حل الجيش و اجتثاث البعث بقلم الكاتب الصحافي اكثم التل من الاردن
نشر بتاريخ: 15/10/2005 ( آخر تحديث: 15/10/2005 الساعة: 14:52 )
معا- الخطأ الأبشع الذي وقع فيه الحاكم المدني بول بريمر هو حل الجيش و قوات الأمن بكل دوائرها، مما خلق فراغاً أمنياً يضاف إلى أعمال النهب و السرقة و عدم الإستقرار و تفشي الجريمة، بالإضافة إلى خلق حوالي مليون عاطل عن العمل مرة واحدة. يضاف إلى ذلك قراره بإجتثاث البعث" الذي حرم مئات الألوف من العراقيين من حقهم في الوظائف و العمل و الحقوق الأخرى، ونحن نعرف أن حزب البعث الحاكم في عهد صدام حسين لم يمثل الشعب، بل كانت فئة صغيرة جداً مستفيدة منه، أما باقي المواطنين فكانوا مغلوبين على أمرهم، مضطرين للإنضمام للحزب بالضغط و الإكراه و لتأمين لقمة العيش. أما الإجتثاث، فكان يجيب أن يطال من كانت أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء من المواطنين وليس كل من ورد اسمه على قوائم الحزب.
أضاف الحاكم المدني للعراق المزيد من الأخطاء القاتلة و التي ساهمت في تدمير البنية التحتية للعراق، فكان مثلاً أن سمح بتسيب الحدود وعدم حمايتها أو توفير أدنى حد من المراقبة عليها، مما ترتب عليه دخول العشرات بل المئات من المقاتلين من خارج العراق الذين جندتهم المجموعات و التنظيمات الإرهابية التي وجدت في العراق ساحة واسعة لقتال الإمريكان و أرضاً خصبة لزرع الفتن و القتل و التدمير و تفريغ حقدها على كل شيء دون أي تمييز.
كانت فكرة السفير بول بريمر (والإدارة الأمريكية بشكل عام) جذب المقاتلين العرب و الأجانب و المتطرفين منهم ممن انضموا تحت لواء "القاعدة" و غيرها من "أعداء أمريكا و الغرب" إلى العراق فيحشرهم في زاوية واحده ثم يقضي عليهم و تنتهي الولايات المتحدة من "التنظيمات الإسلامية المتطرفة" المعادية لها في المنطقة، وهذا ما نستطيع أن نقول فيه أن دول الجوار وافقت عليه ضمنياً حيث اعتقد الجميع أنهم سيتخلصون من المتطرفين في بلادهم ليزجوهم في محرقة الجيش الأمريكي.
خطأ آخر وقعت فيه القيادة الجديدة في العراق ألا وهو السماح لجماعات و أشخاص بتشكيل ميليشيات مسلحة، فكان أن ظهرت بعض القوى المسلحة والتي تلقت المساعدات المادية و التسليحية من هنا وهناك و ظهرت فجأة كقوة كبيرة انقلبت على بعض أسيادها وعلى الحكم في العراق، اياً كان شكله.
بعد تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة الأولى اندلعت أولى المواجهات بين القوات الأمريكية-العراقية من جهة وبين قوات المهدي التابعة للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر، الذي حاول فرض نفسه في اللعبة السياسية حيث تم استبعاده من التشكيلة الحكومية، وكان مطلب الصدر (غير المعلن) هو اقتطاع حصة من الكعكة السياسية الثمينة في البلاد، لكن الإدارة الأمريكية لم تعره اهتماماً و لم تقدر مدى قوته إلى أن ظهر أمامها ند عنيد و قوي يجمع عشرات الآلاف من المقاتلين المسلحين و الذين كانوا على استعداد للقتال حتى أخر رمق في سبيل مطالب زعيمهم.
بعد ذلك، حاول السنة في محافظة الأنبار فرض أنفسهم كقوة موازية فكان أن تعاونوا مع تنظيمات المقاومة الشعبية، لكنهم و للأسف وقعوا في خطأ قاتل، إذ حينها و في عجلة من أمرهم، لم يفرقوا بين المقاومة و الإرهاب، فكان أن فتحوا أبوابهم للإرهابيين من كافة التنظيمات المعروفة و غير المعروفة، إلى المتطرفة و الإجرامية و الإرهابية، والتي بدورها تحكمت بأهل البيت و أهل المنطقة و سكانها الذين أصبحوا أسيرين لهم.
