الأربعاء: 25/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

أسرى يدخلون عامهم الـ34 في سجون الإحتلال

نشر بتاريخ: 28/03/2019 ( آخر تحديث: 30/03/2019 الساعة: 10:35 )
أسرى يدخلون عامهم الـ34 في سجون الإحتلال
بيت لحم- معا- يدخل الأسرى الفلسطينيون وليد دقة وابراهيم أبو مخ ورشدي أبو مخ عامهم الرابع والثلاثين خلف القضبان في سجون الإحتلال. كان اعتقالهم في شهر آذار - مارس من عام 1986، وكانوا يشكلون مجموعة فدائية منبثقة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي قامت بأسر جندي اسرائيلي في عام 1986، بهدف إخراجه خارج الوطن لإجراء عملية تبادل للأسرى، ولما فشلت كافة المحاولات لإخراجه اضطرت المجموعة إلى تصفيته وإخفاء جثمانه.

بعد ذلك نجح الاحتلال الاسرائيلي بالوصول إلى المجموعة واعتقالها وهي التي عملت في داخل الاراضي المحتلة منذ عام 1948، إلى جانب مجموعات فدائية أخرى للجبهة وبقية الفصائل، الأمر الذي كان يوجع الاحتلال، وهذا منبع حقده على كل أبناء شعبنا الذين يقاومون وجوده في المناطق المحتلة عام 1948، ورفضه إطلاق سراحهم ضمن صفقات التبادل. والنماذج عديدة حيث يقضي كريم وماهر يونس أكثر من 37 عاماً متصلة خلف القضبان وهناك غيرهم الكثيرون.

الأسير المناضل "وليد دقة" من مدينة باقة الغربية في اراضي الـ48، محكوم بالسجن المؤبد أو مدى الحياة بعد إدانته ورفيقيه رشدي أبو مخ وابراهيم أبو مخ بتهمة العضوية في الخلية التي نفذت العملية، فقد الأسير وليد دقة والده وهو في الأسر، ويعتبر من الأسرى المثقفين الثوريين، وله كتابات في شتى المجالات منها العديد من المقالات والدراسات وأصدر عدداً من الكتب ( يوميات المقاومة في مخيم جنين, صهر الوعي, حكاية سر الزيت).

يعد وليد دقة من الأسرى القلائل الذين اكتسبوا خبرات واسعة في القضايا التنظيمية والاعتقالية والحياة الأسيرة، ويمتلك قدرات ثقافية عالية. وقد واصل تحصيله الأكاديمي في المعتقل، وحصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية، وشارك وقاد الكثير من المعارك النضالية التي خاضتها الحركة الأسيرة دفاعاً عن منجزاتها ومكتسباتها, وهو يعتبر من الكتاب المتمرسين في المقالة السياسية ومن محبي المطالعة والرياضة. واقترن اسم الأسير وليد دقة بمسرحية "الزمن الموازي" وهي مستوحاة من تجربته في الأسر, وقد صنف بأنه من أبرز من استحقوا جوائز إبداعية لعام 2018 على كتابه "سّر الزيت".

تعرّف وليد على الناشطة الفلسطينية سناء سلامة عام 1996 من وراء شبك الزيارة، حيث زارته في سجنه لتكتب عن الأسرى ومعاناتهم كونها كانت تكتب لصحيفة الصبّار والتي تصدر في مدينة يافا. وقد كتبا قصة حب مميزة لايزالان يعيشان فصولها لغاية الآن رغم القيود والحواجز والأسلاك الشائكة وتعقد ظروف المرحلة، وقد تم عقد قرانهما في يوم 10 آب - أغسطس 1999 في السجن، وسمح لعائلتيهما إضافة إلى خمسة عشر أسيراً من أصدقاء وليد في المشاركة، وأيضاً السماح بتصوير فيديو وصور عادية، والسماح بسماع موسيقى كأي عقد قران عادي.

أصيب الأسير وليد خلال فترة سجنه بأمراض عديدة, وتعرض إلى الإهمال الطبي كباقي الأسرى المرضى . إلا أن صلابته وعزيمته وروح التحدي لديه تمكنه من مواجهة الأمراض الجسدية, مثلما يواجه السجان والظروف القاسية, ولم يزل قابضاً على الجمر ولم يتوقف عن العطاء والنضال رغم السنين الطوال وازدياد القهر والظلم والحرمان, ويتصدر المواجهة مع السجان سواءً بقلمه أم بجسده وفكره, وينتظر كما والدته وزوجته وكل أسرته ورفاقه لحظات الحرية لأنها تمثل الإنتصار على أعداء الشعب والأمة والإنسانية.

الأسير "ابراهيم أبو مخ" من مدينة باقة الغربية مواليد 26 شباط - فبراير 1960، وضع في مواجهة مع الحياة هو وشقيقته الوحيدة من خلال فقدان والديهم وهو طفل صغير, واستطاع رغم ذلك أن يلتحق بالدراسة في مدينته حتى العام الدراسي العاشر, غير أن الفقر والعوز حرماه من استكمال دراسته, ويتصف ابراهيم بذهن متقد وذكاء عملي, ما شجّعه على اختيار مهنة أتقنها وقد عمل في منجرة خاصة به، مارس من خلالها إنتاج أعمال عليها مسحة فنية متميزة, رغم شظف العيش.

