل عن 100 دولار امريكي ولا تزيد عن 1000 دولار امريكي أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانون أو بكلتا العقوبتين معا كل من ارتكب أو حاول أو حرض أو اتفق أو ساعد غير بقصد التهرب من الضريبة".
وبين التاجر "م،ع" أن تزييف وضرب فواتير البضائع والبيانات الجمركية أمر بالبسيط والسهل جدا، وما يهم الشركة الأم تحويل مستحقاتها بشكل كامل، ولا تمتلك أدني مشكلة في ضرب الفاتورة للتاجر وذلك يأتي بناء على الطلب وليس العرض، وإن لم نفعل ذلك لا نتمكن من الربح في البضائع مرجعا السبب حسب قوله إلى الازدواجية الضريبة التي تجنيها حكومة غزة و حكومة رام الله على معبر كرم أبو سالم.
وبرر تجاوزاتهم بأنهم لا يستطيعوا أن يحققوا عائد ربحي في حال إصدار بيان جمركي سليم المحتوي والمبلغ، وذلك لما يترتب عليه من ضريبة قيمة مضافة، وجمارك، وأذونات دخول للبضائع للقطاع، وتحصل مالية غزة، ضريبة دخل، وضريبة قيمة مضافة على الربح، مما يكبد التاجر زيادة إضافية على قيمة السلعة لا تجني عوائد مالية مربحة مما دفعنا إلى التلاعب بالفواتير.
وكشفت وثائق خاصة حصل عليها معد التحقيق، إن التجار في قطاع غزة يتلاعبون في البيانات الجمركية منذ عام 2002، وليست وليدة اليوم، جراء إدخال السلع على بيان جمركي غير صحيح الأركان، متبينا من دائرة الجمارك والضرائب في مالية رام الله صحة ذلك، مؤكدين بأن نسبة التهرب الضريبي كانت ولكن لم تشكل نسبة كبيرة بذاك الوقت.
ووفقا للقانون الفلسطيني لم يجرم التهرب الضريبي كجريمة فساد بشكل واضح، إلا إذا ارتبطت بموظف عام، أو عندما يتم بتواطئي من قبل موظف عام أو إي من الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005.
من المسؤول عن التهرب الضريبي
يختلف النظام الضريبي والجمركي ما بين دولة وأخرى، وتختلف التشريعات الناظمة له، وبالنظر لقانون الجمارك والمكوس رقم 1 لسنة 1962 الأردني المطبق في فلسطين ينص في المادة 28 "يجب أن تحتوي البيانات الجمركية على جميع الدلائل اللازمة لتطبيق الرسوم الجمركية والرسوم المختلفة والأنظمة والمعاملات وتدابير المراقبة ويجب أن تشمل هذه البيانات بوجه خاص على نوع البضاعة و وزنها وكميتها وقيمتها ومنشأها ومكان شحنها وعلامات الطرود وأرقامها وعددها واسم وسيلة النقل ونوعها وتاريخ دخول البضاعة للمستودع وتوقيع الناقل واسم المرسل إليه الحقيقي هذا في الاستيراد أما في التصدير فيذكر مقصد البضاعة واسم المرسل إليه الحقيقي واسم الناقل".

وحسب مدير الجمارك في مالية رام الله أحمد الافرنجي أكد إن فترة الانقسام شكلت كارثة على فلسطين، وكانت البداية في فتح المجال من قبل حكومة غزة الأبواب أمام التجار في عدم احضار البيان الجمركي، وذلك لعدم اعترافهم به مما كلف السلطة 71 مليار و400مليون شيكل بما يعادله 20 مليار دولار خسائر نقدية، ففعليا خلقت عجزاً مأهولاً في حجم الإيرادات في ظل تراجع معدلات المنح الدولية والأممية للشعب الفلسطيني، وإن ذلك نتيجة نشوب أسلوب خاص بحكومة غزة لجباية الأموال لصالح المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
ونوه بأنه منذ 12 عاما قلما يتم تحصيل فواتير ضريبية وبيانات جمركية لعدم تواجد علاقة بين غزة وإسرائيل، مما أدي إلى انعدام مفهوم المنافسة الحرة بين التجار وأسست قواعد جديدة للتسارع خلف التلاعب في البيان الجمركي لتوفير أكبر قدر ممكن من الأموال الغير مدرجة في ضريبة القيمة المضافة والجمارك.
