غزة التاريخية تهزم احتلالاً أخراً وتعود للتمسك بطائر العنقاء شعاراً لها
نشر بتاريخ: 18/10/2005 ( آخر تحديث: 18/10/2005 الساعة: 11:14 )
غزة- معا- عادت غزة هاشم التاريخية المدينة العصية على كل الغزاة لتثبت من جديد عصيانها وعدم قبولها بأي محتل دون ورقة مرور يسمح بها سكانها الأصليون، وتدلل طبيعة جغرافيا المدينة التاريخية أن خروج الاحتلال الإسرائيلي منها بعد ثمانية وثلاثين عاماً دليل قاطع على عدم ترحيبها بمن يقتل ويدمر ولا يبني ويعمر.
فمدينة غزة من أقدم مدن العالم، اكتسبت أهمية بالغة نتيجة لموقعها الجغرافي الحساس عند التقاء قارتي آسيا وإفريقيا، مما منحها مكانة إستراتيجية وعسكرية فائقة، فهي الخط الأمامي للدفاع عن فلسطين، والشام جميعها جنوبًا، تعتبر حسب علماء الجغرافيا والمحاضرون التربويون الموقع المتقدم للدفاع عن العمق المصري في شمالها الشرقي الذي أورثها وظيفة الميدان وساحة القتال لمعظم الإمبراطوريات في العالم القديم والحديث، الفرعونية والآشورية والفارسية واليونانية والرومانية ثم الصليبية.
ويؤكد هؤلاء المتخصصون أن موقع مدينة غزة عند خط التقسيم المناخي، وعلى خط عرض 31.3 درجة شمال خط الاستواء جعلها تحتل الموقع الحدّي بين الصحراء جنوبًا ومناخ البحر المتوسط شمالاً، وعليه فهي بين إقليمين متباينين منحها ذلك دور "السوق" التجاري النابض بالمنتوجات العالمية، الحارة والباردة منذ أقدم العصور، وعزز هذا الموقع الهام موقعها المميز فوق تلة صغيرة ترتفع بنحو "45" متراً عن سطح البحر الذي تبتعد عنه نحو ثلاثة كيلومترات.
وكانت غزة القديمة تحتل مساحة تقدر بنحو كيلو متر مربع فوق هذه التلة، يحيط بها سور عظيم له عدة أبواب من جهاته الأربع، وكان أهمها باب البحر أو باب "ميماس" نسبة لمينائها غربًا، وباب "عسقلان" شمالاً و"باب الخليل" شرقًا، وأخيرًا "باب الدورب" أو باب "دير الروم" أو "الداروم" جنوبًا، وقد اعترى هذه التسميات الكثير من التبدل وفقًا لاختلاف وتبدل الزمن والإمبراطوريات، وكانت هذه الأبواب تغلق مع غروب الشمس، مما جعلها حصينة مستعصية على أعدائها.
وجميع هذه العناصر القوية جعلت الأجداد من العرب الكنعانيين الذين أسسوها قرابة الألف الثالثة قبل الميلاد يسمونها "غـزة" كما أطلق عليها هذا الاسم نفسه العرب الكنعانيون الذين سكنوها ولهم دورهم الفاعل في إنعاشها قبل الميلاد وتوطدت ِصلاتهم مع أهل غزة بفعل علاقات النسب والمصاهرة.
وأطلق عليها الفراعنة أيام "تحتمس الثالث" (1447-1501) قبل الميلاد "غزاتوه" وارتبط اسمها بـ "الكنز" الذي قيل بأن "قنبيز" قد دفنه أيام الفرس، وبقى اسمها "غزة" دون تغيير أو تبديل، وأطلق عليها العرب "غزة هاشم" حيث دفن بها جد الرسول في أثناء إحدى رحلاته قبل الإسلام في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الميلادي تقريبًا، فيما أطلق عليها "خليل الظاهري" لقب "دهليز الملك" ووصفها "نابليون" بأنها بوابة آسيا ومدخل إفريقيا لتؤكد جميعها حساسية موقعها وأهميته.
وحسب ما تناقله المؤرخون فإن الأبحاث التاريخية والكتابات القديمة أثبتت بأن غزة تعد من أقدم مدن العالم، ومن أكبر المدن الفلسطينية، ونظرًا لموقعها الجغرافي الفريد بين آسيا وأفريقيا، فإن مدينة غزة كانت وما زالت أرضًا خصبة ومكانًا تجاريًا غنيًّا ينشده المسافرون برًا وبحرًا، ويعتبر هذا سببًا كافيًا لتعاقب احتلال المدينة من قبل جيوش كثيرة على مر التاريخ، من ضمنها المحتل الإسرائيلي الذي اقدم على احتلالها لمدة ثمانية وثلاثين عاماً بعد حرب عام 1967 وانسحاب القوات العربية منها أمام ضرب الغزاة الجدد لها.
