التحليل النوعي لسياسات المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة
نشر بتاريخ: 22/12/2018 ( آخر تحديث: 22/12/2018 الساعة: 12:23 )
الكاتب: د.آمال حمد
مقدم إلى- معهد أبحاث سياسات النوع الاجتماعي
بداية نـود ّ أن نثمـن هذا العمـل الجـاد والتفانـي والمسـاهمة المهمة لهذا التحليل، إذ أن هذا المسح شكَل حصر وتحليل للسياسات جميعها، وهي المرة الأولى التي يتم فيها العمل بالاتجاه السليم تجاه توحيد التوجهات لسياسات المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
يتزامن إطلاق هذا المسح في ظل جملة من التحديات والمحددات التي تمر بها المرأة الفلسطينية منها الاحتلال الإسرائيلي، وزيادة في التحديات المتعلقة بإهدار حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية نتيجة الحصار والانقسام السياسي حيث غيّبت الرقابة التشريعية على أداء السلطات التنفيذية وتعطل عمل المجلس التشريعي الفلسطيني، وخضوع كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة لإدارتين مختلفتين افرزتا قوانين مغايرة ومختلفة وخاصة قانون العقوبات والأحوال الشخصية.
كما نجد ارتفاع وتيرة أعمال العنف المجتمعي والأسري ضد النساء داخل المجتمع الفلسطيني، في ظل غياب الحماية الكافية، وضمن واقع سياسي عام تسبب في اختلال فرض اليات حماية لازمة، وتقاعس السلطات النافذة عن حماية حقوق النساء خصوصاً في ظل الانتهاكات الواقعة على الحق في الحياة والمتمثلة في القتل تحت مسميات مختلفة كالقتل على خلفية الشرف او القتل في ظروف غامضة .
إن النسق القانوني والاستراتيجيات والسياسات والبنية التشريعية التي وفرتها دولة فلسطين تشكل أرضية جيدة نحو المشاركة والتغيير، لكن ما يسترعي الانتباه أنه ليس بمجرد إقرار تلك السياسات والخطط والقوانين، تصبح الطريق أمامه ممهدة للتطبيق، فهناك فجوة في تطبيقها على أرض الواقع، ولهذا فلقد عمل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والمؤسسات النسوية على تشكيل الائتلافات المختلفة من خلال اللجان المعنية بقضايا المرأة كائتلاف 1325،وائتلاف سيداو والذي يعتبر بمثابة رقيب على أداء الدولة حول التدابير التي يجب ان تتخذها وتكفل ضمانة لحماية النساء في أوقات السلم والحروب، وتعد هذه التقارير الصادرة عن هذه المؤسسات بمثابة مرجعية هامة توضح من خلالها الأولويات التي يجب العمل عليها للقضاء على التمييز ضد المرأة بكل اشكاله وانواعه وأياً كان مصدره، ما نريد قوله بأننا نقدر هذا الجهد المبذول في المسح، ولكن لوحظ العمل على الاستراتيجيات والخطط والسياسات بعيداً عن المؤسسات النسوية والحقوقية والخبرات من قبل الناشطات والناشطين في المجتمع المدني، وخاصة من المحافظات الجنوبية.
الملاحظات على تقرير المسح :
1- مع تقديرنا لكل المرجعيات التي ذكرت في المسح ولكن لم يتم الإشارة إلى الوثيقة الحقوقية للمرأة ، والتي انطلق العمل على إعدادها منذ العام 1994 معتمدة على اهم اسس اعلان الاستقلال "مبدأ المساواة"، حتى العام 2012 بمبادرة من الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ووزارة شؤون المرأة"، وبمشاركة المؤسسات والأطر النسوية الفلسطينية، وهي تتضمن الوثيقة عدد من الحقوق والمبادئ القانونية والاحكام والالتزامات الواجبة على دولة فلسطين.
الوثيقة تتوزع على اربع محاور؛ الحقوق السياسية، والحقوق المدنية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وحقوق المرأة في النزاعات المسلحة والكوارث وتحت الاحتلال، وأحد الأهداف الأهم إلزام السلطة الوطنية الفلسطينية باعتماد الوثيقة الحقوقية كمرجعية في سن التشريعات الفلسطينية ووضع السياسات الوطنية وضمان موائمة القائم منها مع محتوى الوثيقة وتوطين لحقوق المرأة كما نصت عليه المرجعيات الدولية والمرتكزات القانونية لهذه الوثيقة.
2- نطاق إنفاذ قوانين السلطة الفلسطينية محدود، إذ لا يمكنها إنفاذ قوانينها في المنطقة ج، التي تمثل 60 % من الضفة الغربية، حيث للجيش الإسرائيلي سيطرة حصرية، أو في القدس الشرقية، التي تطبق فيها إسرائيل قانونها المدني، وإن ظلت أراض محتلة حسب القانون الدولي حيث نلاحظ أن بعض الرجال الذين يرتكبون جرائم عنف ضد النساء يفرون إلى المنطقة ج أو القدس الشرقية أو إسرائيل، فرارا من الملاحقة القضائية، من جهة ثانية فإنه لا يمكن للسلطة الفلسطينية إنفاذ قوانينها في غزة الخاضعة لسيطرة حماس. إذاً هناك فجوة موجودة في داخل المجتمع وتعززها عوامل مختلفة كالانقسام والانشغال بقضايا اخرى هي لا تؤخر فقط تطبيق قوانين حقوق المرأة في المجتمع بل تؤخر ايجاد ثقافة مشتركة تؤمن بعقد اجتماعي حقيقي قائم على المساواة ومحمي من قبل الدولة، ولكنها ايضا تفرق بين الاماكن الجغرافية والثقافات المتباينة في المجتمع.
3- إن إلغاء السلطة الفلسطينية بعض الأحكام القانونية التمييزية ضد النساء في مارس/آذار 2018 هي خطوة أولى جيدة، يجب أن تتبعها خطوات أخرى باتجاه إلغاء كافة أشكال التمييز الأخرى، ويشمل ذلك التمييز في تسجيل المواليد، قوانين الأحوال الشخصية، والفجوات في المحاسبة على العنف الأسري
نثمن عاليا ما أقدمت عليه القيادة الفلسطينية مؤخراً عبر القرار الصادر من الرئيس محمود عباس القاضي بانضمام فلسطين الى عدد من الهيئات والوكالات ذات الاختصاص والتوقيع على الاتفاقيات والبروتوكولات ذات الصلة بالمرأة منها البروتوكول الاختياري لاتفاقية سيداو ،واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى للزواج ،والذي يعتبره الاتحاد العام للمرأة إنجازا وتتويجا لنضالات المرأة الفلسطينية ، كما أن قرار مجلس الوزراء بمنح النساء حضانة أطفالهن، وفتح حسابات بنكية لهم، ونقلهم إلى مدارس مختلفة، والاستحصال على جوازات سفر لهم هو تقدم هام، لكن المرأة لا تزال تحظى بمكانة أدنى في القانون.
4- إن تبني اي ميثاق دولي هو مسألة مهمة وتمثل حقيقة الارادة السياسية في اي بلد، وبانضمام فلسطين إلى اتفاقية سيداو في أبريل/نيسان 2014 بدون تحفظات أو بيانات، هي خطوة ايجابية تعكس جدية الارادة السياسية الفلسطينية لصالح المرأة، لكن الاهم اولاً مدى مواءمة التشريعات والقوانين المحلية مع هذه الاتفاقيات وثانيا، هو تنفيذ هذه الاتفاقيات على ارض الواقع وهنا اشير الى انه في الحالة الفلسطينية فالقوانين المحلية المتعلقة بالمرأة فهناك فجوة واسعة جدا في القوانين الفلسطينية، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وفجوة بين القوانين ذاتها في قطاع غزة والضفة الغربية، كما أنها غير مطبقة على ارض الواقع بشكلٍ كافٍ لحماية النساء من العنف للتأكيد على عدم التمييز، مع أنه قد تم تشكيل لجنة لمواءمة القوانين والتشريعات من قبل الحكومة، ومنها مراجعة قوانين الأحوال الشخصية، ومواءمته بناءً على الاتفاقيات الدولية وتحديداً اتفاقية سيداو، كما أننا نلاحظ إصدار الرئيس محمود عباس لقوانين بقرار، فحتى إبريل 2018 تم إقرار 770 قانون بقرار، ولا تشكل منها المرأة تقريباً 5 قرارات ، بالتالي ما هو مطلوب اولاً توحيد هذه القوانين ومن ثم معالجة مواءمة هذه القوانين مع نصوص اتفاقية "سيداو"، كما أننا بحاجة الى مفهوم التوعية التي تبدأ من المدرسة والمناهج التعليمية ولابد من تعديلها حتى تتواءم مع حقوق المرأة ونضالها العادل ومساواتها مع الرجل
5- لا زال قتل النساء في مجتمعنا احد اهم المخاوف التي تواجهها النساء وتتحدها على المستوى الاجتماعي والتشريعي، الذي يتسامح مع هذه الظاهرة ومرتكبها دون ايجاد رادع قانوني يوقف هذه الجريمة بشكل جدي، مع أنه وفي 14 مارس/آذار، وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس القانون رقم 5 لسنة 2018، وينص على إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات لعام 1960 النافذ في الضفة الغربية، إذ يحظر على القضاة تخفيف العقوبات على الجرائم الخطيرة، مثل قتل النساء والأطفال.