وكان لابد للحكومة أن تفرض هيبتها من جديد و تهاجم هذه المناطق للسيطرة عليها و فرض النظام و إيقاف التمرد بكل أشكاله، و كذلك مهاجمة المناطق التي أصبح يعشش فيها الإرهاب و السلب و القتل و النهب و الإختطاف دون أي تمييز، فاندلعت معارك النجف ثم معركة الفلوجة تبعتها معارك أخرى في الموصل ومثلث الموت (جنوب بغداد) إلى منطقة تلعفر، و الباقي ما زالت تدور رحى معاركه إلى يومنا هذا.
خلال تلك الفترة، كان هناك نهباً آخر لثروات العراق يتم بطرق مختلفة حيث انشغل الشعب بأخبار القتال الدائر هنا وهناك وبالعمليات الإرهابية التي حصدت المئات و الآلاف من أرواح الأبرياء المدنيين في كل مكان، و بالبحث عن لقمة العيش و غياب الأمن و انقطاع الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء و محروقات.
هذا النهب كان على مستويات سلطة الإئتلاف المؤقتة و المسئولين الرسميين على رأس الدولة (المؤقتة) وكذلك الميليشيات و العصابات التي أصبحت تتحكم بمنابع نفط و موانئ خاصة لها، ناهيك عن العقود الضخمة للمواد الفاسدة و غير المطابقة للمواصفات و المعدات غير المناسبة، وكل ذلك بحجة "مشاريع إعادة الإعمار".
ونعرف من رأس لجنة العقود ولجنة اجتثاث البعث و لجنة المالية، الذي تحالف مع الأمريكان للدخول إلى العراق على ظهر دبابة أمريكية، فبدأ يصول ويجول في أطراف العراق و أخذت ميليشياته بالسرقة و النهب و بيع تصاريح سيارات و السيارات المسروقة من الدولة و بيع عقود النفط و التحكم بميناء خاص بهم في جنوب البلاد، فاتضح للأمريكان الخطأ الذي وقعوا به و أرادوا تحجيمه بعد أن أوشك على الاستبداد، فاتهمه الأمريكان بالكذب عليهم في موضوع أسلحة الدمار الشامل، وكادت القوات الأمريكية أن تقضي عليه، على الأقل سياسياً حينما داهمت مكتبه و منزله في بغداد، لكنه تحالف مع إيران ليتهم من جديد بالتجسس لصالح إيران، وعاد إلى العراق للتحالف مع مقتدى الصدر في معركته ضد الأمريكان، ليعود في النهاية للتحالف ضد الصدر ولكن مع آية الله علي السيستاني. لا أقصد هنا اتهاماً شخصياً ولكن أقصد إظهار حقيقة بعض ممن كان يتلاعب بمصير العراقيين و ما هو مستوى انتماءهم ثم من أصبح يحكم و يتحكم بالشعب العراقي و يناور بالوطنيات و يبيع ويشتري كل شيء بحسب الثمن المدفوع.
خطأ آخر سيساعد فيما بعد على فتح الباب أمام التقسيم و الحرب الأهلية، ألا وهو انقسام السنة الذين اصلاً لم تكن لديهم مرجعية، فانقسموا بينهم بين تبادل الإتهامات بكون هذا الطرف أو ذاك ليس إلا صدامي أو ممن استفادوا من النظام السابق أو عميل لهذا الطرف أو ذاك و أضاعوا وقتهم بالنقاشات البيزنطية فيما إذا كان ما حصل في البلاد تحرير أم احتلال وبدأ كل طرف يحاول إيجاد من يتبناه من أجل جمع الأموال بقصد تجنيد الشعب، إلى آخر المهزلة حتى ظهر من يستغل هذا الوضع فيبرز أشخاص فرضوا أنفسهم متحدثين و قادة للسنة وهم ليسوا إلا من بقايا النظام السابق، هدفهم تدمير كل ما يمكن ومنع أي فرصة للتقدم و البناء و تقسيم البلاد، وسنتعرف عل بعضهم وعلى مناصبهم ووظائفهم السابقة في عهد النظام المخلوع لنرى كم كانوا مقربين منه في حلقات قادمة.
إذ أن تصريحات و إعلانات من سموا أنفسهم ب "زعماء السنة" وصل بهم الحد هذا اليوم إلى نشر الإعلانات المتلفزة المدفوعة الثمن لمحاربة مسودة الدستور وهذا هو طريق الفتنة و التقسيم و الإقتتال.
نهاية الجزء الثالث ويتبعه في الحلقة القادمة " نقل السيادة للحكومة العراقية و بداية خطر التقسيم "
أكثم التل
كاتب و صحفي أردني مستقل