نشر بتاريخ: 29/07/2019 ( آخر تحديث: 30/07/2019 الساعة: 09:33 )
رام الله معا- قدم الاقتصادي الدكتور جمال السلقان فكرة تقوم على أساس إصدار ورقة مالية ذات مواصفات معينة تحمل صفة السند الإذني (التعهد بالدفع) كبديل نقدي لحل مشكلتي نقص السيولة النقدية وعجز التمويل.
وعرض السلقان خلال الورقة التي قدمها تمهيدا تأصيليا للفكرة، كيفية عمل أمل، مدى ملاءمتها للواقع الفلسطيني، أهمية الفكرة.
جاءت الورقة كالتالي:
"عندما لا تملك المال الكافي للدفع مقابل شراء سلعة أو خدمة ما في لحظة ما، وعندما تكون بحاجة لهذه السلعة او الخدمة، فإن ما تقوم به هو إصدار وعد بالدفع للبائع، أنت في هذه الحالة تكون قد تعهدت بدفع الدين في فترة تكون فيها امتلكت المال الكافي، هذا تدبير عادي ومألوف، ويمكن للأفراد والشركات والحكومات اللجوء إليه في حالات نقص السيولة والعجز".
"الأوراق المالية المعروفة بـ (IOUs) والتي تعني حرفياً (أنا مدين لك) جاءت للإيفاء بهذه المهمة، وهي مهمة الاعتراف بالدين (قيمته، والعملة المستخدمة لسداده وطرفي الدين: الدائن والمدين)، وحتى يكون التعهد بالدفع رسمياً وموثقاً فإنه سيكون على شكل ورقة مالية توثق هذا الاعتراف وعلى نحو لا يقبل التزوير، وهي تختلف من حيث بعض الصفات عن السند الإذني (Promissory Note) في أنها غير قابلة للتفاوض كونها لا تحمل موعداً معينا بالدفع مما يجعل قبولها غالبا ما يتم مع خصم على قيمتها الأصلية. هذا في حين أن السند الإذني يلاقي قبولاً أكبر كوسيلة لتسوية المدفوعات المؤجلة بسبب الازمة".
كيفية عمل "أمل:
تعمل الورقة المالية "أمل" بشكل يجمع ما بين ورقة "IOU" وبين ما هو معروف بالسند الإذني "Promissory Note" في آن واحد، وتختلف عنهما في كونها ورقة سائلة تحل محل الأوراق النقدية في التداول اليومي بينما تستمد قوتها الإب ارئية من الأوراق النقدية التي تحل محلها، فهي ورقة مالية تستعمل لتسوية الدين والدفع المؤجل بحيث يتم تحديد قيمة الدين، والعملة سقف الدين، وهوية الدائن والمدين، هذا بالإضافة لنص قانوني يعزز من ثقة الدائن في قدرته على تحصيل الدين بدون انتقاص وذلك غب الطلب. بالعادة، عندما يتحلى المدين بسمعة جيدة من حيث الإيفائية Solvency والثقة Creditworthiness ، فإن من المألوف أن يستعمل الدائن ورقة التعهد بالدفع لتسوية مدفوعات أخرى لدى دائنين آخرين الذين سيقبلونها لهذا الغرض وسيستعملونها في معاملاتهم المالية الأخرى، مما يجعل هذه الأو ارق أو ارقاً سائلة تؤدي بعضاً من وظائف النقود.
الواقع الفلسطيني:
تشير مؤشرات المالية العامة في فلسطين الى اعتماد المالية الفلسطينية لحد كبير على تحويلات المقاصة الاسرائيلية، وهذا يجعل قدرة مالية السلطة على الإيفاء بإلتزامتها محدودة ورهنا للإبتزاز الاسرائيلي، وبالطبع، يعتبر هذا من أكبر المخاطر الاستراتيجية التي ينبغي أن تجد السلطة لها حلاً بطريقة خلاقة، لأن وقف انسياب أموال المقاصة بشكل سلس يهدد قدرة السلطة على الإيفاء بدفع رواتب الموظفين وكذلك الوفاء ببقية الالتزامات المالية عليها للموردين ولكافة المستفيدين من بند النفقات الحكومية، وهذا أمر لا يمكن للاقتصاد الفلسطيني احتماله.
