مؤتمر ميونيخ للأمن: النظام العالمي يتفكك من سيجمع أجزاءه المتناثرة؟
نشر بتاريخ: 12/02/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )
بيت لحم- معا- النظام العالمي يتفكك، ويتساءل الأوروبيون قلقين: من سيقوم بتجميع الأجزاء المتناثرة؟ وهذا السؤال يركز عليه مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن هذا العام. والجواب على هذا السؤال غير مشجع ولا يدعو للتفاؤل.
ويعتبر مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن أهم وأكبر لقاء من نوعه على مستوى العالم. ويُتوقع هذا العام مشاركة نحو 40 رئيس حكومة ودولة و100 وزير، بينهم أيضا المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ونائب الرئيس الأمريكي مايك بينس ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وعندما يصل المشاركون إلى ميونيخ سيجدون في الوثائق الخاصة بالمؤتمر " تقرير ميونيخ للأمن" الذي يتناول في مائة صفحة الموضوعات المتعلقة بالوضع العالمي والتي سيتم تناولها والتشاور حولها في المؤتمر.
الوضع مقلق للغاية، يقول رئيس المؤتمر، فولفغانغ إيشينغر في هذا التقرير ويضيف أن "عهدا جديدا من المواجهة بدأ بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، ويتزامن مع فراغ في السلطة فيما يعتبر النظام العالمي الليبرالي". والولايات المتحدة الأمريكية في ظل رئاسة ترامب لا تبدي اهتماما كبيرا بالاتفاقيات الدولية، وتضع علامة استفهام على منظمات مثل حلف شمال الأطلسي- الناتو والأمم المتحدة. والأسوأ من ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تريد لعب دور الزعامة في العالم الحر. وعوض ذلك هي تظهر "حماسة كبيرة محيرة مقلقة لرجال أقوياء". وبالنسبة إلى الحلفاء الأطلسيين من الصعب عليهم تقبل أن يشيد ترامب بزعماء غير ليبراليين ـ سواء أكان ذلك في البرازيل أو الفلبين، حسب ما جاء تقرير ميونيخ للأمن.
ويفيد تقرير الأمن أن الولايات المتحدة الأمريكية رصدت "الصين وروسيا كأهم منافسين استراتيجيين". ويتجسد التنافس الجديد بين القوى الكبرى الثلاث بشكل مختلف، بحيث أن النزاع يتأجج بين واشطن وبكين حاليا لاسيما فيما يرتبط بقضايا الاقتصاد والتجارة. فيما تعتبر الصين وروسيا في تحالفهما خصما للغرب، إلا أنهما تراقبان بعضهما البعض في منافسة جيوسياسية. وبين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تبقى المنافسة على التسلح، وهنا أيضا يشير التقرير إلى ضعف الأمل في تحسن قريب. فبعد تعليق العمل باتفاقية الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى، تدهور الوضع بالنسبة إلى مكونات مراقبة التسلح أيضا. ويبدو حاليا "من غير الوارد" أن تجدد واشنطن وموسكو العمل بما يُسمى "اتفاقية ستارت الجديدة" حول الأسلحة النووية الاستراتيجية بعد انتهاء مهلتها عام 2021. ويفيد التقرير الأمني بأن "استعداد الاتحاد الأوروبي سيء" للمنافسة بين القوى الكبرى، وهذا لا يعكسه فقط الجدل حول "الاستقلالية الاستراتيجية" للقارة العجوز، ولا يملك أحد في الوقت الراهن "خطة بديلة" تستقل بموجبه أوروبا من الناحية الأمنية.
أين هم "حراس النظام الليبرالي؟"
في الوقت الذي يتحول فيه النظام العالمي إلى "نطاق جديد"، يحاول فيه المدافعون المتبقون عن القيم الليبرالية تجاوز هذه الفترة من انعدام الأمن وعدم الاستقرار. ويناقش التقرير الأمني مجال تحرك وطاقات بلدان مثل كندا أو اليابان. ويهتم فصل كامل ببريطانيا كبلد طبع إلى حد كبير النظام العالمي الليبرالي وقدم الكثير في السياسة الأمنية، لكنها تواجه متاعب بريكسيت أي الخروج من الاتحاد الأوروبي. وحتى لو أنه يُقال باستمرار في لندن وباريس وبرلين بأنه يجب التعاون بشكل وثيق في المستقبل، إلا أنه يتضح من الآن أن "عملية بريكسيت ستتسبب في جروح وعلى مدى أعوام لكلا الجانبين على ضفتي بحر المانش".
دعوة إلى التحالف
إذن من يجب عليه أن يجمع الأجزاء المتناثرة للنظام العالمي المفكك؟ المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قالت وهي تتطلع إلى مشاركتها في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، إنها تعتزم العمل من أجل الحفاظ على المؤسسات الدولية. وهذا ما يزال على الأقل يحتل مكانة هامة "كما كان عليه الوضع أيام الحرب الباردة". ودعا وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس قبل مدة قصيرة إلى تشكيل "تحالف متعدد الأقطاب". لكن صعوبة تحقيق هذه الأهداف تظهر انطلاقا من التعاون مع فرنسا، الشريك الأهم لألمانيا في أوروبا.
وكشف استطلاع للرأي لمؤسسة فريدرش إيبرت أن 42 في المائة فقط من الفرنسيين، مقابل 59 في المائة من الألمان يؤيدون بقاء بلدهم محايدا في القضايا الدولية. والتدخلات العسكرية في النزاعات يرفضها عدد أكبر من الألمان (65 في المائة) مقارنة مع الفرنسيين (50 في المائة). وهذا يعكس العملية السياسية والثقافة الاستراتيجية المختلفة بين برلين وباريس. وكيف يمكن تجاوز هذه الاختلافات السياسية، هذا ما يجب توضيحه بسرعة بين برلين وباريس. لكن المستشارة ميركل والرئيس الفرنسي ماكرون لن يحصلا على الفرصة لفعل ذلك في ميونيخ. فالرئيس الفرنسي ألغى بشكل مفاجئ مشاركته في المؤتمر قبل أيام بسبب صعوبة في الجدول الزمني نظرا لضرورات السياسة الداخلية.