نشر بتاريخ: 04/02/2019 ( آخر تحديث: 04/02/2019 الساعة: 17:33 )
اعداد طالبة الحقوق داليا الزير- جامعة بيرزيت
جدار الفصل العنصري، أو كما يسميه الإحتلال الإسرائيلي "الجدار الأمني" لأخذ ذريعة لبنائه، شرعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي في بنائه في حزيران/يونيو عام 2002، في ظل الظروف القاسية التي كان يعاني منها الشعب الفلسطيني في إنتفاضة الأقصى، فكان بناؤه في ظل رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ارائيل شارون وتذًرع الإحتلال باقامته في الضفة الغربية بالقرب من الخط الأخضر؛ بمنع دخول الفلسطينين الى اسرائيل أو المستوطنات القريبة، هذا وبالاضافة الى العديد والعديد من الأسباب والذرائع الأخرى، ويبلغ طول الجدار في الضفة الغربية المحتلة 770 كم، بينهما نحو 142 كم في الجزء المحيط بالقدس والمسمى غلاف القدس، أما ارتفاع الجدار يصل الى ثمانية أمتار.
إن جدار الفصل العنصري يعد بمثابة أداة تحكُّم احتلالية صهيونية في حياة أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون داخله وحتى أولئك الذين يعيشون خارجه، ويسيطر على نطاق الحياة اليومية على مختلف الأصعدة، ويتأتى ذلك من خلال الرقابة التي يمنحها الجدار للاحتلال، وإقامة العديد من الحواجز والمعازل والمعابر والتصاريح بعد بنائه.
وعدت إسرائيل في بادئ الأمر محكمة العدل الدولية أن يكون هذا الجدار وسيلة "أمنية" مؤقتة لتحقيق الأمن والأمان، ولكن في حقيقة الأمر كان الهدف من بنائه على عكس ما تدعيه سلطات الاحتلال، حيث أنه يمر بـ85% من أراضي الضفة الغربية، وكل السكان الذين يعيشون في المناطق التي توجد بمحاذاته يعانون من انتهاك للعديد من الحقوق والحريات، بالإضافة الى أنهم يعانون من صعوبة في الحركة والتنقل منذ العام 2002، وحتى يومنا هذا، وكانوا وما زالوا يواجهون الصعوبة في الوصول الى أراضيهم الزراعية التي هي بالنسبة للفلاح الفلسطيني مصدر الرزق والدخل الرئيسي، ويتبعه في ذلك الصعوبة في تسويق منتجاتهم الى بقية أراضي الضفة، وبالتالي أدى الى الحاق الضرر بقطاع الزراعة الفلسطيني الذي يعتبر هو القطاع الأساسي في الاقتصاد الفلسطيني، ولطالما الجدار يحد من حرية التنقل والحركة فأصبح الفلسطيني يواجه العديد من الصعوبات في الوصول الى المستشفيات في البلدان المجاورة، كما وأنه أثر وبشكل كبير على جهاز التعليم وخاصة في القرى لأن الكثير من المعلمين في تلك المدارس كانوا يأتون اليها من الخارج، كما أثر على مستوى العلاقات الأسرية والاجتماعية.
والهدف الأسمى للاحتلال من بناء الجدار هو افتراس عدد كبير من الأراضي الفلسطينية للاحتلال، ولاعاقة حياة أبناء الشعب الفلسطيني، والتضييق عليهم في شتى مجالات الحياة، فبناء الجدار هو واحد من ضمن الأهداف الأساسية التي يسعى الاحتلال الى تحقيقها حتى يكون من الصعب التوصل الى أي تسوية سياسية مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين سواء بالنسبة لمصير مدينة القدس الشرقية أو رسم الحدود بين اسرائيل والدولة الفلسطينية.