وعلى مدار الأعوام الـ 38 أقدم الاحتلال على تدمير البنى التحتية للمدينة التاريخية وتشويه مظهرها السياحي، عدا عن تدمير المنازل والطرق وتجريف الأراضي الزراعية واستغلال الأراضي الخصبة وكافة آبار المياه العذبة لصالح المستوطنات الإحدى والعشرين التي أقامها فوق أرض القطاع وحول المدينة العربية.
فيما عادت المدينة لتزدهر من جديد بمجيء السلطة الوطنية الفلسطينية إليها في العام 1993 مستعيدة شعارها الذي عرفت به دوماً وهو طائر العنقاء (الفينيق)، حيث أقدمت السلطة على إعادة إعمار بعض ما دمره الاحتلال وتفعيل دور البلدية التي واجهت العديد من الصعاب إبان الاحتلال، فعاد بعض المستثمرين الفلسطينيين من الشتات للبدء بعملية الإعمار وإعادة الوجه الحضاري للمدينة وإنعاش الوضع السياحي والاقتصادي لها بإعادة بناء الطرق والمساكن والأبراج السكنية المرتفعة وتفعيل المرافق الحيوية العامة وإعادة بناء النوادي والمنتزهات للترفيه عن قاطنيها البالغ عددهم قرابة 700 ألف مواطن نهاراً و500 ألف ليلاً بينهم أكثر من النصف ممن هجّروا من مدنهم وقراهم في العام 1948 بعد قيام الكيان الإسرائيلي فوق أراضيهم، فيما تعتبر الكثافة السكانية فيها من اعلى المعدلات في العالم.
ومنذ تسلم المجلس البلدي الحالي لمهامه في العام 1994 عكفت البلدية على دعم الأندية الرياضية والمراكز والمؤسسات الثقافية والمجتمعية القائمة دعماً مباشراً ورعت العديد من الفعاليات فيها، فيما عملت على تجديد متنزهي المدينة القديمين في منتصف المدينة وهما متنزه البلدية ومتنزه الجندي المجهول، كما أقدمت على إنشاء 25 متنزهاً جديداً في كل حي وأقامت حسب القائم بأعمال رئاسة البلدية د. ماجد أبو رمضان مجموعة متكاملة من المراكز المتميزة التي تقدم حالياً الخدمات لعشرات الآلاف من المواطنين وخاصة الأطفال خصوصاً مثل مركز هولست الثقافي بالمدينة، ومركز إسعاد الطفولة وقرية الفنون والحرف.
وتقـع المدينـة على خـط طول34 درجة، وخط عرض 31 درجة، بمساحة تقدر بـ 45 كم2، فيما تضم أربعة جامعات يدرس فيها قرابة 28.500 طالباً، ويستخدم قاطنوها عملات مختلفة مثل الدينار الأردني، الدولار الأمريكي والشيكل الإسرائيلي، ومعدل درجة حرارتها السنوي 20.3 درجة مئوية، وتبلغ أعلى درجة حرارة فيها بفصل الصيف لتصل إلى 32 درجة مئوية، وأقل درجة في الشتاء تصل إلى6 درجات مئوية، ويبلغ معدل سرعة الرياح السنوي 19 عقـدة، وأعلى معدل لسرعة الرياح في الشتاء تصل إلى 60 عقدة، ويتراوح المعدل السنوي لسقوط الأمطار بين 350 إلى 400 مم، وتهب الرياح على المدينة من الناحية الجنوبية الغربية.
أما عن كيفية الوصول إلى مدينة غزة، فهناك مطار غزة الدولي الذي يقع 40 كم جنوبها، ومطار" بن غوريون" في مدينة تل أبيب الإسرائيلية الواقع على بعد 75 كم شمالها، وبواسطة البر عبر الطريق الشمالي لها من خلال معبر بيت حانون، أو من خلال المعبر الجنوبي معبر رفح، وبواسطة السيارة عبر خطوط منتظمة بواسطة تاكسيات جماعية بين غزة ومدن أخرى مثل رام الله والقدس والخليل.