في نفس الوقت، يمكن للمالية الفلسطينية ان تفي بما يقارب/ أو يزيد عن نصف هذه الالتزامات بمعزل عن تحويلات المقاصة؛ وفي المعدل فإن الايرادات المحلية المتكونة من تحصيلات ضرائب الدخل والقيمة المضافة وغيرها قادرة على سد ما يزيد عن نصف فاتورة الضرائب، فقد تراوحت نسبة تغطية هذه الايرادات لفاتورة الرواتب ما بين 67% و 92% للأعوام مابين 2015- 18.
يبقى السؤال: لماذا يترتب على الاقتصاد الفلسطيني ان يعيش حالة انكماش وتراجع في كل مرة تنشأ فيها أزمة المقاصة مع المحتل الاسرائيلي؟ هذا علماً أننا على يقين أن أموال المقاصة ستعود للخزينة الفلسطينية بعد انقضاء الأزمة، وطالما أن هناك اعتراف اسرائيلي بهذه الأموال.
ما الذي يمكننا عمله: يمكن للخزينة الفلسطينية أن تستمر في دفع نصف الراتب نقدا كما تفعل الآن، وبنفس الوقت تقوم بإصدار أوراق مالية تحمل إسم "أمل" لتغطية النصف الاخر من الراتب، اي بنفس قيمة الدين القائم والمستحق على الخزينة الاسرائيلية، بحيث تقوم الخزينة بصرف كامل ارتب الموظف العام ( نصفه نقدا بالشيكل كما تفعل الآن ونصفه إلكترونيا بوحدات "امل") ويتم تداول هذه الاوراق بالسوق الفلسطينية وقبولها لأغراض التبادل التجاري، وستقوم الحكومة الفلسطينية بالإعلان عن قبولها لأوراق "أمل" في حال قرر دافعي الضرائب استخدامها لتسوية المستحقات عليهم.
في البداية، أي قبل أن تتمكن الحكومة الفلسطينية من طباعة هذه الأوراق وتأمينها على النحو المطلوب، يمكن اعتماد حساب رقمي لدى البنوك الفلسطينية لهذا الغرض، وبناء على ذلك تقوم البنوك بإصدار كروت ممغنطة لكل زبون ويتم ترصيد وحدات "أمل" في حسابه ، وبهذا يمكن لكل موظف استعمال هذا الكرت لدفع مشترياته بشكل الكتروني وبنفس آلية عمل الكروت الممغنطة بحيث يتم خصم قيمة المشتريات من رصيد المشتري وترصيد هذه القيمة لصالح البائع.
سيكون من المفهوم أن تعزيز الثقة بهذه الأوراق يتم من خلال:
أولا: قبولها من قبل الحكومة كوسيلة لدفع الضرائب.
ثانيا: أن كمية وحدات "أمل" ستكون دائما مساوية بالقيمة لدين المقاصة ولا تزيد عنه مما يولد الانطباع بوجود التغطية النقدية الكاملة لها، وهذا بدوره سيعزز قبول قيمتها بنفس القيمة المصدرة ويمنع تداولها بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية.
والحالة هذه، سيبقى المستفيدون من الرواتب والنفقات الحكومية يتقاضون جزءاً من رواتبهم ومستحقاتهم بالشيكل الإسرائيلي، وهنا تقوم أو ارق أمل بسد الفارق لتجنب إشكاليات نقص السيولة وتجنب آثارها الانكماشية الكبيرة على الاقتصاد الفلسطيني وتحافظ على نفس مستوى السيولة المطلوب للاقتصاد ليعمل بلا تشويش وكالمعتاد.