التحق بالمقاومة الفلسطينية من خلال "الجبهة الشعبية"، تعبيراً عن عدائه الطبيعي لمحتلي الوطن. وعبّر عن قناعاته بالكفاح المسلح وضرورات التغيير لرفع الظلم عن أهلنا وشعبنا لأنه شاهد ويشاهد الممارسات العنصرية وسياسة التهويد ومحاولات الطرد لأبناء شعبنا. فكان عضواً حيوياً في المجموعة العسكرية المسلحة والتي كان على رأس أولويات عملها تحرير الأسرى.

مضى على أسر "ابراهيم أبو مخ" حتى الآن 34 عاماً في سجون الاحتلال منتظراً من يكسر قيوده ورفاقه وإخوانه الأسرى. ومثل من مضى على وجودهم سنوات وخضعوا لسياسة الإهمال الطبي المتعمدة, فقد تعرض للإصابة بأمراض مختلفة لولا إرادته الفولاذية وعزيمته القوية لما تمكَّن من مجابهتها. شقيقته الوحيدة تقوم على الإهتمام به وزيارته طالما أمكنها ذلك, ويساعده أيضاً أبناء مجموعته في توفير ما يحتاجه داخل السجن. يمتلك ابراهيم ثقافةً ووعياً فكرياً ومعرفة بلغات أجنبية حيث درَّس وعلّم كثيرين من الأسرى. وهو باقٍ على قناعاته ولم يفقد الأمل يوماً، ومؤمن أن فلسطين سوف تتحرر لا محالة طال الزمن أو قصر.

الأسير رشدي أبو مخ الملقب ب "صالح" هو أيضاً إبن لمدينة باقة الغربية من مواليد 20 نيسان - أبريل 1960، هو جزء من عائلة ولدت ولا تزال تعيش في وطنها, له خمسة أشقاء وثلاث شقيقات، عانت أسرته شظف العيش ما اضطره لترك مقاعد الدراسة والإلتحاق بصفوف العمَّال مبكراً, إلّا أنه اختار أن يتعلم مهنة الحدادة، واتقنها ونجح أن يصبح حداداً متميزاً. لكن مهما طرأ على الوضع الشخصي من تغير، يقوم الاحتلال بممارساته العدائية وسياسته الاقتلاعية بالتحريض على تنامي روح الوطنية لدى الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا.

يتمتع رشدي أو صالح بروح مرحة ومعظم حركاته أو تعليقاته تأتي كفكاهة ونكات ما جعله شعبياً ومحبوباً أينما حط أو وجد, عمل صالح في السجون أعمالاً فنية لا تعد ولا تحصى. فمنذ 34 عاماً هي فترة وجوده بالأسر وهو يصنع أشكالاً من التحف ابتداءً من قبة الصخرة والتي صنع منها الآلاف إلى اللوحات والسبحات "مَسْبَحَة" وغيرها. عمله هذا ليس لنفسه أو لأسرته إنما لرفاقه وإخوانه .. مثلما عمل سنوات على تجليد كتب المكتبات, ومؤخراً يعمل على خدمة رفاقه وإخوانه الأسرى من خلال عمله في غسيل ملابسهم بمغسلة السجن.

اعتقلته قوات الاحتلال يوم 24 - 3- 1986 بتهمة الانتماء للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحيازة أسلحة ومتفجرات، وتنفيذ عملية فدائية، ضمن مجموعة من أبناء منطقته وهو اليوم يدخل اليوم عامه الـ34 في سجون الاحتلال.
تعرض "رشدي" مبكراً للإصابة بالسكري ووضعه تدهور على مدى هذه العقود ويعاني من أمراض أخرى مثل ارتفاع في ضغط الدم وانسداد في شرايين القلب ما جعله يخضع لعمليتي قسطرة، وحالياً يتناول يومياً 28 حبة دواء. ورغم كل ذلك لم يتوقف أو تهن عزيمته عن مواصلة مشواره النضالي وضرب المثال بالصلابة والصمود فرغم مرضه فقد شارك في غالبية معارك الجوع مع رفاقه.
رشدي أبو مخ ليس محباً كثيراً للثقافة, لكنه يعطي روحاً وطنية ومعنوية للأسرى الجدد سواء من خلال أحاديثه المباشرة أو كنموذج من الأسرى الصلبين جداً, لن تجدوا أحداً من الأسرى وكل من عرف صالح أبو مخ لم يحبه ويحب مجالسته وأصبح صديقاً له.
هؤلاء الرفاق الأسرى وليد وإبراهيم ورشدي نموذج لجيش من الأسرى الذين خاضوا معارك حقيقية، وانتصروا ولم ينهزموا, وحافظوا على كبريائهم وكرامتهم وحافظوا على حياتهم. والآن بل منذ وقت طويل تقع مسؤولية تحريرهم على عاتقكم وعلى عاتق أصحاب القرار .. ومع ذلك مهما طال زمن أسرهم يؤمنون بفلسطين التي سوف تتحرر كاملة وتقام عليها دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس.