الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"معا" تكشف: لهذه الاسباب استقال وزير الثقافة من حكومة تسيير الاعمال- ابراش: الاستقالة صرخة احتجاج على الوضع العام

نشر بتاريخ: 25/02/2008 ( آخر تحديث: 25/02/2008 الساعة: 16:21 )
"معا" تكشف: لهذه الاسباب استقال وزير الثقافة من حكومة تسيير الاعمال- ابراش: الاستقالة صرخة احتجاج على الوضع العام
بيت لحم- غزة- معا- كشفت "معا" عن استقالة الدكتور ابراهيم أبراش وزير الثقافة في حكومة تسيير الاعمال, والذي بدوره أكد للوكالة تصميمه على الاستقالة التي مضى على وضعها بين يدي الرئيس محمود عباس مدة اسبوعين.

وقال ابراش إنه قرر الاستقالة منذ شهرين, وقدمها للرئيس عباس في السابع من الجاري, دون أن يتلقى حتى الان رداً من الرئيس.

وبرر الوزير ابراش استقالته بالاوضاع الراهنة, وعملية فصل قطاع غزة عن الضفة وتعثر المفاوضات وغياب اي افق للسلام والتسوية.

وفي رده على سؤال حول التوقيت الذي طرحت فيه الاستقالة وإن كان لذلك علاقة بما اعلن مؤخراً عن تعديل في حكومة الدكتور سلام فياض لتتحول من حكومة تسيير اعمال الى حكومة كاملة الصلاحيات, أكد ابراش ان لا علاقة لاستقالته بالامر, قائلا: اذا وجد بعض التغيير على الحكومة فان ذلك سيسهل من الامر.

وأكد ابراش أنه ينوي التفرغ الى نشاطه الاكاديمي والعلمي, غير مستبعد العودة الى قطاع غزة, والى جامعة الازهر التي كان يعمل فيها قبل انتقاله الى الضفة الغربية, والمشاركة في حكومة تسيير الاعمال.

وحصلت "معا" على نص رسالة تناول فيها الوزير ابراهيم ابراش اسباب استقالته والظروف التي احاطت بقبوله الانضمام لوزارة تسيير الاعمال هذا نصها:

لم أكن بالوضع الذي أحسد عليه عندما تلقيت مكالمة هاتفية تطلب مني المشاركة بالحكومة الفلسطينية التي شكلها الدكتور سلام فياض على اثر الانقلاب المسلح الذي أقدمت عليه حركة حماس وأطاح بحكومة الوحدة الوطنية، فكوني أكاديميا وكاتبا تحدثت وكتبت كثيرا عن السلطة ومساوئها وعن الخلل في الأداء السياسي بل عن جدوى وجود سلطة وحكومة في ظل الاحتلال... فقد كان قبولي بمنصب وزير وكأنه يحمل في طياته حالة من التناقض بين القول والممارسة، بين الموقف والموقع.

وبالفعل تعرضت لانتقادات وعتب من كثير من الأصدقاء من فلسطين ومن خارجها لقبولي المنصب، وتفهمت موقف أصدقاء وتفهم بعضهم موقفي، ولو كانت الظروف غير الظروف لاعتذرت عن قبول العرض لأني كنت منسجما وراضيا عن نفسي وعملي الفكري والأكاديمي،ولكن كان يقلقني المصير الذي آل إليه المشروع الوطني ،مشروع الاستقلال والدولة،المشروع الوطني الذي لم ننجز منه شيئا، بل أصيب بمقتل في أكثر من جانب من جوانبه ،ذلك أنه بعيدا عن أوهام :سلطة وحكومة ومجلس تشريعي ووزارات ومؤسسات، والتي أصبحنا أسرى لها ولاستحقاقاتها الوظيفية ومغرياتها المالية... بدلا من أن تكون هذه المؤسسات أدوات في معركة التحرير،وبعيدا عن ملهاة الانتخابات والصراع على السلطة والمعابر والرواتب، حتى قضية الأسرى أصبحت قضية رواتب وكانتينا...، بعيدا عن هذه الملهيات والمنزلقات المقصودة فإن الواقع يقول بأن الاحتلال ما زال جاثما على كل الوطن بل تتم عملية شرعنة وتجميل بعض أشكال وجوده .

ما دفعني لقبول المنصب في حينه هو معايشتي لأحداث الانقلاب الذي أقدمت عليه حركة حماس وقبل ذلك متابعتي لنهجها السياسي وممارساتها على الأرض والذي كان يشير إلى انزلاق حماس بوعي أو بدون وعي نحو مخطط لتدمير المشروع الوطني ، فالانقلاب كان تتويجا أو مرحلة من مخطط لتدمير المشروع الوطني بفصل غزة عن الضفة تمهيدا لوصاية بمفاهيم وتخريجات جديدة ونقل ساحة الصراع بل تغيير طبيعة الصراع، من صراع مع العدو المحتل، لصراع فلسطيني داخلي حول مَن يحكم غزة التي يسعى المخططون لأن تكون هي الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها، ليتفرغ العدو لاستيطان ما تبقى من القدس والضفة.

لذا كنت في حالة يتوجب فيها تحديد موقف، إما الانحياز للمشروع الوطني الذي عنوانه الرئيس أبو مازن حيث القول الواضح بالتمسك بالثوابت وبوحدة شطري الوطن، أو رفض المشاركة بحكومة فياض وبالتالي الانحياز لحكومة الأمر الواقع في غزة التي لم المس يوما أنها تجسد مشروعا وطنيا أو لديها رؤية سياسية واستراتيجية واضحة للصراع مع العدو. حتى الوقوف موقف الحياد من الطرفين كان بمثابة الانحياز للأمر الواقع الذي فرضته حركة حماس.

وعليه كان قبولي بالمشاركة بحكومة الدكتور فياض نوعا من المراهنة أو الأمل أنها مرحلة انتقالية لن تدوم أكثر من شهرين أو ثلاثة وتعود الأمور مجددا لحكومة وحدة وطنية، حكومة كل الوطن وكل الشعب، بالرغم من شكوك قوية عبرت عنها في أكثر من مقال وفضائية بأن ما جرى في غزة هو مخطط والفلسطينيون المشاركون فيه مجرد لاعبين صغارا فيه لعبوا أدوارا عن جهل من البعض وتواطؤ من البعض الآخر.ولكن في المنعطفات المصيرية الحرجة يجب التشبث بأي أمل ولو كان واهيا.

انطلاقا من ذلك، مارست عملي منذ منتصف يوليو كوزير للثقافة، بنية صادقة بأن اخدم المشروع الوطني وأساعد على استنهاض الحالة الثقافية إيمانا مني بأن ما جرى لمشروعنا الوطني هو اختراق لثقافتنا الوطنية وليس مجرد اختراق أمني أو سياسي فلو كانت ثقافتنا الوطنية محصنة لما جرى ما جرى، أيضا كنت أراهن بأنه من الممكن أن نصلح بالثقافة ما تفسده السياسة.. إلا أن الأمور جرت عكس ما كنا نتمنى، فالانشقاق والفصل يُكرس يوما بعد يوم والتحريض المقيت يتعاظم ومفهوم العدو يتبدل من خارجي لداخلي، والحكومة تُسير الأعمال دون استراتيجية عمل وطني وأهلنا في القطاع يعانون الأمرين: إرهاب وحصار وتجويع على يد الاحتلال، وقمع للحريات على يد سلطة الأمر الواقع، والعدوان الإسرائيلي يحصد كل يوم عديد الشهداء في القطاع ويحصد مزيدا من الأرض والكرامة الوطنية بالاستيطان المتواصل في الضفة الغربية وخصوصا بالقدس - وهنا يجب التحذير بأن ما يجري بالقدس والضفة أكثر خطورة مما يجري بغزة، وكأنه مقصود تسخين وتوتير المشهد في القطاع لإخفاء الممارسات الاستيطانية والأمنية في الضفة -، وآفاق التسوية المشرفة تبدو أبعد منالا، وعلى مستوى وزارة الثقافة فلا توجد موازنات والقليل المتاح لا يساعد بالمطلق على استنهاض الحالة الثقافية وتعزيز الثقافة الوطنية التي هي اليوم مهددة بالتلاشي أو التشويه، هذا بالإضافة إلى أن الثقافة الوطنية بشكل عام ليست على سلم اهتمامات السلطة والحكومة وكأنه أمر مقصود تحويل الشعب لمجرد جموع بشرية تُختزل طموحاتها بالمأكل والمشرب ومتطلبات الحياة اليومية دون ناظم يحفظ لها هويتها وانتماءها وهو الثقافة الوطنية.

لكل ذلك وحيث لا أستطيع أن أكون متفرجا على عملية تقسيم ما كان مفترض أن يكون أرض الوطن المستقل، وعلى عذابات أهلنا في القطاع وعلى ما يجري بالضفة ، و بالتالي غير قادر على الوفاء بقسم الولاء الذي أقسمته عند تولى المسؤولية، وهو قسم ولاء للوطن وللمشروع الوطني، قررت تقديم الاستقالة من الحكومة الفلسطينية الثانية عشر التي يترأسها الدكتور سلام فياض.

وبالفعل قدمت استقالتي للرئيس ولرئيس الوزراء يوم الخميس الموافق للسابع من فبراير 2008، كصرخة احتجاج على الوضع العام وعلى العبثية التي تحكم نهج من يقولون بالمقاومة ولكن يمارسونها بعيدا عن شروط ومتطلبات المقاومة الوطنية الحقيقية، وعبثية المفاوضات في ظل السياسة الإسرائيلية الراهنة، وفي كلا الحالتين هي عبثية مدمرة للمشروع الوطني.