6- لقد تم تشكيل العديد من اللجان الخاصة بمناهضة التمييز ضد المرأة بهذا الخصوص ، ففي عام 2008 اصدر مجلس الوزراء قرارا ينص على انشاء اللجنة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة وفي عام 2011 تم اعتماد الخطة الاستراتيجية لهذه اللجنة وتم ايضا وضع آلية لعمل هذه الخطة حيث تضمنت هذه الالية تشكيل خمس لجان في قطاعات متعددة منها قطاع الامن والتربية والتعليم والاعلام والحماية الاجتماعية وقطاع الصحة ومنها تشكيل اللجنة التشريعية للنوع الاجتماعي التي مهمتها توحيد الجهود الوطنية من اجل تحقيق تشريعات مستجيبة للنوع الاجتماعي بشكل عام، الى جانب توقيع مذكرات تفاهم مع وزارة شؤون المرأة التي تمثل الحاضنة لكل الامور المتعلقة بالمرأة الفلسطينية . وغيرها الكثير من اللجان ولكن السؤال المهم ما هي منجزات هذه اللجان ؟؟ ولماذا لا تنشر على العلن.
7- لا يحدد مشروع قانون حماية الأسرة بوضوح التزامات الحكومة الرئيسية لمنع العنف وحماية الناجيات ومقاضاة المعتدين. لذا ينبغي على السلطات الفلسطينية تعديل مشروع قانون حماية الأسرة لضمان الحماية الكاملة للناجيات واعتماده بسرعة، بما يشمل آلية لتمويل مساعدة الناجيات وتدابير للحماية من العنف الأسري ومنعه، ونحن نتساءل :ما الذي يؤخر المصادقة على مشروع قرار بقانون حماية الأسرة من العنف؟ ما دامت دولة فلسطين قد وقعت على اتفاقية "سيداو" "دون تحفظات" عام 2014، وعلى البروتوكول الاختياري للاتفاقية عام 2018؟ وما الذي يؤخر إدماج الاتفاقيات الدولية في القوانين الفلسطينية السارية، من خلال المواءمة؟
8- تعاني المرأة الفلسطينية من تمييز واضح في مجال المشاركة في رسم السياسات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية، وهذا التمييز أدّى لهدر طاقات بشرية كاملة وضرورية في عملية البناء ، خصوصاً أن السوق بحاجة إلى وجود امرأة فاعلة في مجال السوق وفي مجال التعليم التقني والمهني؛ تحقيقاً لدور كامل غير منقوص للمرأة في التنمية. ويسترعي ذلك الوقوف عند قانون الاستثمار الفلسطيني رقم (1) لسنة 1998، حيث يأتي هذا القانون تلبية لحاجات التنمية الاقتصادية، واضعاً ضوابط ومعايير الاستثمار في فلسطين، إلا إنه -للأسف- لم يراع أو ينظم عمل أو دخول المرأة أو مشاركتها في هذه العملية، حيث همّش دورها ودخولها سوق العمل للاستثمار، من هذا المنطلق لا زال وضع المرأة الفلسطينية على هذه الأصعدة الثلاثة أي على صعيد سوق العمل والاستثمار والتعليم التقني والمهني ضعيفاً، ولا يشهد مشاركة نسائية فاعلة وذلك لعدة عوامل اجتماعية وقانونية واقتصادية.
9- لقد لاحظنا أن الساحة الإعلامية غير مطلعة على نقاش السياسات الحكومية العامة مما يساهم في عدم فهم هذه السياسات، وقد تكون أغلب السياسات العامة من خلال اجتهادات فردية أو شخصية دون طرحها للنقاش العام مسبقا ودون انبثاقها من رؤية سياسية واضحة واستراتيجية وبالتالي فهي تصيب أحيانا وتخطئ أحيانا أخرى مما يفسح المجال لاجتهادات إضافية من قبل المفكرين والإعلاميين تصل حد التجاذب أحيانا.
