نشر بتاريخ: 09/01/2019 ( آخر تحديث: 09/01/2019 الساعة: 13:34 )
رام الله- معا- اختتم المتحف الفلسطيني معرضه "غزْل العروق: عين جديدة على التطريز الفلسطيني"، والذي انطلق في 18 آذار واستمر حتى نهاية كانون الأول 2018 في مقر المتحف في بيرزيت.
جاء ذلك بحضور أكثر من 20 ألف زائر. كما نفّذ المتحف أكثر من 50 فعالية ضمن البرنامج التعليمي والبرنامج العام المرافقين للمعرض، تضمنت زيارات تفاعلية لـ 89 مدرسة من مختلف المدن الفلسطينية.
وتتبع معرض "غزْل العروق" التحولات التي شهدها تاريخ التطريز الفلسطيني، منذ ارتباطه بذات المرأة الفلسطينية وتعبيره عنها، مرورا بتحوله إلى رمز بصري ووطني للقضية والثورة، وصولًا إلى تداوله المعاصر كمنتج فنّي، وثقافي، واستهلاكي. متناولًا تداعيات تسييس التطريز الفلسطيني وانتقاله إلى عالم الصور عبر اللوحات والملصقات، ومسائلًا طبيعة إنتاجه الراهن في كنف المجتمع المدني، ونتائج تسليعه.
ويأتي المعرض كواحد من أضخم الإنتاجات الثقافية حول التطريز، حيث عرض أكثر من 300 قطعة، منها 80 ثوبًا فلسطينيًا، مع حُجُبها وتمائمها ونقوشها وما تحمله وتومئ إليه من تاريخ مُضمر في نسيجها، من مختلف عقود القرن العشرين، في مجاورة مع مجموعة من الأرشيفات المحلية والصور والملصقات واللوحات والمواد الأدبية والموسيقية ومقاطع الفيديو المُعدة خصيصًا لأغراض المعرض. ومن خلال عرض أثواب تبلغ من العمر مئة عام إلى جانب منتجات تطريز معاصرة، تحدّى المعرض السرديات ذات التسلسل الزمني المباشر، وقدّم من خلال منهجه قراءات متداخلة للتطريز، موفرًا بذلك إطارا نقديا لفهم التطريز باعتباره وسيطًا للديناميات التاريخية والسياسية وأحد منتجاتها.
وعلى الرغم من اعتبار التطريز تاريخيا أمرا هامشيا، احتفى "غزْل العروق" بالنساء اللواتي يستمدن قوتهن من عملهن الذي يقبع في الهامش.
وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم جدلا متزايدا حول حقوق النساء وسيادتهن على أجسادهن، ركز المعرض على فهم دور التطريز في بناء مُثُل وصور للأنوثة في فلسطين في ماضيها وحاضرها، ساعيًا لإبراز الأصوات النسائية.
وقالت زينة جردانه، رئيسة مجلس إدارة المتحف الفلسطيني "ان مهمتنا في المتحف الفلسطيني تكمن في سرد الرواية الفلسطينية، والحفاظ على التاريخ الفلسطيني والتفاعل الحيوي مع غناه، ليبقى مصدرًا دائم التطور والنّمو للمعرفة محليا ودوليا"، معتبرة أن "غزْل العروق" هو نجاح آخر للمتحف الفلسطيني في خلق حراك ثقافي حول مواضيع حيوية وهامة في تاريخ وحاضر الفلسطينيين.
من ناحيتها قالت قيّمة المعرض، ريتشل ديدمان: "بعد أربع سنوات من البحث، وُظَف التطريز الفلسطيني في كل من معرض "غزل العروق" وتوأمه معرض "أطراف الخيوط"، الذي نظمه المتحف في بيروت عام 2016، كمنهجية لتعقّب العلاقات بين تواريخ قد تبدو متباينة ومنفصلة، فالثياب، باعتبارها مادة يُنتجها ويرتديها الناس على أجسادهم، تشكل جزءا لا يتجزأ من بنية المشهد الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي في لحظته الراهنة، وتعكس الديناميات التي تحرك هذا المشهد. إن تواريخ الزراعة والتجارة الدولية، وحتى الطبقات الاجتماعية وتمثيل الهوية، بالإضافة إلى الرمزية والهوية السياسية للمكان، والقدرات النضالية الكامنة في الثياب والتطريز باعتباره فعل مقاومة، هي كلها قصصٌ تحكيها الأقمشة وتدل عليها".