وأشار إلى أن طواقم مالية رام الله قد عثروا على فواتير المقاصة منتهية المدة بعد تسلم معبر كرم أبو سالم في شهر 11 عام 2017، وذلك كون مدتها 6 شهور راجعه وكانت حكومة غزة تخفي كميات كبيرة من تلك المقاصة، مما تسبب في إضاعة مليارات الدولارات، حيث كانت الايرادات في شهر 10 لعام 2017، وصلت إلى 120 مليون شيكل بما يعادله 34 مليون دولار امريكي من فواتير المقاصة والبيان الجمركي.
ولفت مدير الجمارك في مالية غزة محمد عايش أنه كان يتم ادخال قرابة 700 شاحنة يوميا لقطاع غزة، مما جعل حكومة غزة تقوم بشكل مستعجل لكسب المال والعمل على نظام المبلغ المقطوع، وذلك من خلال تحديد أسعار شبة ثابتة على أصناف السلع مقارنة بالوزن أو العدد وتفرض على كافة التجار بدون أدني استثناء.
وشكلت هذه العملية خللا كبيرا، وذلك لعدم قانونيتها وحكمتها الاقتصادية لكون طواقم المالية لم تعمل على الكشف والتحقق من الفواتير السليمة والمضروبة، بل كان الهدف الأساسي العمل ضمن منظومة الاستقطاع القصري، والذي أقرته وزارة المالية في غزة لكسب الأموال لسد احتياجات الحكومة، وبني ذلك على نظرية عدم التحقق المعمق والجلي في الأرقام والتفاصيل التي تحملها الفواتير جاعلا من التعلية الجمركية نظرية قانونية بمنظور الحكومة.
التعلية الجمركية ومشروعيتها
فسر عدد من المحللون الاقتصاديون بأن التعلية الجمركية بمثابة مخالفة قانونية، فرضت لمحاربة التهرب الضريبي المتفشي في المنظومة الاقتصادية، والذي يشكل مخاطر كبيرة على عوائد الإيرادات المحصلة من قبل السلطة الفلسطينية، مرجعين الخلل في آليات تطبيقها من قبل حكومة غزة في ظل انعدام منهجية واضحة بنيت عليها وإن ما تم عبارة عن وضع جدولة تفرض التعلية.
وأردف المحللون بأن مشكلة التهرب الضريبي والتعلية الجمركية خلقت جملة من المشاكل مع حرص وزارة مالية غزة في استمرار العمل بها وذلك لما تحصله من ايرادات عامة لخزانة الحكومة.
وتعمل وزارة المالية في غزة في التعليات الجمركية منذ توليها المعابر، وزادت في تحصيلها المالي بعد تراجع الدعم الخارجي للحكومة، مما جعلها تلجأ إلى وضع أنظمة وجدولة خاصة بها في التعلية الجمركية والمخالفات الجمركية والضريبية لسد العجز المالي التي مرت به.
وحول الأنظمة المتبعة أوضح محمد عايش أن النظام المتبع من قبل الحكومة يتمثل على نهجين أحدهم قائم على كسب الضرائب والتعلية الجمركية على القطعة "العدد" والنهج الاخر قائم على الحاوية "الكونتينر".
وتابع حسب عملي في منصب مدير معبر كرم أبو سالم لمدة خمسة أعوام سابقة، أقر بأنه كانت تمر ما يزيد عن 90% من البيانات الجمركية المضروبة، وتعد المرحلة الأولى في عمل البيان الجمركي في إيدي المخلص اليهودي أو الفلسطيني داخل إسرائيل والذي يضع الشكل النهائي للبيان الجمركي وقيمة السعر ويقوم بتقديمها للجانب الإسرائيلي، وتم محاربة ذلك بالتعلية الجمركية وذلك جراء حساب القيمة الحقيقة للسلع وحساب الفروق فيما بين الفواتير والسعر الحقيقي ويتم فرض التعلية على الفرق، ولكن حسب المنهجية القائمة، لا تعد طريقة منهجية مهنية كاملة وذلك لعدم تواجد طواقم عمل وكوادر مهنية قادرة على التعامل مع كافة المخالفات والبضائع، لذا تم التعامل مع الأمور بعد إقرار جدوله خاصة في مالية غزة ولا تعد ذو مشروعية قانونية سليمة.
في حين لم تقتصر الأمور على التعليات الجمركية، بل كانت الوزارة تقوم بفرض مخالفات جمركية وضريبية على السلع حيث بلغت نسبة المخالفات 20% والمخالفات على فواتير المقاصة 10%.