أهمية الفكرة:
ليس فقط لأغراض ضخ السيولة، وٕإنما تخدم كوسيلة لبديل نقدي على المديين المتوسط والبعيد، حيث يمكن الاستمرار بإصدار أوراق "أمل" حتى بعد استعادة أموال المقاصة، وهنا يمكن استعمال هذه الأوراق لعمل إحلال نقدي مقابل الشيكل الإسرائيلي، وهذا سيحقق لخزينة السلطة الفلسطينية دخلا كبيرا لطالما حرمت منه جراء استعمال الشيكل كعملة رسمية في السوق الفلسطيني على شكل ما يعرف بالسينيوريج.
في حالة وقوع السيناريو الأسوأ، أي في حالة استمرار حجز مستحقات المقاصة، فسيكون من المفيد التفكير بإكساب أوراق "أمل" خاصية التحويل لعملة أجنبية (بمعنى قابليتها الاستبدال بأوراق نقد اجنبية)، وذلك من خلال السعي لتأمين غطاء من إحدى الجهات الدولية أو العربية (أو كلاهما) بحيث تتعهد الجهة الضامنة بضمان قابلية "أمل" للتحويل لعملة أجنبية غب الطلب، وهذا بحد ذاته سيكون فرصة وتحدياً كبيرين.
خلاصة:
يمكن للأوراق المالية "أمل" أن تسد العجز لدى خزينة السلطة جراء حبس أموال المقاصة، ويمكن أن تتسبب في دخل إضافي لها إذا ما أُُحسن استخدامها. كما أنها فكرة قابلة للتطبيق ولا يمكن اعتبارها "عملة قام الطرف الفلسطيني بإصدارها من طرف واحد بمخالفة الاتفاقات الاقتصادية المعقودة مع دولة الاحتلال" ، لأنها ستحمل صفة أوراق تعهد بدفع الدين. ان استعمال اوراق "امل" هو حل عملي ليس لفلسطين فحسب، بل لجميع البلدان والسلطات التي تعاني أزمات سيولة وعجز ماليين، وهو خطوة أولى على طريق إعادة فائض الشيكل الإسرائيلي للخزينة الإسرائيلية التي ترفض استعادته بعد أن قامت بتزويد السوق الفلسطيني به مقابل عملات صعبة من الفلسطينيين، مما يجبر هذه الخزينة على "اطفاء" مليارات الشواكل بطريقة تفوت عليها الاستمرار بجني المنافع الناجمة عن إجبار السوق الفلسطيني على طلب الشيكل الإسرائيلي كعملة "يشتريها" الفلسطينيون بالعملات الصعبة التي تستقر في بنك إسرائيل المركزي دون أن يكلفها شيئا.
ما الجديد بالفكرة وبماذا تختلف عن أو ارق ال IOU المعروفة وعن السند الإذني:
برغم أن ورقة "أمل" تأخذ هذه الأوراق صفة اللإقرار بالدين والتعهد بدفعه، وتأخذ عنهما وصفا لقيمة الدين والعملة التي تسقف هذا الدين، وتأخذ من السند الإذني صفة الإلزامية وقابليتها للتداول، إلا أنها تختلف عن الورقتين بأنها ورقة سائلة ولا يتطلب التعامل بها وقبولها أي رسم (surcharge) إضافي تكلف الخزينة، هذا بحكم كونها اكتسبت قوة إبارئية وشرائية من الشيكل المحتجز لدى الإسرائيليين. وبالطبع فإن السياق الذي يأخذه تداول "أمل" هو سياق متصل بعملية إحلال نقدي داخل السوق الفلسطيني.
لن يكون هناك أي تغيير على مقدار الكتلة النقدية في السوق، فحقن الاقتصاد بوحدات أمل سيكون بشكل متناظر مع كل شيكل مفقود في السوق ولم يدخل الى السوق بسبب مشكلة المقاصة مع الإسرائيليين.