وأضافت ديدمان "أعتقد أن فكرة التطريز أكبر بكثير من أن تكون تراثا، إلا أنها، وبصفتها أمرًا نشطا وغنيا وحيويا وقوة حية تلهمنا، فإنها بمثابة مدخل لفهم التاريخ الفلسطيني، وهذا باعتقادي أكثر الأمور إثارة على الإطلاق".
ونظم المتحف أكثر من 50 فعالية حول ثيمة المعرض ضمن البرنامج العام والبرنامج التعليمي، شارك فيها ما يقارب 12,000 شخصًا، تنوعت بين محاضرات فكرية، وورش عمل فنية، وجولات تفاعلية، وأيام مفتوحة للعائلات. كما قدّم المتحف تجربة تعليمية مختلفة لأكثر من 8 آلاف طالب مدرسي، حيث صُممت أنشطة تعليمية أتاحت لهم التفاعل مع المعرض بما يحتويه من مادة بحثية ومعروضات تاريخية، عن طريق الملاحظة البصرية والتفاعل الحسي، إضافة لإنتاج مصادر تعليمية لتعميق تجربة الطلبة والمعلمين في المتحف، مثل كتيب بعنوان "مستكشفو ومستكشفات المتحف الفلسطيني"، وكتيب "دليل المعلمين والمعلمات في المتحف الفلسطيني".
وسيفتح المتحف الفلسطيني آفاقا جديدة للتفاعل مع معرض "غزْل العروق" ونقل تجربته حتى بعد انتهائه، وذلك من خلال تقنية الواقع الافتراضي، حيث عمل المتحف على إنتاج جولة افتراضية من خلال سرد ثلاث قصص مستوحاة من المعرض عن: فلسطين قبل النكبة، أثواب الانتفاضة الأولى، وتطريز الرجال (الأسرى في سجون الاحتلال)، لاستكشاف تاريخ فلسطين وحياتها السياسية وثقافتها بطريقة تفاعلية ومبتكرة، ونقل المعرض إلى أماكن مختلفة حول العالم.
وفي ذات السياق، يتقدم المتحف الفلسطيني بجزيل الشكر لمقرضيه وداعميه لدورهم القيّم في إثراء محتوى المعرض، وهم: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بنك فلسطين، صندوق لينبيري، غالية وعمر القطان، دار الطفل العربي للتراث الفلسطيني، متحف جامعة بيرزيت، طراز – بيت وداد قعوار للثوب العربي، جورج الأعمى، مها أبو شوشة، ملك الحسيني عبد الرحيم، عائلة الفنان عصام بدر، إبراهيم وكريستا اللدعة، عبد الرحمن المزيّن، تمام الأكحل، فيرا تماري، نائلة لبّس، جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني، جمعية إنعاش الأسرة، مشروع أرشيف ملصق فلسطين، جاليري زاوية، فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، مركز الفن الشعبي، ومجموعة من الأفراد الذين أعارونا قطعًا من أرشيفاتهم الشخصية.
ويستعد المتحف لإطلاق معرضه القادم "اقتراب الآفاق: التحوّلات الفنيّة للمشهد الطبيعي" في آذار 2019. مستندا إلى ثيمة الأرض وما تخلقه من تمثلات في السياق الفلسطيني. سيتفكر المعرض ويتأمل في المواضيع التي برزت في الأعمال الفنية، وذلك انعكاسا لما تركته الأرض والعلاقة معها من تصورات في مخيلة الفنانين الفلسطينيين والعاملين في السياق الفني، تحت إشراف القيّمة د. تينا شيرول.