الاعتبارات التي جرى الأخذ بها في تحديد مسار جدار الفصل؟
في تقرير نشرته جمعية "عير عميم" وهي جمعية هدفها الدفاع عن مستقبل عادل للقدس، جرت الاشارة الى ثلاثة اعتبارات أساسية حددت مسار الجدار، وهي :
1- منح الشرعية للحدود البلدية لمدينة القدس، اذ يمر جزء أساسي من هذا الجدار على طول الحدود الموسعة لبلدية القدس، الأمر الذي يؤدي إلى ضم نحو 240000 مواطن فلسطيني الى الجزء الاسرائيلي من طرف واحد وهي غير معترف بها من المجتمع الدولي.
2- التوسع الاقليمي: يرسم المسار الذي يقطعه الجدار في منطقة القدس خريطة جديدة غير رسمية لمدينة القدس الكبرى، التي تضم ثلاث كتل استيطانية كبرى هي : كتلة غوش عتصيون، ومعاليه أدوميم، وغفعات زئيف. وتمتد هذه الكتل الاستيطانية على نحو 164 كيلو مترا مربعا من أراضي الضفة الغربية.
3- الاعتبار الديموغرافي: لقد بقي خارج الجدار عدد من الأحياء الفلسطينية التابعة مبدئيا لبلدية الاحتلال بالقدس مثل حي كفرعقب وسميراميس وراس خميس ومخيم شعفاط وحي ضاحية السلام في عناتا، الأمر الذي أدى الى فصل المئات من الفلسطينيين سكان هذه الأحياء عن مدينة القدس، واضطرارهم الى الانتقال يوميا عبر المعابر من أجل الدخول الى المدينة.
كما وأن وجود هذا الجدار جعل من هذه الاراضي، مناطق فقر وحرمان من أي خدمات بلدية، فهي من ناحية قانونية لا تعتبر ضمن نطاق السلطة الفلسطينية، وأصبحت أيضا من ناحية عملية غير تابعة لبلدية القدس، ولكن اخراج هذه المناطق من نطاق بلدية القدس الأمر الذي أحدث تغييرا جذريا وديموغرافيا في التركيبة السكانية للمدينة، وهذا كله يصب في مصلحة الاحتلال.
بالنسبة لرأي محكمة العدل الدولية في الجدار:
بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3122003 قامت محكمة العدل الدولية (مقرها في لاهاي) بنشر رأي استشاري حول قضية قانونية الجدار بتاريخ 972007، الا أن اسرائيل رفضت تدخل محكمة العدل الدولية مدعية عدم صلاحية المحكمة للتدخل والبحث في هذه القضية، وان اطار البحث حول هذه القضية هو العلاقات الثنائية فيما بينها وبين الجانب الفلسطيني.
فالرأي الاستشاري الأول الذي تبنته المحكمة هو أن قيام هذا الجدار له تبعات واثار عديدة تؤثر على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، الا ان اسرائيل قطعت الوعد أمام محكمة العدل الدولية على أن يكون هذا الجدار كوسيلة أمنية ومؤقتة، ومع ذلك ما زالت مخاوف المحكمة موجودة في أن تقوم اسرائيل بضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية لصالحها الأمر الذي يؤثر على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
أما من الناحية الثانية من الرأي الاستشاري فقد كان حول مدى قانونية جدار الفصل استنادا للقانون الدولي الانساني، فقد كان ادعاء اسرائيل بأن اتفاقية جينيف الرابعة لا تطبق على الأراضي الفلسطينية لكون كل من الضفة والقطاع ليست جزءا واحدا من دولة ذات سيادة، إلا أن المحكمة ردت بانطباق اتفاقية جينيف الرابعة لكون الانقسام ما بين الضفة والقطاع سببه هذا الاحتلال.
ومن الناحية الثالثة من الرأي الاستشاري هو مدى قانونية جدار الفصل في ظل القانون الدولي لحقوق الانسان، فالأصل هذا القانون يطبق على كافة الاراضي المحتلة إلا أن قيام جدار الفصل يمس بالعديد من الحقوق التي ورد ذكرها في العديد من الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت عليها اسرائيل، فخلال الأعوام الماضية شكل جدار الفصل العنصري أحد أهم الأهداف الأمنية والديموغرافية والسياسية التي أخذت سلطات الاحتلال الاسرائيلي ساعية الى تحقيقها.