وكشف مدير الضابطة الجمركية التابعة لوزارة المالية غزة على معبر كرم أبو سالم أحمد المصري، أن حكومة غزة مستمرة في فرض نظامها على معبر كرم أبو سالم التجاري، لما يشكله من حساسية في إيرادات الحكومة ويسد عجز كبير في الميزانية، وكانت تحصل قبل تسليم المعابر للسلطة الفلسطينية قرابة 30 مليون شيكل شهريا بما يعادله 9 مليون دولار امريكي تعليات جمركية، خلافا للمخالفات الضريبية والجمركية، خلافا لما كان يتم تحصيله من ضريبة قيمة مضافة على الربح وثانويات فرضت.
وأوضح بأن مالية غزة مازالت قائمة على فرض تعليات جمركية على البضائع وذلك لمخالفة التجار القوانين والتلاعب في البيان الجمركي والأسعار الحقيقية للسلع، ويتم تحصيل بالوقت الراهن قرابة 5-7 مليون شيكل شهريا تعليات جمركية بما يعادله 1 ونصف مليون دولار إلى 2 مليون دولار امريكي.
ورفض مدير مجمع الإيرادات والنفقات في وزارة المالية بغزة عوني الباشا التعليق على كافة الأرقام والاحصائيات، للتأكد من صحة المعلومات والبيانات التي تم التوصل اليها، والافصاح عن النفقات الخاصة بحكومة غزة، وذلك بعد محاولات عديدة كان اخرها التواصل مع وكيل وزارة المالية يوسف الكيالي والطلب بشكل رسمي مقابله عوني الباشا لينتهي الأمر بالرفض.
إيرادات حكومية
انتقد الاستشاري المالي والاقتصادي الدولي الحسن بكر البنية القائمة عليها المنظومة الاقتصادية والتي تسير ضمن الازدواجية الضريبية، التي تعد من أخطر المشاكل التي تواجه الاقتصاد المحلي، والذي من شأنه أن يترك تبعيات سلبية على المستوى الإقليمي والدولي، مرجعا السبب الأساسي في انهيار الاقتصاد المحلي في قطاع غزة، لتلك السياسة المنبثقة عن الخلاف السياسي.
ونوه على أن الازدواجية الضريبية خلقت جملة من المشاكل الاقتصادية المتلاحقة والتي كانت تنفذ لزيادة حصيلة الإيرادات لسد المصروفات والنفقات المتكفلة بصرفها حكومة غزة، وكذلك الأمر على السلطة الفلسطينية ويبقى المواطن من يدفع فارق السعر على السلع بعد إضافات الضرائب.
وأوضح تاجر الملابس جواد مهدي أن الأمور كانت تسير في عهد تحكم مالية غزة في المعبر قائمة على فرض تعلية على القطعة مما يزيد من الأعباء على أسعار السلع بشكل كبير وزيادة في تحصيل الأموال لدى خزانة المالية، وبالإضافة إلى نظام التعلية على الحاوية والذي كان يتم بطرق عشوائية.
وواصفا النظام القائم "كان النظام خربان ديار للمستهلك حيث أنني دفعت خلال عام 2017 مبلغ 160 ألف شيكل تعليات بما يعادله 45 ألف دولار امريكي، كانت الحكومة تعمل ضمن مفهوم المزاجية في تحصيل الأموال ولا توجد معايير حقيقية في التحصيل ".
وقام أحد التجار بإدخال عشب النجيل بسعر 70 شيكل بما يعادله 25 دولار امريكي للمتر، وفي حال إدخالها من خلال المعبر تم إيقاف البضاعة تحت ذريعة عدم مطابقتها للأسعار الدولية، وتم التأكد من قيمة السعر الدولي وكانت المحصلة في النهاية دفع 1000 شيكل بما يعادله 280 دولار امريكي مقابل إدخال البضاعة على الرغم من عدم مخالفة البيان الجمركي والاسعار الدولية.
وأما تجار الأغنام والعجول الذين تم مقابلتهم أشاروا إلى أن وزارة المالية في غزة تقوم بتحصيل من المواشي المدخلة أسعار خيالية وذلك جراء فرض تعلية على رأس العجل 150 شيكل بشكل إجباري والأغنام على الرأس الواحد 56 شيكل والعجلة 125 شيكل والابقار 100 شيكل وذلك ضمن سياسة العدد وليس الوزن.
وبعد عملية استدامت أيام متواصلة في مراقبة عمل معبر كرم أبو سالم أتضح بأن حكومة غزة حتى اللحظة تفرض تعليات جمركية على البضائع المدخلة بعد مخالصتها من قبل السلطة الفلسطينية، وذلك ما تم تأكيده من قبل الضابطة الجمركية التابعة لمالية غزة، مما يجعل الطرفين يحصلوا تعلية جمركية مرتين.
وحسب احصائيات رسمية صادرة عن وزارة المالية رام الله يتم تحصيل 7 مليون شيكل بما يعادله 2 مليون دولار امريكي شهريا تعليات جمركية، تدرج ضمن مفهوم فروق أسعار من قبل السلطة الفلسطينية منذ استلامها معبر كرم أبو سالم، وبلغت قيمة الضرائب والجمارك مليار شيكل بما يعادله 280 مليون دولار امريكي في الضفة وغزة خلال الشهر الواحد.
والملاحظ بأن السلطة الفلسطينية قامت بتحسين مستوي منهجية تحصيل الإيرادات من خلال سياسة الجمارك والضرائب، حيث اتضح من خلال دراسة أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني ماس بعنوان "الموازنة العامة 2018-المصالحة والسيناريوهات المالية المستجدات والتعديلات الضريبية"، بأن السلطة حققت ارتفاع في معدل الإيرادات الصافية خلال عام 2017 إلى نسبة 18.5% عن الأعوام السابقة، وأتت تقديرات ارتفاع الإيرادات خلال عام 2018 إلى زيادة 7% فقط والتي تشكل مبلغ محصل من قطاع غزة 900 مليون شيكل بما يعادله 2.5 مليون دولار امريكي .
بوابة صلاح الدين البوابة السوداء
شكلت بوابة صلاح الدين المنفذ الحقيقي لحكومة غزة لتمرير وإدخال البضائع والسلع للقطاع بعيدا عن الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، لتعد المنفذ الاخر للتجار المتهربين من الضرائب والبيانات الجمركية ليرصد معد التحقيق العديد من التجاوزات القائمة على بوابة صلاح الدين، لتكشف دائرة الجمارك في مالية رام الله بأن حكومة غزة تستفيد من الامر لكسب الإيرادات والجباية لصالح الأخير على صالح المصلحة العامة.
وأكدت دائرة الجمارك والضابطة الجمركية التابعة لوزارة مالية غزة بأن آليات إدخال البضائع عبر بوابة صلاح الدين تشكل مورد فعلي لإيرادات الحكومة، حيث يتم فرض ضريبة قيمة مضافة على السلع بنسبة 16%، وتعليات على البضائع المتلاعب بفواتيرها وتحسب على فارق السعر ويفرض عليه ضريبة 16% ومخالفة قانونية تقدر حسب المبلغ المقر من قبل المثمن وبالإضافة إلى الجمارك.
والحديث حول المحروقات والغاز المدخل عبر البوابة رفض كلا الدائرتين الإفصاح عن أي معلومات وبيانات تتعلق في ذلك، ليكشف مصدر داخل الضابطة الجمركية بأن المحروقات والغاز تشكل 35% من مجموع الإيرادات المحصلة عبر البوابة، وذلك لارتفاع نسبة الفوائد المرجعة على خزانة المالية.
وحسب احصائيات رسمية مسربة حصل عليها معد التحقيق تم إدخال عبر بوابة صلاح الدين خلال عام 2018 حتى شهر أغسطس 3317350 كيلو من غاز الطهي وتم ادخال 34682500 ليتر من مشتقات المحروقات "بنزين وسولار وديزل صناعي" وإدخال 3715 شاحنة بضائع للقطاع التجاري في قطاع غزة.
معايير الشفافية بتراجع
شددت منسقة وحدة المناصرة والمسائلة الاجتماعية في الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة "أمان" مروة أبو عودة أن واقع الإيرادات والنفقات في قطاع غزة منذ النصف الثاني لعام 2016 حتى العام الجاري بأن الائتلاف لم يتمكن من الحصول على أي معلومات أو بيانات توضح مقدار الإيرادات والنفقات في قطاع غزة، وذلك ضمن تراجع مفهوم التعاون المجتمعي.
هدفنا تعزيز مفهوم الشفافية في بيان الموازنة والالتزام بنشر موازنة المواطن ومقدار حجم الإيرادات والنفقات ونشر قانون الموازنة وذلك لتمكن الخبراء من تحليل ودارسة الموازنة والالتزام بنشر التقارير الشهرية والرباعية والنصفية والسنوية والبيان الختامي ولكن الأمور تسير ضمن سياسة التكتيم الحكومي على كافة التقارير والبيانات التي من حق كل مواطن فلسطيني الاطلاع عليها.
تم إنجاز التحقيق بدعم من الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة "أمان".