بناءً على المعطيات التي تم ايرادها فاننا نقدم لكم توصياتنا:
1. ضرورة انهاء الانقسام السياسي كمطلب أساسي وجماهيري تطالب به كل النساء الفلسطينيات كونهن الأكثر تضررا على المستوى الاجتماعي والقانوني والاقتصادي والأمني .
2. على دولة فلسطين أن تحترم حقوق المرأة الواردة في الوثيقة الحقوقية للمرأة دون تمييز وأن تلتزم باتخاذ كافة الاجراءات وتبني السياسات اللازمة بوضع هذه الحقوق موضع التطبيق.
3. تطوير آليات التشبيك والتنسيق وتعزيز شراكة المؤسسات الحكومية ما بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب السياسية باعتبارهم روافع هامة للتغيير لضمان نجاح التنفيذ العملي والتأكيد على المشاورات الحقيقية الواسعة النطاق لتوفر إطاراً وطنياً شمولياً، يهدف إلى توحيد الجهود، والعمل ضمن رؤية واحدة لضمان حقوق عادلة للنساء.
4. نطالب بمشاركة النساء والمؤسسات النسوية في إعداد وضع الخطة الوطنية والأخذ بعين الاعتبار المعلومات المتاحة من جانب المرأة في رسم السياسات والبرامج في جميع مراحل وضع وتنفيذ ورصد خطة العمل الوطني، لدعم المشاركة الكاملة للمرأة وخاصة في المحافظات الجنوبية.
5. التزام دولة فلسطين بعمل مسوحات وإحصائيات خاصة بالتمييز والعنف الموجه ضد النساء والفتيات وذوات الإعاقة.
6. نتطلع إلى إقرار قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية وقانون حماية الأسرة والذي عمل الاتحاد مع المؤسسات النسوية والحقوقية وكافة مؤسسات المجتمع المدني المختصة على المشاركة في صياغته بما ينصف المرأة الفلسطينية.
7. ضرورة تعزيز دور الإعلام في الانخراط في الحوار حول دمج الأجندة النسوية في سياسات الدولة ودستور فلسطين من زاوية حقوق المرأة.
8. تفعيل واستغلال أكبر لقنوات التواصل الاجتماعي والاعلام تجاه نشر الخطط والسياسات المرسومة وخاصة وزارة الإعلام التي نتساءل هنا عن دورها ؟؟
9. إن على السلطات الفلسطينية أن تراقب الإدانات والأحكام في قضايا العنف الجندري، بما في ذلك جرائم القتل، لضمان عدم استخدام القضاة أحكام قانونية أخرى لتخفيض العقوبات فيها. كما ينبغي أن تستثمر في تدريب القضاة لمراعاة النوع الاجتماعي، لا سيما فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة.
10. نشر المصادقة على رزمة الاتفاقيات الدولية الموقعة في جريدة الوقائع الرسمية وعلى وجه الخصوص اتفاقية سيداو الاتفاقية على البروتوكول الاضافي لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الجريدة الرسمية.
11. ايجاد منظومة حماية شاملة للمرأة المعنفة تتبناها الدولة بشكل واضح ضمن خططها الاستراتيجية وميزانيتها الخاصة بتنفيذ الاجراءات والبرتوكولات للآليات المستخدمة في مساعدة النساء، وتوضيح اليات التنسيق والتشبيك بين المؤسسات.
لا يسعنا في الختام إلا أن نشكركم مرة أخرى المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية وخاصة مؤسسة اليونسكو التي تدعم المرأة الفلسطينية، حيث نلمس بوضوح الدور الرائد والإسهامات التي تقومون بها والدعم في كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية بما يؤمن لها الكرامة والحرية والمساواة.
وأخيراً ندعو الجميع بدءاً من مؤسسات المجتمع المدني المختلفة والمؤسسات الحكومية والدولية، القيام بالتدخلات الواجب القيام بها، والتي من شأنها تحسين واقع النساء الفلسطينيات وتعزيز مشاركتهن وحضورهن ضمن مواقع صناعة واتخاذ القرار بما يمكنهن من لعب دور أساسي في حل القضايا الاجتماعية والأساسية التي تعاني منها النساء ذاتهن .